كان رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير يتحدث عن معركة طويلة مع الارهاب، وشدد دائماً علي انها قد تستمر لاحقاب لمواجهة التطرف والقضاء عليه نهائياً واعتبر المعركة مصيرية بالنسبة للغرب والدفاع عن قيمه المرتبطة بالحرية والتنوع والديمقراطية. وقد تعرض بلير لنقد عنيف من تيارات سياسية بريطانية لم تشاركه الرؤية نفسها ، واعتبرت أن اليمين الامريكي الذي سيطر علي الحكم في واشنطن خلال حكم جورج بوش الابن ، يروج لمقولات متشددة يرددها رئيس الوزراء البريطاني عندما كان في الحكم. وسبب اشتداد المعارضة تصورات بوش مع بلير وخيارات اليمين المحافظ والحملة التي تم تدشينها علي العراق ، والتي لم تكن في الحقيقة لها علاقة بالحرب علي الارهاب وانما استجابة لأجندة أخري وقفت خلفها مصالح اسرائيلية ورؤية صهيوينة واضحة. أثرت الحرب علي العراق بشكل مباشر علي موضوع مجابهة الارهاب . وإذا كان غزو افغانستان وجد قاعدة يستند عليها ، فإن دخول بغداد والبصرة اثار الجدل العنيف مما انعكس علي المسار الحقيقي الذي كان هدفه مواجهة تنظيم القاعدة في افغانستان والحرب معه. من أفغانستان للعراق واعترف قادة عسكريون أمريكيون أن غزو العراق انعكس سلباً علي الحملة في افغانستان وأدي إلي انقسام الدول الغربية عندما رفضت فرنسا بزعامة جاك شيراك مناصرة الخطوة الأمريكية والبريطانية. وقد دفع توني بلير ثمن حملته مع جورج بوش علي العراق ، لكن ظلت قضية الارهاب تطرح نفسها وتعبر عن خطورتها في ظل الاوضاع التي تتطور في المنطقة ويطرحها المشهد الجزائري الدامي مع هجوم مجموعات موالية لتنظيم ” القاعدة ” علي منطقة وموقع لاستخراج ” الغاز ” مع وجود شركات اجنبية وعمال وخبراء من دول غربية. هذه العملية تطرح مواجهة الارهاب وموقف الدول الغربية التي تشعر بصدمة حقيقية نتيجة عنف العملية التي تمت في جوف الصحراء الجزائرية وبالقرب من الحدود الليبية . ان منطقة شمال افريقيا بمشكلاتها وتعقدها ينظر إليها باعتبارها نقطة الخطر حيث تتجمع في داخلها خلايا ارهابية تستخدم اسلوب المواجهة المسلح . وقد توعد وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا خلال زيارة للندن بمطاردة هذه الجماعات وانها لن تجد مساحة آمنة تمارس من خلالها نشاطها أو الاستعداد لشن الهجوم المباغت والذي يتوجه لاعتقال رهائن والتفاوض بشأن سلامتهم لتحقيق مكاسب سياسية ومالية. وقد ادلي ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني بالتصريحات نفسها التي اقتربت من لغة توني بلير بتوعد الارهابيين ومطاردتهم وتطبيق العدالة بحقهم واشار ان المعركة ستستمر لفترة طويلة. إلي المربع الأول وكأن المشهد الدولي يعود مرة أخري إلي ما حدث منذ اكثر من عشر سنوات عندما تحرك تنظيم ” القاعدة ” وشن عمليات هجومية علي الولاياتالمتحدة في عقر دارها . التنظيم نفسه عبر تيارات متأثرة به يشن عمليات ارهابية مسلحة جديدة علي موقع جزائري لاستخراج ” الغاز ” يعمل فيه عشرات الاجانب حيث تم القبض عليهم واحتجازهم وتهديدهم بالقتل وهذا ما حدث بالفعل. هذه العملية تعيد الحرب علي الارهاب إلي المربع الاول مع اتخاذ فرنسا زمام المبادرة والتدخل في ” مالي ” بحملة عسكرية مسلحة لمنع هذا البلد من السقوط في يد تيارات جهاد اسلامي. ومن المنتظر أن تتوسع الحملة علي ” مالي ” لإبادة قوات جهادية طمحت في تأسيس امارة مالية في غرب افريقيا تكون القاعدة القادرة علي التوسع والامتداد نحو الجزائر وليبيا ودول شمال افريقيا. هناك خطة لمجموعات الجهاد لتوسيع نشاطها ونشر قواعدها والاستفادة من تفكك الدول وانهيارها . والغرب امام معضلة صعبة ، إذ لا تزال قواته في افغانستان ، لكن فرنسا خرجت من هناك وتوجهات إلي افريقيا حيث الخطر يطل برأسه من هذه النافذة. هناك توقعات بإحياء الحرب علي الارهاب . وقد التقي وزير الدفاع الامريكي بنظيره البريطاني فيليب هاموند وبحثا الموقف في ” مالي ” واشار الوزير الامريكي إلي ” ليبيا ” التي تبدو قلقة في نظر الامريكيين حيث قتل سفير أمريكي هناك مع ثلاثة دبلوماسيين آخرين في بني غازي ، مما يشير إلي وجود مجموعات متشددة في هذا البلد الذي اسقط نظام العقيد القذافي بمساندة دول غربية ساعدت علي ترسيخ رياح الربيع العربي الذي تحدثت عن تغيير وديمقراطية ، وان كانت الاتجاهات القائمة تشير إلي صعوبات في تنفيذ الاحلام الديمقراطية وترسيخ كيان الدولة والقانون. مشروع ساركوزي تصريحات ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني خلال ازمة الرهائن في الجزائر تعبر عن اعادة نظر وواضحة تنطلق من ” لندن ” وتلتقي مع الموقف الفرنسي الذي تصرف بسرعة وارسل قواته لمنع سقوط ” مالي ” في يد جماعات الجهاد هناك. كانت بريطانيا اعتادت ترك شمال افريقيا لفرنسا التي تتمتع بنفوذ هناك نتيجة خبرة تاريخية حيث كانت الدولة المستعمرة لسنوات طويلة. لكن شمال افريقيا مع غربها يبدو مطروحاً الآن علي استراتيجية بريطانية تقرأ المشهد الذي جري في الجزائر بتمعن شديد وبمحاولة للفهم حتي يمكن التحرك.. والهدف الآن هو محاولة مطاردة العناصر التي حركت هذا الهجوم واستهدف مواطنين بريطانيين واجانب في المنطقة الصحراوية الجزائرية . وقد اصبحت قضية شمال افريقيا مطروحة علي البرلمان والاجهزة الامنية لمعرفة كيفية التحرك لوأد جماعات الجهاد التي خرجت عن اطار محاربة أنظمة سياسية إلي مواجهة مع الغرب صريحة تهدد مواطنيه وسلامتهم.. وقد بدأ الحديث عن أن شمال افريقيا يرتبط بالامن الاوروبي . وقد حاول الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي انشاء التجمع المتوسطي الذي يضم دول البحر المتوسط في منظومة تستهدف الامن والتنمية. وقد تعرض مشروع ساركوزي لاهتزازات لاختفاء انظمة في تونس ومصر وليبيا كانت تدعم هذه المنظومة . الآن يطرح الموضوع الامني نفسه بعد عملية الجزائر الجريئة والشرسة ، فهل سيتم احياء مشروع ساركوزي مرة أخري ؟ أم سيجري البحث عن وسيلة لضمان محاربة الارهاب بطريقة اخري تستند علي تعاون مع انظمة مثل الجزائر التي تدخل منذ سنوات في مواجهة مع هذا التيار؟. والحقيقة ان هناك تحديات كبيرة خصوصاً وأن دول شمال افريقيا مكتظة بالمشاكل الاقتصادية والتنموية وهناك معدلات عالية من البطالة خصوصاً بين الشباب يتم استخدامها لخدمة المشروع الجهادي الذي يعرض نفسه خلال مجموعات ترفع السلاح وتستخدمه.. شمال افريقيا يحتاج لاستثمارات وتنمية وانفتاح سياسي يساعد علي هزيمة مشروع التطرف بكل اشكاله . والحل العسكري صعب في ظل التجربة الافغانية ، وعلي الغرب ادراك أن المعركة تتطلب الانحياز إلي القوي الداخلية الراغبة في تحديث وتطوير وتصنيع وتطبيق مناهج تستقطب الاعداد الهائلة للشباب وتربطهم بمشروعات تحسن ظروف حياتهم بدل من تركهم لقمة سائغة في يد التطرف بكل ألوانه. تنسيق دولي عموماً موقعة الصحراء الجزائرية تكشف الحاجة إلي تنسيق دولي في اتجاه الاتفاق علي استراتيجية تنمي وتدفع باستثمارات وتنمية في طريق نهضة حقيقي من أجل نشر الامل بين الشباب علي وجه الخصوص ، حتي لا يدفعهم اليأس نحو حافة الخطر ، تجعلهم فريسة لافكار تتجه نحو التدمير والانتحار علي الطريقة نفسها التي جرت في الموقع الجزائري لاستخراج ” الغاز.. لقد تم الدفع بشباب للقتل والموت في الوقت نفسه في عملية تغلب عليها روح المغامرة اليائسة ، فعندما تحاول قتل الآخرين مهما كانت الدوافع فهذا يأس لا يملك رؤية لحل قضية ما. وهؤلاء الذين ينمون في داخل خلايا منغلقة تتحدث عن الجهاد بأسلوب خاطئ يفجرون كراهية وحروبا سوف تمتد لسنوات كما توقع رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير.