اتهم أحمد شوبير عضو مجلس الشعب 25 صحفيا بأنهم يتقاضون أجورا شهرية من المجلس القومي للرياضة للدفاع عنه في صحفهم الرياضية ومهاجمة من ينتقدونه. ولا يستطيع أحمد شوبير بالطبع أن يوجه إتهاما بهذا الخطورة دون أن يكون لديه قوائم بهؤلاء الصحفيين ومستندات تدل علي تقاضيهم هذه الأجور أو المكافآت الشهرية..! وإذا كان ما قاله شوبير صحيحا في هذا الشأن فإنه يفتح الجدل حول حوار كان دائرا منذ مدة في الوسط الصحفي دون أن تكون له أية نتائج تذكر والمتعلق بإختراق هذه المهنة من العديد من الجهات والأفراد وشراء ضمائر وذمم بعض الصحفيين. فلم يكن المجلس القومي للرياضة وحده هو الذي يدفع مكافآت وإنما هناك أيضا بعض الوزارات والهيئات والأفراد الذين يفعلون الشيء نفسه وإن كان ذلك بطرق أخري تأخذ شكلا أكثر "شياكة" وذكاء..! فالعديد من الجهات والأفراد وخاصة رجال الأعمال اتجهوا إلي تعيين مستشارين اعلاميين من الصحفيين والكتاب لتلميع صورتهم وتقديم النصائح لهم، وفي الوقت نفسه تجنب انتقادات هؤلاء الصحفيين وتوجيههم إلي ضرب خصومهم. ولا ننسي بالطبع سيطرة الإعلان علي رجال الصحافة واتجاه عدد من الصحفيين إلي جلب الإعلانات وتقاضيهم عمولات مباشرة، وهو ما يعني خضوعهم لسيطرة أصحاب الإعلانات الذين يملكون تقديم الإعلان أو حجبه..! وهناك السفريات والرحلات المجانية التي تقدمها بعض الوزارات والهيئات ورجال الأعمال للصحفيين، ولا يمكن لأحد أن يتوقع أن صحفيا سافر علي نفقة جهة ما سوف يعود لتوجيه النقد إليها أو إبراز سلبياتها..! وأشكال الاختراق كثيرة ومتنوعة وتمتد إلي تقديم الهدايا والمزايا والتسهيلات والأموال أيضا بشكل مباشر إلي الصحفيين الذين قد يقبل بعضهم بذلك وقد يرفض البعض الآخر احتراما لكرامته ومهنته ولضميره وقلمه. غير أن الإغراءات تظل قوية في مواجهة أحوال وظروف معيشية بالغة الصعوبة للعديد من الصحفيين وأمام غزو تم للمهنة ممن لا ينتمون إليها والذين حولوها مهنة للتكسب بأي ثمن علي حساب المبادئ والقيم والأخلاق. كما أننا لم نسمع يوما أن نقابة الصحفيين علي سبيل المثال قد اتخذت موقفا قويا ضد الصحفيين الذين يعملون في مجال الإعلان وطالبت بمنع اشتغال الصحفي بالإعلان وتحريم ذلك، بل علي العكس من ذلك فإن البعض ممن يعملون في مجال الإعلان استطاعوا الحصول علي عضوية النقابة لكي يتيح لهم وضعهم الجديد كصحفيين أن يكونوا أكثر نفوذا وأكثر قدرة علي الحركة وتحقيق أهدافهم بسهولة. ومما يؤسف له أيضا أن بعض القيادات الصحفية تدفع الصحفيين إلي جلب الإعلانات مباشرة ويتحول الصحفي ذو الرصيد الأكبر في الحصول علي الإعلانات إلي مركز قوة وسلطة داخل مؤسسته نظرا لأنه من يحقق الإيرادات ويساعد في توفير الأجور والمرتبات لزملائه..! كما أننا لم نسمع عن مؤسسة صحفية قائمة تمنع العاملين بها عن قبول الدعوات المجانية في السفر أو تجرم تلقي الهدايا النقدية أو العينية بشكل واضح وصريح كما يحدث في الصحافة الغربية وفي بعض الصحف العربية الدولية أيضا..! وأمام ضعف رواتب العاملين في مهنة الصحافة وعدم ملاءمتها لاحتياجات الصحفي ومكانته الاجتماعية واحتياجاته المهنية فإن قبول مكافآت من خارج صحيفته أو هدايا من أي جهة يصبح إغراء لا يقاوم كثيرا ويصبح أيضا لدي البعض نوعا من المهارة ودليلا علي قوة وتعدد علاقاته..! ولهذا تنهار المهنة من الداخل وتفقد الكثير من جاذبيتها وقيمتها ومثاليتها، كما تفقد هيبتها وكيانها ومصداقيتها لدي الرأي العام الذي بدأ بالفعل يفقد التعاطف مع أصحاب الكلمة المقرءوة لأنه بحسه ومتابعته يدرك أن الكثير مما يكتب وما يقال لا يتسم بالصدق والموضوعية بقدر ما له دوافع أخري غير أمينة. ولقد كان ظهور بعض الصحف الخاصة الصغيرة القائمة علي الابتزاز والإعلانات مسمارا آخر في جسد الصحافة حيث امتلأت هذه الصحف بنوعيات جديدة من الذين انتسبوا للصحافة وفرضوا واقعا جديدا مليئا بالتجاوزات والانحرافات وأضاعوا ما تبقي لها من هيبة ومكانة. ونحن في هذا نوجه اللوم الكامل للمجالس التي تعاقبت علي نقابة الصحفيين والتي انصرفت عن مناقشة القضايا المهنية إلي لعب أدوار أخري في قضايا سياسية خلافية اتسمت بالمزايدات وحب الظهور بعيدا عن الدور النقابي المنوط لها القيام به. فبدلا من الوقفات الاحتجاجية علي سلم النقابة في كل قضية سياسية أو اجتماعية وبدلا من استضافة اجتماعات ومؤتمرات لا علاقة لها بالمهنة فقد كان الأجدي والأجدر بالنقابة أن تعمل علي حماية المهنة من الداخل أولا وأن تفرض عليها احتراما واجبا حتي يمكن أن تحصل هذه المهنة علي الاحترام المناسب خارجها. إننا ننشغل في كل انتخابات للنقابة بالبحث عن مكاسب مادية للعاملين بالمهنة، ويفوز في الغالب من كان قادرا علي أن يأتي بها إلي جموع الصحفيين ولكننا ننسي أو نتناسي أن هذه المكاسب ضئيلة بجانب ما يمكن أن يحصل عليه الصحفيون إذا ما كان لهذه المهنة وجودها واحترامها وثقة المجتمع فيها. لقد فجر شوبير القنبلة ولكني لا أعتقد أنه سيكون لها ضحايا أو مفعول لأنها كانت قنبلة صوتية فقط وقد اعتدنا علي ذلك كثيرا..!