تطورات دراماتيكية شهدها سوق العقارات في الأيام الأخيرة فبعد الارتفاع المفاجئ في أسعار الاسمنت وحديد التسليح بصورة أثارت مخاوف الجميع مستثمرين وتجاراً ومستهلكين أصدر المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة العديد من القرارات التنظيمية كفرض رسم تصدير علي الاسمنت والحديد بواقع 60 جنيها علي طن الأسمنت و165 جنيها علي طن الحديد كما تم وضع ضوابط جديدة لتداول الحديد بين المنتجين والوكلاء والتجار والمستهلكين وذلك للحد من ارتفاع الاسعار والسيطرة علي السوق. وإذا كانت تلك القرارات والتطورات قد لاقت استحسانا من تجار مواد البناء والمصديون وأصحاب شركات الاستثمار العقاري حيث أكدوا أن هذه القرارات من شأنها اعادة الانتعاش إلي النشاط العقاري مرة أخري فقد كانت هناك تحفظات من قبل منتجي الحديد فقط علي تلك القرارات. التطورات الأخيرة تطرح عددا من التساؤلات منها هل ارتفاع أسعار مواد البناء سيلقي بظلاله علي نشاط سوق العقارات بما يدفع مستثمريه إلي التوقف؟ وهل تغير البنوك من خططها التمويلية للأراضي والعقارات في الفترة القادمة في ظل عدم اتضاح الرؤية كاملة؟ من جانبهم أكد مسئولو الائتمان والتمويل علي صعوبة التكهن بمدي تأثير ارتفاع أسعار مواد البناء سلبا علي القطاع العقاري وإن أفصحوا عن تخوفهم من حدوث انتكاسة لمستثمري العقارات ومن ثم تعثرهم في سداد القروض البنكية. ولكنهم في الوقت نفسه اختلفوا فيما بينهم حول مدي إقبال البنوك علي توفير التمويل اللازم لقطاع العقارات فمنهم من رأي أهمية استمرار تقديم الدعم لقطاع مهم لا يقل الطلب عليه كالعقارات في حين رأي آخرون ضرورة التروي وعدم المجازفة في ظل التشويش والتخبط الذي يعاني منه السوق. علي بندق رئيس القطاع العقاري بالمصرف المتحد يقول إن البنوك قد اتخذت خطوات جادة وكبيرة في مجال التمويل العقاري في السنوات القليلة الماضية خاصة بعد تنامي الطلب عليه بصورة ملحوظة مع الزيادة السكانية الكبيرة وذلك وفقا لاستراتيجيات طويلة المدي ومن ثم لا يمكن لها التوقف في منتصف الطريق والتنصل من التزاماتها تجاه مستثمري العقارات والمقاولات مشيرا إلي وجود العديد من الاتفاقيات بين البنوك وشركات كبري علي رأسها أوراسكوم للفنادق والتنمية وأملاك الاماراتية وغيرها من الشركات تحتم عليها توفير التمويل اللازم حتي تستكمل المشروعات التي بدأت تلك الشركات تنفيذها ومن ثم فإن استمرارها في تمويل العقارات بنفس السؤال هو أن لا جدال عليه. ويقلل بندق من امكانية تأثر سوق العقارات ومستثمرين سلبا بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء حيث إن ذلك الارتفاع يتبعه زيادة حتمية في أسعار العقارات وهو ما يضمن علي الأقل تعويض لمستثمرين والمقاولين لبعض خسائرهم ويضعف من فرص تعثرهم. وأشار بندق بقرار فرض رسوم صادر علي الحديد والاسمنت لما سيكون لذلك من أثر ايجابي يحد من ارتفاع الاسعار ويوفر المنتج بالسوق ومن ثم يزيد مخاوف. أما أشرف عطا الله مسئول الائتمان بالبنك الوطني المصري فيختلف مع علاء بندق حيث يري صعوبة في استمرارية البنوك لتقديم التمويل العقاري في الفترة القادمة متجاهلة ارتفاع أسعار الاسمنت وحديد التسليح ومن ثم زيادة أسعار الوحدات السكنية وهو الأمر الذي يصيب القطاع بركود ومن ثم تعثر أصحاب تلك المشروعات لاسيما في ظل توافر وحدات سكنية وعقارات راكدة لاتسوق جيدا بجانب قلة السيولة لدي المواطنين مؤكدا أن الحيطة والحذر سيكون لها النصيب الأكبر في تعاملات البنوك مع مستثمري العقارات في الفترة القادمة حفاظا علي أموالها التي هي في الأصل أموال المودعين. ويشير عطا الله إلي أن هناك عوامل أخري بجانب ارتفاع أسعار مواد البناء تجعل من القطاع العقاري استثمارا غير مناسب لجذب أموال البنوك علي رأسها زيادة المباني والوحدات السكنية بشكل متوالي بجانب ارتفاع أسعار جميع السلع الاساسية والخدمات ومن ثم ضعف امكانية الشراء وبالتالي ضعف الرواج بالسوق وهو الأمر الذي يضعه مسئولو البنوك نصب أعينهم حيث إن البنك يمول دورة نشاط وبعد انتهائها يسترد أمواله وفي حالة فقدان حلقة واحدة وهي الشراء يصبح من الصعب استرداد التمويل الممنوح. ومن جانبه يقول ماجد عبدالحكيم مسئول حسابات الافراد والائتمان بالبنك الأهلي سوسيتيه جنرال إن تأثير ارتفاع أسعار مواد البناء قد يكون سلبياً علي نشاط سوق العقارات لفترة محدودة ولكنه في الوقت ذاته سيكون ايجابي في زيادة الطلب علي الائتمان الموجه للعقارات من البنوك نتيجة لارتفاع أسعار وعدم امتلاك المستهلك للسيولة الكافية للشراء.مشيرا إلي أن البنوك التي تتعامل مع مستثمري العقارات لديها القدرة والخبرة الكافية علي تجاوز مثل تلك الأحداث، كما يدرك مسئولو البنوك جيداً ان توقفهم عن تقديم الدعم المالي لمشروعات قائمة من شأنه عدم اتمامها وتعثر أصحابها في سداد قروض البنوك. ويضيف عبد الحكيم قائلا ان بعض البنوك الخاصة مثل التجاري الدولي CIB مصر وHSBC والأهلي سوسيتيه جنرال تضع العديد من المحاذير علي تمويل القطاع العقاري علي العكس من البنوك الأخري كالعقاري المصري العربي والتعمير والاسكان وارجع السبب في ذلك إلي تخوفات تلك البنوك من وجود العديد من العقارات والأراضي غير المسجلة ومن ثم تحجم البنوك عن تمويلها، أما في حالة بنكي التعمير والاسكان والعقاري فيكون العقار مسجلاً باسم البنك ولا تنقل ملكيته للمشتري إلا بعد سداد كامل المديونية. أما ياسر شومان مسئول بإدارة الائتمان بأحد البنوك الخاصة فيؤكد علي أن البنوك بطبيعتها تخشي من الدخول في تمويل قطاع المقاولات والعقارات في ظل صعوبة ايجاد الدولة الآلية الصحيحة لتطبيق قانون التمويل العقاري، مشيرا إلي أن الآلية المطبقة حاليا تعتمد في المقام الأول علي شركات التوريق ويقتصر دور البنوك علي تسديد ثمن العقار أو الوحدة السكنية مقابل شيكات وكمبيالات وذلك بعد الاستعلام عن المشتري ومدي قدرته علي السداد ومن بعد ذلك تتولي شركات التوريق الدور الأكبر حيث تشتري تلك الأوراق من البنك وسيتم تسجيلها في صورة سندات بضمان العقارات حتي تكتمل دورة رأس المال ويعاد تشغيله، وبعد ذلك تتولي جمع الأقساط من المشتري بمساعدة البنك. وأشاد شومان بنجاح تلك الشركات في دورها حيث تعتمد علي رأسمال ضخم ودراسة جيدة لمخاطر التمويل العقاري، بجانب خبرات وكوادر متخصصة في ذلك النوع من الاستثمار. وعن توقعاته لحجم التمويل المقدم من البنوك للتمويل العقاري في الفترة القادمة يقول شومان ان السوق المصري ليس له معايير ونظم أو آلية واضحة تحكمه ومن ثم يصعب التكهن بشكل التعاملات في السوق، ففي ظل التخوف من اصابة سوق العقارات بركود قد نجد رواجاً لم يحدث من قبل نتيجة للتسارع علي امتلاك العقارات وشراء الأراضي سواء بغرض الاستخدام او الاستثمار وذلك خوفا من استمرار تزايد الأسعار مستقبلاً وعليه فيصعب تحديد توجه للبنوك في تعاملها مع التمويل العقاري. ومن جانبه يؤكد اسامة شعبان نائب المدير ببنك بيريوس - مصر أن السوق المصري عامة وليس العقاري فقط أشبه بمعمل التجارب ولذلك لا يستبعد صدور قرارات قريبة تقلب السوق رأسا علي عقب، مشيرا إلي أن الفترة الحالية فترة ترقب أو بمعني أدق تخبط ومن ثم التنبؤ بشيء يعد من المستحيلات. وأشار شعبان إلي أن الأمر الوحيد الأكيد المتوقع هو تغير البنوك لاستراتيجيتها وسياستها في التمويل العقاري لأن صعود أسعار سلعة معينة يعني اصابتها حتي بركود ولو فترة مؤقتة ومن ثم تقلل البنوك من التمويل المقدم لها خشية من الدخول في دوامة التعثر.