تلعب الصحافة وأجهزة الإعلام دورا مهما في نقل المعلومات إلي القارئ والمستمع والمشاهد، ومن ثم المساهمة في تكوين الآراء وتحديدا المواقف. ومن هنا تبدو خطورة نشر وإذاعة معلومات غير صحيحة أو ناقصة، خاصة إذا كان كاتبها أوقائلها يتمتع باحترام وثقة المتلقي. لاحظت من متابعتي اليومية عديدا من الصحف وبرامج تليفزيونية جادة، وورود معلومات غير دقيقة أو غير صحيحة أو ناقصة. وسأكتفي بثلاثة أمثلة لزملاء أعزاء احترمهم وأقدرهم واثق في عملهم، رغم أي خلافات في الرأي قد تكون بيني وبينهم. وأبدأ بالزميل «أحمد المسلماني» الذي يصر ويقدم برنامج «الطبعة الأولي» في قناة دريم، وهو أحد برامج أربعة احرص علي متابعتها كلما كان ذلك ممكنا، وأعني بها برنامج العاشرة مساء لقناة دريم، وتقدمه «مني الشاذلي» وبرنامج تسعين دقيقة لقناة المحور ويقدمه «معتز الدمرداش وريهام السهلي» وبرنامج بلدنا بالمصري (قناة أون تي في) وتقدمه «ريم ماجد». ففي تعليق المسلماني علي تجميد الوفد عضويته في «الائتلاف الديمقراطي» الذي يضم أحزاب التجمع والوفد والناصري والجبهة الديمقراطية وانسحاب حزب الجبهة من الائتلاف اعتبر الامر منطقيا وطبيعيا لأن الائتلاف يجمع بين احزاب تختلف في البرامج والافكار والايديولوجيات والاهداف. بين قوي ليبيرالية وأخري اشتراكية وثالثة قومية مؤكدا بذلك علي مفهوم خطأ ومعلومات غير دقيقة. فانسحاب حزب «أسامة الغزالي حرب» من الائتلاف الديمقراطي لم يكن لخلاف ايديولوجي أوفكري أومبدئي، وإنما كان لسبب إجرائي، وهو ان الائتلاف بلا فعالية وأن حزب الجبهة قرر مقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادمة بينما قرر حزبا الوفد والتجمع المشاركة فيها. أما الوفد فجاء قرار التجميد ردا علي هجوم الغزالي علي حزب الوفد وقراره المشاركة في الانتخابات. وهناك - طبقا لما نشر بعد ذلك معارضة داخل حزب الوفد لقرار د. السيد البدوي تجميد عضوية الوفد في الائتلاف ثم عدوله عن القرار ونفي من سكرتيرتة حزب الجبهة «مارجريت عازر» وجود قرار من الحزب بالانسحاب من الائتلاف. أما اشتراط التماثل في البرامج والافكار والايديولوجيات والاهداف لقيام ائتلاف بين أحزاب وقوي سياسية كما يقول المسلماني، فهو أمر غير دقيق بل غير صحيح. فالاشكال المختلفة للتنسيق والعمل المشترك في مصر وفي العالم كله - كما يعرف جيدا الزميل احمد المسلماني - يجمع في كثير من الاحيان بين احزاب تنتمي لايديولوجيات مختلفة وبرامج متناقضة، ولكنها تتفق في مرحلة معينة حول هدف محدد. ولن أتحدث عن «الجبهة الشعبية» في فرنسا في مواجهة الغزو والاحتلال النازي والتي ضمت الشيوعيين والاشتراكيين والديجوليين، أو تجمع احزاب وقوي اليسار واليمين في إسبانيا لمواجهة ديكتاتورية فرانكو، وتجارب أخري مماثلة في العالم كله، ولكني سأركز علي تجاربنا هنا في مصر، وفي العقدين الاخيرين تحديدا. في عام 1995 وبعد التزوير الفاضح لانتخابات مجلس الشعب تكونت «لجنة التنسيق بين الاحزاب والقوي السياسية» بين احزاب التجمع والوفد والناصري والعمل والاحرار وجماعة الاخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري، واستمرت في النشاط والعمل حتي عام 2000 والائتلافات والتحالفات بطبيعتها مؤقتة وفي عام 1997 نظمت اللجنة مؤتمرا شارك فيه عشرات من السياسيين المنتمين لأحزاب وغير الحزبيين - ومن بينهم اسامة الغزالي حرب نفسه - واساتذة جامعات ورجال قانون وباحثون في مراكز للدراسات والبحوث. وأصدر المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام ل 8 و 9 و 10 ديسمبر 1997 برنامجا للاصلاح السياسي والدستوري الديمقراطي كان الهدف الذي يجمع كل هذه القوي من اقصي اليمين الي أقصي اليسار هو فتح الباب أمام التحول من النظام الاستبدادي الفردي القائم في مصر الي نظام جمهورية برلمانية ديمقراطية. و «الائتلاف الديمقراطي الذي تكون بمبادرة من حزب الوفد في أكتوبر 2007 وأصدر وثيقته وأذاعها في 10 فبراير 2008، والتي أكدت أنه «بعد أكثر من واحد وثلاثين عاما من بدء التعددية السياسية والحزبية المقيدة عام 1976، وانفراد حزب واحد بالسلطة غصبا طوال هذه السنوات، وأكثر من 26 عاما من حكم الرئيس محمد حسني مبارك.. تواجه البلاد أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة واختلالا في القيم، وتسود حالة غير مسبوقة من القلق وفقدان اليقين والخوف من المستقبل. وأن الهدف من الحوار الذي دار بين الأحزاب الاربعة كان «صياغة وثيقة تحدد مبادئ لدستور جديد ديمقراطي وتغيير واصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي يتصدي لحل مشاكل التنمية الوطنية المستدامة في الزراعة والصناعة ومشاكل التعليم والصحة والفقر والبطالة ومواجهة الفساد، وطرحها علي المجتمع المصري وكل قواه الديمقراطية المطالبة بالتغيير، أحزابا وقوي سياسية ونقابات واتحادات ومنظمات اهلية ومجتمع مدني وشخصيات عامة». أي أن الائتلاف كان - ولا يزال - يسعي لتغيير ديمقراطي وهو المدخل لأي تغيير سياسي واقتصادي واجتماعي. وقد كان الصديق أسامة الغزالي حرب حاضرا في صياغة هذه الوثيقة مع د. وحيد عبدالمجيد (الوفد) واحمد حسن (الناصري) وحسين عبدالرازق (التجمع)، وكان اتفاقنا ومن بعدنا رؤساء الاحزاب الاربعة - علي التركيز علي تغيير النظام السياسي، والاكتفاء بالنسبة للنظام الاقتصادي - الاجتماعي بمبادئ عامة يقبلها الليبيرالي والاشتراكي والقومي. وانتقل إلي ما كتبه الزميل فاروق جويدة في صحيفة الشروق يوم الأحد 20 يونيو 2010 حول تزوير الانتخابات في مصر. وجويدة كاتب بارز ويحظي بتقدير واعجاب وثقة قراء الأهرام والشروق ومحبي شعره، وبالتالي فالمعلومات التي ترد في كتاباته محل ثقة من القراء. لقد ركز فاروق جويدة في مقاله علي أن تزوير الانتخابات ظهر لأول مرة في مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952، وهو قول غيردقيق. فمصر لم تعرف الانتخابات الحرة النزيهة بعد دستور 1923 إلا مرتين فقط. الاولي في عام 1924، وأجرتها حكومة برئاسة يحيي باشا إبراهيم الذي رشح نفسه في هذه الانتخابات وكان نصيبه السقوط وهو رئيس للوزراء ومسئول عن إجراء الانتخابات، وفاز في هذه الانتخابات حزب الوفد بزعامة سعد باشا زغلول، وهو حزب الاغلبية الشعبية في ذلك الوقت. والثانية كانت عام 1950، عندما اجرت حكومة محايدة برئاسة حسين باشا سري الانتخابات وفاز فيها الوفد ايضا برئاسة مصطفي النحاس وباستثناء هاتين المرتين، فقد جري تزوير كل الانتخابات العامة. وذكر جويدة في مقاله أن حزب الوفد كان هو «حزب الاغلبية، وأنه كان الحزب الاقوي والأكثر في تشكيل الحكومات الحزبية في مصر» واذا كان صحيحا أن الوفد كان حزب الاغلبية والحزب الاقوي في مصر قبل الثورة، فليس صحيحا انه كان الأكثر في تشكيل الحكومات الحزبية في مصر. فخلال 28 عاما منذ صدور دستور 23 وحتي قيام الثورة لم يحكم الوفد إلا 9 سنوات علي ست فترات متباعدة، بينما حكمت أحزاب الاقلية أكثر من 19 عاما. المثال الثالث لعدم دقة المعلومات ما ورد في عمود «معا» للدكتور عمرو الشوبكي في المصري اليوم تحت عنوان «معارضة بحكم الظروف» حول الانتخابات الديمقراطية التي تمت في حزب الوفد علي مقعد رئيس الحزب، والتي كنا معا شهودا عليها واشدنا مع غيرنا بها، فقد وصف الانتخابات الداخلية الديمقراطية بأنها غير مسبوقة.. ولو راجع د.عمرو الشوبكي الاوراق التي في مكتبه بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام الخاصة بالاحزاب السياسية لاكتشف أن حزب التجمع شهد انتخابات داخلية ديمقراطية لجميع المواقع والمستويات الحزبية في المؤتمر العام الخامس (ديسمبر 2003) والمؤتمر العام السادس (مارس 2008). وفي المؤتمر الاخير ترشح لعضوية اللجنة المركزية علي المستوي القومي 83 عضوا نجح منهم 40 عضوا، وتنافس علي موقع الرئيس اثنان من قادة الحزب (رفعت السعيد وأبو العز الحريري) وتنافس سبعة مرشحين علي مواقع نواب رئيس الحزب الثلاثة، وتنافس علي موقع الأمين العام مرشحان هما الأمين العام المنتخب في المؤتمر العام الخامس (حسين عبدالرازق) وامين المجلس الاستشاري (السيد عبدالعال) الذي فاز في هذه الانتخابات فاصبح امينا عاما. وتنافس علي عضوية المكتب السياسي 16 عضوا فاز منهم 10 أعضاء من بينهم 5 يدخلون المكتب السياسي لأول مرة. وتنافس علي عضوية الأمانة المركزية (الأمناء المساعدين وامناء اللجان الرئيسية) 26 من أعضاء اللجنة المركزية فاز منهم 10 أعضاء إضافة إلي 6 أعضاء فازوا بالتزكية، ودخل الامانة المركزية 10 أعضاء لاول مرة. وأظن أن د. عمرو الشوبكي يوافقني علي أن هذه الانتخابات كانت ديمقراطية، خاصة أن أيا من الذين لم يفوزوا فيها لم يطعن علي أي من اجراءاتها أونتائجها، اضافة إلي وجود رقابة من بعض منظمات المجتمع المدني المصرية.