يبدو أن أوربا بكامل عدد أعضاء دول اتحادها ،البالغ 27 دولة ،ستشهد ربيعا ساخنا خلال شهر مايو القادم بدأ منتصف شهر يناير الماضي !. أوربا ستحسم خياراتها السياسية ،الاقتصادية والاجتماعية آنذاك علي وقع انتخابات نواب للبرلمان الأوربي لكل الدول الأعضاء ،وحيث يبلغ تعداد نوابه 736 نائباً ،ممثلين عن 735 مليون مواطن أوربي لهم حق التصويت .. عمليا بدأت الدول الأعضاء باعداد القوائم الانتخابية في المسارات الحزبية والتكتلات الانتخابية ،وبدأت بالفعل الحملات الاعلامية والدعائية الانتخابية المصحوبة بفضائح وعمليات تشهير مقززة، بل تسريبات لا ندري عن فبركتها من عدمه !! ..القوي الأساسية المهيمنة علي صنع القرار التشريعي لكل أوربا ،تكمن 7 تكتلات للمحافظين والليبرالليين ،وللخضر ،وللقوميين ولعل أبرزهم من حيث الكثافة الكمية والنوعية ،يكمنان في حزب الشعب الأوربي (تكتل الأحزاب اليمينية ووسطها ) وحزب الاشتراكيين (تكتل أممية الأحزاب الاشتراكية ) .يتجذر الصراع مابين يمين ويسار أوربا علي منحي السياسات الاقتصادية والاجتماعية . فاليسار عارض ولايزال منذ بدايات الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بواشنطن كمصدر وبأوربا والعالم منذ عام 2008 ،السياسات النيو ليبرالية بالروشتة الأمريكية القاضية باجراءات التقشف الحادة (عمليات شد الحزام ) والتقليص الحاد للنفقات الحكومية من الميزانية العامة علي أوجه الصرف في المجالات الاجتماعية والتعليمية ،العلمية والصحية والاستثمار الداخلي بهدف فتح فرص عمل للبطالة المنتشرة ،بل زاد الطين برمته في رفع الحد الأقصي للتقاعد لسن المعاش ..!علي العكس من ذلك طرح الاشتراكيون نمطا مغايرا ،وفق ما أعلنه مرشحهم لمنصب رئيس المفوضية الأوربية «مارتين شولتيز – الرئيس الحالي للبرلمان الأوربي «خلفا للحالي اليميني جوزيه مانويل باروزو،في لقائه يوم الخميس الماضي مع وفود المنظمات الاشتراكية بالعواصم الأوربية في بروكسيل. عبر خطط طموحة لتقليص تأثير الشركات الاحتكارية في الاقتصاديات الأوربية وأسواق العمالة بها ،بل بضرورة وفقما أعلن ،عن تسديد ضرائبها علي أرباحها في الدول الأوربية العاملة علي أراضيها ،بدلا من تهريبها للدولة الأم ومن ثم أساليب التلاعب والنصب والاحتيالات في التهرب الضريبي .!غاية الأمر ما وعد به شوليتيز في العمل علي سن تشريعات أوربية برلمانية تحمي العمالة بهذه الشركات .الأهم اقراره بأنه حيال فوزه بالمنصب سيعمل علي اجبار جميع المؤسسات الأوربية – المترهلة بيروقراطيا بحكم سيطرة اليمين – علي أن تكون بمقربة من شعوب أوربا والتعبير عن ناخبيها . بطالة وتضخم لكي تتضح صورة ووضع الاتحاد الأوربي في ظل سنوات عدة منذ سيطرة النيو ليبرالية المتوحشة في الاقتصاد المفتوح بالكامل اعتمادا علي آليات العرض والطلب المدعوم أمريكيا والمفروض علي اقتصاديادت دوله .نذكر بأن مكتب الاحصاء الأوربي «يورو ستات « أشار في نوفمبر الماضي لارتفاع نسبة معدلات التضخم في دول منطقة اليورو (البالغة 13 عضوا ) لأكثر من 3,6 %- مع ملاحظة تخطي السقف المسموح به من البنك المركزي الأوربي وهو 2 % ،بعكس باقي الدول التي ليست أعضاء بالمنطقة لنسبة 3 %- . هذه النسبة تمثل أعلي مؤشر منذ 3 سنوات ماضية ،بل هي تمثل مدي التباطؤ في معدلات النمو بالمنطقة .أما فيما يتعلق بالبطالة ،فالمعهد المذكور أشار بأنها بلغت في شهر مايو من العام الماضي نسبة 12,2 %،مقابل 11,3 %لعام 2012 أي بعدد 26 مليوناً و450 ألف مواطن أوربي . حيث بلغت علي سبيل المثال في اليونان نسبة 26,9 % اجمالا منها علي مستوي الشباب حتي سن 30 سنة نسبة 56 % بلا عمل ولا دراسة ،أما أسبانيا فبلغت النسبة 26,8 %،منها علي مستوي الشباب نسبة 59 % .وقد رصدت المفوضية الأوربية لعلاج هذه الظاهرة المحيفة مبلغ 6 مليار يورو حتي حلول عام 2020 ،ولكنها لم تؤت ثمارها بعد ..!! * ما بين باريس وبرلين في عجلة القيادة الأوربية . كانت ولا تزال أوربا موزعة تاريخيا وعرقيا وثقافيا بل دينيا . وبخاصة بعد انضمام دول الشرق منها حديثا لعضوية اتحادها ،ما بين مناطق نفوذ ألمانية ،وفرنسية ! وليس مستغربا في أن عملية صنع القرار الأوربي تتم بتوافق برليني باريس يعقبه تشاور مكوكي مع فروع الاتحاد الأخري .!لكن الواقع الحالي والتطورات السياسية بالعاصمتين المذكورتين قد شهد تقلبات ملحوظة ،أثرت وبلا شك في ذلك التناغم ،بل أنها ستفرز واقعا مختلفا في نسبة تعداد نواب الدولتين كيفا وكما بالبرلمان الأوربي .. فقد أثر اخفاق الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني(المحافظ ) بزعامة المستشارة ميركل في انتخابات 26 سبتمبر الماضي في حصوله علي الأغلبية وتبوأ الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني للمرتبة الثانية بنسبة 26 % مما أجبر ميركل علي الدخول في تحالف انتخابي أملته ظروف الواقع وشروط الاشتراكيين في حكومة ائتلافية !من هنا كانت نغمة الاعلام الألماني اليميني في وصف «ميركل « بانعطافها نحو اليسار ،حيال القاء خطابها يوم الخميس الماضي بالبوندستاج (البرلمان ) ،وحيث شددت علي ضرورة رفع الحد الأدني للأجور والمعاشات للفقراء والفئات الاجتماعية المهمشة ،بل طالبت بخطة موازنة حكومية متوازنة ،مع امتداحها للوزارة المستحدثة «الاقتصاد والطاقة « التي يترأسها رئيس الحزب الاشتراكي «زيجمار جبراييل « .وذهبت للأبعد – لدغدعة الناخب الألماني علي وقع انتخابات البرلمان الأوربي – بتخفيض سن التقاعد لبعض المهن في حدود مدة الخدمة ،وعكست طرح الاشتراكيين بضرورة تنفيذ ضريبة بنكية علي عوائد بيع حصص الأسهم والسندات .!!الغريب أن ميركل تتناسي وصاياها وضغوطاتها عبر وفودها المرسلة لليونان لابداء ما سمي بالنصيحة والمشورة ببيع المتبقي من وحدات القطاع العام وتسريح العاملين به مع التقليص الحاد للموازنة الحكومية !وهي لا تنسي أيضا ضغوطاتها علي ايطاليا بالغاء منظوماتها القانونية في حصانة العاملين بالقطاع العام من الفصل والتشريد ..!!خلاصة القول هناك ترحيب حاد من الناخبين الألمان لسياسات «ميركل «الجديدة بالوصفة اليسارية الاشتراكية ،حتي أن مركز «فرسا « لاستطلاعات الرأي العام الشعبية أعلن يوم الخميس الماضي عن تأييد نسبة 42 % من الناخبين الألمان لميركل الجديدة القديمة ؟! . هذا بعكس باريس ورئيسها الاشتراكي «أولاند « الغارق في مشاكله العاطفية والشخصية ،فقد بلغت نسبة المؤيدين له وفق أخر استطلاع خلال شهر واحد 15 % فقط !علي منحي الفقر والبطالة وارتفاع معدلات الضرائب وضعف النمو الاقتصادي .فنسبة البطالة 11 % منها 25 % بين الشباب ،وتقدر الوكالة التصنفية أستاندرد اند بورز زيادة البطالة أكثر بنسبة 10,5 % ببدايات عام 2016 .مع زيادة نسبة العجز في الموازنة الحكومية لأكثر من 3,7 % ومن المتوقع ارتفاعها في العام الجاري للضعف ..بالاضافة لمغامرات أولاند في مجالات السياسة الخارجية في سوريا (خلافا للسياسات المرسومة من قبل حزب الاشتراكيين الأوربيين ) والدخول في ائتلافات اقليمية بمنطقة الشرق الأوسط مع كل من الدوحة – مجال استثمارات علي الأراضي الفرنسية ،والرياض مقابل صفقات أسلحة – وقد أدي ذلك لنتيجة عكسية في سقوط أسهم الحزب الاشتراكي الفرنسي ببورصة الانتخابات . في الوقت نفسه ذلك ينعم اليمين القومي الفرنسي المتشدد بزعامة ماريا لوبن برصيد انتخابي لا بأس به ،بعد ظهور فيديو مسرب بأجهزة الاعلام العالمية وشبكة اليوتيوب عن حوار مع القذافي في تمويل ساركوزي وحزبه للفوز بانتخابات الرئاسة ،ولعل ذلك مادفع ساركوزي لطمس معالم الجريمة بقراره بإحلال الديمقراطية ببنغازي واسقاط القذافي بالتحالف مع البلاي بوي بيرلسكوني ..!! * وماذا عن الشرق الأوربي ..؟؟ وهنا تبدو المعضلة ! فبلغاريا وعلي وجه الخصوص والتي يترأس «سيرجي ستانيشيف « رئيس الحزب الاشتراكي البلغاري ،أيضا رئاسة حزب الاشتراكيين الأوربيين(تكتل الاشتراكيين الأوربيين بالبرلمان الأوربي ) .. فالحزب الاشتراكي البلغاري بولايته كعمود فقري للحكومة الائتلافية الحالية ،يتعرض لهجوم متواصل داخلي من اليمين المحافظ المدعوم من حزب الشعب الأوربي ،ومن المفوضية الأوربية التي تسيطر عليها قوي اليمين المحافظ النيو ليبرالي . فواشنطن وبروكسيل استحدثتا عبر تمويل وحشد لطابور من الأعوان حزباً جديداً يسمي «بلغاريا بدون مراقبة « تأسس يوم السبت الماضي كبديل عن اليمين المحافظ الذي فشل عبر مظاهرات مصطنعة وممولة من الاطاحة بالاشتراكيين وخططهم الاقتصادية والاجتماعية للتغيير في سياسات المحافظين الموروثة .بل ان الانشقاق الحزبي الحالي الذي يقوده الرئيس البلغاري السابق – عضو اللجنة المركزية للحزب – في اعداد لائحة بديلة وموازية للاشتراكيين بانتخابات نواب البرلمان الأوربي ،ليس الا حلقة في مخطط لها في انقلاب علي الحزب والحكومة ،ولعلها أن تكون محاولة انقلاب داخلية بالتعاون مع قوي اليمين المحافظ (وفق مصادرموثوق بها ) لاظهار الحزب بموقف الضعف الانتخابي ومدي انحدارالتأييد الشعبي له ومن ثم للحكومة!! ويدعو اليمين في انتخابات مبكرة برلمانية وخصوصا علي أعتاب المؤتمر العام للحزب في 8 فبرايرالجاري لحسم قائمة الحزب الانتخابية وبرنامجه في توجهاته الاقتصادية لتغيير الخارطة الأوربية اقتصاديا واجتماعيا التي وضعها التكتل الاشتراكي بالبرلمان الأوربي . وتبدأ أوربا حملتها الانتخابية ،بينما تعيش أجواءها الاقتصادية الطاحنة وأمراضها الاجتماعية المتفشية في الشرق منها خاصة ..