* في استطلاع أخير للرأي في الأراضي الفلسطينية، طالب أكثر من ثلثي الفلسطينيين في الضفة والقطاع والقدس (75%) الرئيس محمود عباس بوقف لقاءاته مع إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي لعدم جدواها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت الدعوات المطالبة بوقف المفاوضات إلي صفوف الوفد المفاوض، طالب أحد أبرز أعضاء الوفد ياسر عبدربه بضرورة اتخاذ قرار فلسطيني من هذا النوع ردا علي مواصلة سياسة الاستيطان، التي تمضي إسرائيل قدماً في سياستها لبناء المزيد من المستوطنات وابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية وتقطيع أوصال الضفة الغربية إلي كتل سكانية معزولة عن بعضها البعض بهدف تعطيل الوصول إلي تسوية عادلة تقوم علي الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. الجديد في الموضوع أن تصل هذه القناعة والمرتبطة باليأس إلي أعضاء الوفد المفاوض، بل وأكثرهم حماسة وتأييداً لاستمرار المفاوضات أمثال عبدربه والذي حمل للمرة الأولي منذ بدء المفاوضات علي الإدارة الأمريكية المسئولية كونها لا تستطيع أو ربما لا تريد أن تفعل شيئا حيال السلام خصوصا وأنها في عامها الأخير، وتسعي للظهور بمظهر النجاح، في الوقت الذي تتعثر فيه سياستها في كبح جماح الاستيطان، وبالتالي فهي غير قادرة علي فتح آفاق عملية سياسية جادة. إن الوقائع الملموسة علي الأرض التي تحيط بالقضية الفلسطينية علي جميع المستويات الدولية والإقليمية والإسرائيلية تستدعي التوقف والتساؤل والتحديد ما العمل؟! وما هو الأفق السياسي المتاح؟! وما هي امكانية الحل؟! علي الصعيد الإسرائيلي فإن أحدا لا يقوي علي المجادلة في حقيقة أن القادة الإسرائيليين ماضون في صلفهم، وإدارة ظهورهم لأية جهود ترمي لاحراز تسوية سياسية للصراع، وإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وبالتالي فهم ليسوا في وارد أي تعامل جاد مع مفاوضات ما بعد أنابوليس التي يرون فيها فرصة إضافية لتكريس المزيد من حقائق رؤيتهم الاحتلالية علي الأرض، وتؤكد الوقائع الملموسة للممارسات الإسرائيلية ذلك بدءاً بإجراءات التهويد والعزل والتطهير العرقي في القدس، مرورا بعمليات مصادرة الأراضي والاستيطان والتمزق في الضفة، وانتهاءا بعمليات الحصار والتجويع والخنق والعدوان العسكري في كامل الأراضي المحتلة. أما علي الصعيد الدولي وعنوانه الإدارة الأمريكية، والرئيس بوش الذي يودع عامه الأخير في البيت الأبيض تاركا وراءه إرثا أسود مشحوناً بالتوترات الإقليمية والحروب المتناثرة هنا وهناك، ووسط كل ذلك فإنه لم يعد خافيا علي أحد بأن إدارة بوش إنما تحاول فيما تبقي لها من مدة زمنية، تعليق القضية الفلسطينية في حبال وعد بوش بحل الدولتين والذي تأتي وقائع الموقف الامريكي الملموسة علي الأرض لتنسفه، وتظهر أنه ليس اكثر من كذبة كبري لا يمكن ان تنطلي عي أحد. اما عل الصعيد الاقليمي، فقد بات واضحا ان الانظمة العربية وخاصة بعد وقائع قمة دمشق ونتائجها ستبقي تراوح في مكانها، ولن تتخطي مرحلة الانقسامات والخلافات بما لا يتيح مجالا للرهان بامكانية استجماع أوراق قوته وتفعيلها، والوقوف ضد الارادة الامريكية من ممارسات مفضوحة وانحياز كامل للسياسة الاسرائيلية ومواقفها التوسعية والعدوانية حتي وان اظهرت تصريحات مسئوليها نوعا من التعاطف الزائف لحل القضية الفلسطينية ودعمها للسلام. ويبقي الوضع الأسوأ في كل ما تقدم وهو الوضع الداخلي الفلسطيني والذي بات يعيش اسوأ مراحله، فبعد ان كان يتوحد في الهدف والعقيدة مهما اختلفت الرؤي وتباعدت الأساليب في تحقيق هذا الهدف، أصبح الآن منقسما متشرذما، يعاني من انقسام متشرذما يعاني من انقسام جيوسياسي بين الضفة وقطاع غزة، عمق ما أراده الاحتلال، وخطط له علي مدار سنوات طويلة من احتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة وهو تعميق الفصل والتباعد بين الضفة والقطاع، فيما حاول تحقيقه خلال سنوات طويلة دون جدوي استطاع ان يحققه له الفلسطينيون في ليلة وضحاها دون ان يتكبد الاحتلال الاسرائيلي معاناة هذا التمزق والتفسخ الاجتماعي والسياسي والجغرافي الذي نال من الشعب الفلسطيني في كل مكان خاصة بين القطبين النافذين فتح وحماس، واذا لم يتم التحرك الجاد والمسئول من جميع ألوان الطيف السياسي والمجتمعي الفلسطيني صوب مواجهة الأزمة الحالية ووضع حد للانقسام الفلسطيني الداخلي باعتباره نزيفاً للطاقة الفلسطينية وامكانية تفعيلها ضد ما يحاك لها في الخفاء. وبسبب هذه الاوضاع المتردية والمحبطة علي جميع المستويات، فإنه لم يكن مستغرباً أو مستبعداً أن تتصاعد وتيرة الرفض الفلسطيني للمفاوضات والامتناع التام بعدم جدواها، أو جديتها بعد كل هذه السنوات وما تخللها من انتكاسات عميقة في الداخل الفلسطيني، وأن تصل نسبة المطالبة الفلسطينية بوقف اللقاءات بين عباس واولمرت ووقف المفاوضات إلي 75% بل ويمتد صدي هذه الاصوات داخل أعضاء الوفد المفاوض نفسه ليصل إلي نفس القناعة!! والسؤال الذي يطرح نفسه في ضوء هذه الصورة المظلمة هو: هل يضع الرئيس أبومازن، الرئيس بوش والرباعية الدولية والأمم المتحدة امام مسئولياته، ويمنحهم فرصة ما تبقي من العام ويحرم اسرائيل من فرصة الحديث عن غياب شريك للسلام للاستمرار في مراوغاتها لتجد الذريعة للتهرب من السلام واستحقاقاتهم وبالتالي تمضي في مشروع الاستيطان الذي نهب الأراضي الفلسطينية وتجويع الشعب من خلال الحصار وعزل الضفة عن القطاع من خلال الجدار العازل؟!