يبدو تصويت ممثلي الأزهر الشريف الثلاثة في لجنة كتابة الدستور «لجنة الخمسين» ضد النص علي أن مصر «دولة مدنية» خلال مناقشة المادة الأولي المقترحة للدستور في لجنة «الدولة والقيم الأساسية للمجتمع» مثيرا للتساؤل. فشيخ الأزهر د. أحمد الطيب أعلن أكثر من مرة أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية ووثيقة الأزهر الصادرة بعد ثورة 25 يناير (في 21 يونيو 2011) نصت في مادتها الأولي علي «دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية ومؤسساتها الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد علي دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة، ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها علي قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيه لنواب الشعب، بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف في الثقافات الأخري بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت علي الناس، وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ، بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم..» ونصت في مادتها الثالثة علي «.. اعتبار المواطنة مناط المسئولية في المجتمع». والمقارنة بين هذه الوثيقة وتعريف الدولة المدنية تؤكد التماثل بينها. فهناك من يعرف الدولة المدنية بأنها «الدولة التي تقوم علي المواطنة وتعدد الأديان والمذاهب وسيادة القانون». وآخرون يعرفونها بأنها «الدولة التي يحكم فيها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد وليس علماء أو رجال الدين». وهناك من يقول إن الدولة المدنية تقوم علي أساس «دستور بشري أيا كان مصدره، وعلي احترام القانون وعلي المساواة وحرية الاعتقاد، وسلطة الشعب في التشريع.. فالشعب هو مصدر جميع السلطات التي يجب الفصل بينها واستقلال كل منها عن الأخري في إطار من التوازن العام، وعلي أساس المساواة التامة في الحقوق والواجبات بكل أشكالها ومنها السياسية بين الرجل والمرأة والمسلم وغير المسلم، علي أساس المواطنة الكاملة، ويؤمنون بالتعددية الفكرية والدينية والسياسية والثقافية». ويمكن الجمع بين هذه التعريفات في تعريف أكثر بساطة وشمولا يقول «.. الدولة المدنية هي الدولة التي تقوم علي مبدأ المواطنة الكاملة وتحقيق المساواة بين المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات وعدم التفرقة بينهم بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو العقيدة أو المذهب أو الانتماء السياسي أو الحزبي، وينظم العلاقة فيها دستور مدني يضعه الشعب، وتتحقق فيها حرية إنشاء الأحزاب والنقابات وحقوق التجمع والتنظيم، وحرية ممارسة الشعائر الدينية واحترام الأديان جميعا، وعدم الخلط بين السياسة والدين، وتكون القوات المسلحة مسئولة عن استقلال وسلامة الوطن وأرضه ولا تتدخل في الشئون الداخلية والسياسة والحكم». ويرجع الرافضون للنص علي مدنية الدولة في الدستور موقفهم لسببين: الأول أن كلمة «دولة مدنية» لها مفهوم سيئ لدي الرأي العام والمواطن البسيط، والثاني هو الخلط لدي الرأي العام بين «المدنية» و«العلمانية». وفات هؤلاء أن الشعب المصري خلال ثورة 30 يونيو (2013) ووجود ما بين 26 مليونا و33 مليونا في الميادين والشوارع، رفع شعار إسقاط دولة المرشد – أي الدولة الدينية الإخوانية – وطالب بحماية الدولة «المدنية» الديمقراطية الحديثة التي ناضل المصريون منذ أيام محمد علي من أجل تأسيسها وقدموا في سبيلها تضحيات كثيرة. كما أن «العلمانية» لا علاقة لها بالإلحاد كما يروج دعاة الدولة الدينية وجماعات الإسلام السياسي، فالمفهوم الصحيح للعلمانية هو «فصل الدين عن الدولة والسياسة – وليس عن المجتمع – والإبقاء علي الدين كشأن شخصي وعلاقة بين الإنسان وربه، وكفالة حرية الدين وحرية الاعتقاد، ووقوف الدولة علي مسافة واحدة من كل الديانات والمعتقدات». ولابد أن يحمل دستورنا الجديد الذي يؤسس لدولة ثورتي 25 يناير و30 يونيو في مادته الأولي أن مصر «دولة مدنية ديمقراطية تقوم علي المواطنة باعتبارها دون غيرها مناط الحقوق والواجبات العامة، وتحمي الدولة الحريات العامة والخاصة وتكفل العدل والمساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أي تفرقة أو تمييز، وتحترم التعددية».