فضائح وأسرار ..خيانة وعصيان..كشف عنها رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير في مذكراته عن تفاصيل غزو العراق عبر كتابه "رحلة"، الفضيحة ليست في قرار الحرب فبلير يدافع عن ذلك بقوة لكنها فضيحة الخيانة التي وصف بها صديق الأمس وعدو اليوم جوردون براون الذي حل محله رئيساً للوزراء بعد أن وصلت خلافاتهما داخل حزب العمال لحد الانشقاق وتبادل أبشع الاتهامات. أما العصيان فقد رفعه بلير في وجه العائلة المالكة حينما أزاح الستار عن أسرار المكالمات الهاتفية التي دارت بينه وبين الملكة إليزابيث في أعقاب اغتيال الأميرة ديانا، والتي قال عنها إنها كشفت له غطرسة الملكة وعدم تعاملها مع نبأ مصرع ديانا بشيء من الجدية وبطريقة غير لائقة. الهجوم الذي شنه توني بلير علي أعدائه في مذكراته أرفقه بسرد مفصل عن إنجازاته خلال ولايته، إلا أن هذه الإنجازات نفسها أظهرت مجموعة من الفضائح التي لا تغفر لبلير نفسه، حيث كشف انه لجأ للكذب خلال محادثات السلام المتعلقة بإيرلندا الشمالية لأنه كان يهدف لتحقيق السلام وتسوية المنازعات، كما اعترف أنه خاض الحرب ضد العراق للتخلص من أسلحة الدمار الشامل ومع ذلك أكد في مذكراته أن العراق لم يكن يملك أسلحة للدمار الشامل، أيضاً رغم قناعته بصواب قرار الحرب علي العراق إلا أنه اعترف بعدم توقعه لسيناريو ما بعد الحرب الذي دمر العراق، وكذلك عدم توقعه لتدخل إيران والقاعدة في العراق بعد ذلك. وكان أول من طاله بلير بالهجوم براون رفيق دربه الذي أصبح منافسه الأول داخل الحزب ثم خليفته في منصب رئيس وزراء بريطانيا. فقد تسبب الصراع بينهما في حدوث انقسام داخل الحزب وإصابة الحكومة بالشلل، حيث وصفه بلير في مذكراته بأنه منعدم الذكاء العاطفي ومنفلت عصبيا ومسبب للجنون ومستغل،علي الرغم من اعتراف بلير بقدرات براون السياسية. وقبل تولي بلير رئاسة الوزراء كان هو وبراون عضوين في مجلس العموم تجمعهما صداقة قوية، حتي عندما توفي زعيم الحزب جون سميث عام 1992 كان براون يعتقد في هذه اللحظة أن بلير لن ينافسه علي رئاسة الحزب حتي يصبح رئيساً للوزراء في حالة نجاح حزب العمال في الانتخابات.. لكن ما حدث كان عكس ذلك لأن بلير رشح نفسه ضد براون وفاز برئاسة الحزب.. ومنذ تلك اللحظة امتلأ قلب براون بالمرارة والغيظ من بلير لكنه سعي لإخفائها. كما أن بلير عمل علي إبقاء براون في الداخل محدود الحركة أفضل من أن يكون بالخارج طليقاً لذا منحه وزارة الخزانة وعدم الإطاحة به كي لا يكون رأس حربة لقوة أشد فتكاً تطيح ببلير نفسه علي أيدي البراونيين. ويمضي بلير في هجومه قائلاً إن براون مارس ضغوطا عليه سعياً لتنحيه له عن السلطة كما أنه حاول ابتزازه عندما أثيرت مسألة الفضائح المالية الخاصة بتمويل الحملات الانتخابية للحزب والتي أشارت إلي تبرعات رجال الأعمال لتمويل الانتخابات والتي لا يقرها القانون وهو ما أثر علي مركز بلير، ودفعه إلي شرب الخمر يومياً.مؤكدا أنه كان يتناول الخمر كل ليله لأنه يمنحه الراحة والملاذ من ضغوط براون حتي أنه جاء عليه الوقت وأوشك علي إدمانه. وكان لجوؤه للخمر كمحاولة منه للسيطرة علي أعصابه وكنوع من التنفيس والوسيلة الوحيدة التي تمكنه من أداء وظيفته علي النحو الذي يريده. كما خصص بلير فصلاً كاملاً من كتابه لمهاجمة العائلة المالكة ومصرع الأميرة ديانا. حيث رفع النقاب عن محادثات تمت بينه وبين الملكة إليزابيث في قصر باكينجهام بعد مقتل أميرة القلوب.واصفا ردة فعل العائلة المالكة بعد حادث السيارة الذي قتل أميرة ويلز في باريس عام 1997بأنه "غير مفهوم وغريب". كما أن موقف الملكة إليزابيث بعد وفاة ديانا كان يتسم ب”الغطرسة” وذلك لرفضها العودة إلي لندن وقطع إجازتها الصيفية في قصر بالمورال في اسكتلندا .وقال إنه كان يشعر بالضيق كلما التقي الملكة لأنها "متعالية". ويروي بلير أحد مواقفه مع الملكة قائلاً إنه في اليوم التالي لجنازة ديانا حيث زار الملكة وكان علي وشك الجلوس في مقعد كان يبدو أنه مناسب لجلوسه عندما صدرت صيحة من أحد الحجاب، وارتفع حاجبا الملكة في استنكار مما جعله يتراجع، وقد تم التوضيح له أن ذلك كان مقعد الملكة فيكتوريا وأنه منذ وفاتها لم يجلس أحد عليه البتة. ويصف بلير أميرة القلوب بأنها كانت مناورة مثله، في أنهما يقدران علي فهم عواطف الناس بسرعة شديدة ثم التلاعب بتلك العواطف فيما بعد لنيل القبول والإعجاب. ويصف بلير الأميرة ديانا في مذكراته بأنها استغلالية وعنيدة وانفعالية إلا أنها متواضعة وساحرة الجمال وذكية ويصعب التنبؤ بما ستفعله في اللحظة التالية. وكشف بلير أنه عبر لدياناعن قلقه الصريح إزاء علاقتها بدودي الفايد عندما تنزها معاً في حديقة قصر تشيكرز في يوليو 1997 بعد توليه منصبه كرئيس للوزراء وقبل شهر من وفاتها، ووصف علاقتها مع دودي بأنها "مشكلة مقلقة". بلير وزوجته شيري بعيداً عن كواليس الحياة السياسية ظلت شيري زوجة بلير العمود الداعم طيلة رحلته ولعبت دوراً كبيراً في نجاحه. حيث كتب بلير في كتابه عن علاقته العاطفية بزوجته شيري،وقال بلير إن شيري ساعدته في أحد أصعب الأيام في حياته السياسية في 12 مايو 1994 وأضاف أنها في ذلك اليوم قامت باحتضانه وقالت له ما كان يريد أن يسمعه، لقد ساعدته ليكون أقوي، فقد كان في احتياج لحب شيري بشكل أناني. ووصف بلير زوجته شيري بالصخرة التي ساندته في كل مواقفه السياسية، وقال بلير إنه استخدم شيري كمستشارة له في الكثير من القرارات التي اتخذها، وأضاف "كانت قوية عندما كان هو ضعيفاً، وكانت متحمسة عندما أصابه اليأس، وكان يعود إليها عندما يريد اتخاذ قرار صعب، لكنه أكد أنها كانت تعاني عند التعامل مع الصحافة، فكانت لا تستطيع التعامل مع قوة هذا الإعلام، وأشار إلي أنها كانت قوية للغاية عند إنجابها لطفلهم الرابع، ليو. وأكد بلير أن زوجته كانت ذات تأثير كبير عليه سياسياً، لأن حبها لحزب العمال كان طبيعياً. وبعد انتقالهما لداونينج ستريت مع تولي بلير لرئاسة الوزراء عملت شيري علي دفع العديد من المشاريع الخيرية رغم عدم حصولها علي أيّ دعم من منصب زوجها. واعترف بلير نفسه أنه حاول التسلل إلي سرير صديقة طفولته الحسناء إنجي هانتر التي أصبحت فيما بعد تعمل معه بعد توليه رئاسة الوزراء في 10 داونينج ستريت، وقال إنهم كانوا أصدقاء مقربين منذ السادسة عشرة، وحاول بلير في إحدي الحفلات أن يتسلل إلي سريرها إلا أن محاولته كانت فاشلة. وعلق بلير أيضاً علي حبه الأول للفتاة أماندا ماكينزي ستيوارت التي التقي بها عندما كان في الثامنة عشرة، قائلاً: كانت زميلته الوحيدة في المدرسة، بالإضافة إلي أنها كانت ابنة حاكم المدينة، مضيفاً أن الحب الأول يختلف كثيراً، تشعر بسعادة وانجذاب ونشوة كبيرة، تتمني الدخول في تلك التجربة الجديدة الفريدة، أحياناً لا يمكن مقارنة هذا الحب بأي شيء. ويكتب بلير في مذكراته أن الساسة يضطرون في بعض الأحيان إلي إخفاء الحقيقة وتشويهها متي ما كان الهدف الاستراتيجي المرجو أكبر مما عداه. ويضرب مثالا لهذا بوقت ما خلال محادثات السلام المتعلقة بإيرلندا الشمالية حين أجبرته الظروف علي إلقاء الأكاذيب علي الجانبين لأن هدف "السلام" كان يستدعي هذا. إلا أن كل ذلك الجهد ضاع بسبب الخسارة الكبري للحرب في العراق وأفغانستان والتي ورط فيها بلير بلاده. خاصة عقب اعترافه بأن المعلومات الخاصة بأسلحة الدمار الشامل في العراق كانت غير صحيحة. وعلي الرغم من هذا الاعتراف إلا أن بلير مازال علي قناعه كاملة بصواب قراره خوض حرب العراق والانسياق وراء بوش وأعوانه. حتي أنه أصر علي موقفه بأن قلب نظامي صدام حسين في العراق وطالبان في أفغانستان كان الطريق الرئيسي لتحقيق السلم والحرب علي الإرهاب. إلا أنه لم يكن يتوقع الكابوس الذي تكشف في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام كما أنه لم يأخذ في الحسبان دور القاعدة وإيران في العراق أثناء التخطيط للغزو حيث لم يتوقف سفك الدماء بعد القضاء علي الإطاحة بهذا النظام. ويعلن بلير عدم ندمه علي قرار الذهاب للحرب ولكنه يؤسفه فقدان البعض حياتهم. حيث أعرب عن أسفه الشديد في مذكراته لأقارب الجنود البريطانيين الذين قتلوا في الحرب. بوش وبلير ومثلما دافع عن قرار الحرب يدافع بلير وبشدة عن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ويصفه بأنه السياسي الوحيد في العالم الذي امتلك الشجاعة والذكاء لمواجهة تنظيم القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 التي مثلت في نظره إعلان حرب مع عدو جديد. ويضيف بلير أن الأمريكيين كانوا الوحيدين الذين امتلكوا رؤية فعالة بشأن كيفية التعامل مع تنظيم القاعدة ونظام صدام حسين ودافع بلير في مذكراته عن الطريقة التي حاولت من خلالها إدارة بوش التعامل مع وقوع حرب شبه أهلية في العراق بعد الغزو وعن قرار إدارة بوش نشر مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين لضمان استقرار العراق. ويدافع بشدة عن بوش وعن كلماته الحميمة التي لم يكن يقصد من ورائها شيئاً سوي الدعابة والمودة. وينخرط بلير في دفاعه المستميت عن صديقه، فيقول إن الرئيس الأمريكي السابق كان هو الوحيد من بين الزعماء الكبار الذي كان لا يتسم بالغطرسة أو الوقاحة في التصرفات أو الروح العدوانية، فقد كان بوش يعامل مساعدي بلير بطريقة تنم عن الألفة وبعيداً عن الأجواء الرسمية علي عكس معظم الزعماء الآخرين، وكان بوش، كما يلاحظ بلير، يميل إلي هذه الأجواء الحميمة وعدم التكلف داخل إطار الرسميات. إيران و توازن القوي ولا يفوت بلير الفرصة للحديث أيضاً عن إيران فيقول إنه ليس بوسعه أن يغامر بحيث تملك طهران الأسلحة النووية وأنه لن يقبل ذلك مطلقاً. ويضيف أنه بالرغم من التهديد الذي يشكله امتلاك إيران للأسلحة النووية للغرب إلا أن الخطر الحقيقي يكمن في قدرات إيران علي دعم التطرف الإسلامي، كما أن خطر إيران علي دول الجوار أكبر من الذي تشكله علي الولاياتالمتحدة وبريطانيا مؤكداً علي أن امتلاك إيران لقنبلة نووية سيدفع الآخرين في المنطقة لامتلاك القدرات نفسها الأمر الذي من شأنه أن يغير توازن القوي إقليمياً وإسلامياً وبشكل جذري.