وداعاً للحرية في بلاد «العم سام» كما هو معروف، بلاد العم سام هي أمريكا، التي كانت تفاخر دائما بأنها قلعة الحرية ونصير المناضلين من أجل التحرير في كل مكان. كانت أمريكا كذلك عندما اندلعت ثورتها ضد الإنجليز منذ أكثر من قرنين. لكن في الأسبوع الماضي سقطت كل الأقنعة. فبعد غزو أفغانستان واحتلال العراق وتشتيت شعبه وتدمير اقتصاده، شاهد العالم أمريكا متلبسة وهي تلقي في مياه البحر المتوسط بما تبقي من ادعائها بمناصرة الحرية. فقد كانت هي الدولة الوحيدة التي صوتت ضد قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإدانة المذبحة الإسرائيلية لركاب أسطول الحرية المتجه إلي غزة. أمريكا تمد إسرائيل بالمال والسلاح وتساندها بالدعم السياسي والدبلوماسي لحرمان الفلسطينيين من حق الحياة. كما شهد العالم أمريكا متلبسة علي ضفاف النيل وهي تدفن تشدقها بمناصرة المناضلين المصريين من أجل الحرية عندما اتخذت موقفا مائعا من تمديد العمل بقانون الطوارئ في مصر الشهر الماضي. إن مثل هذا الموقف المشجع للديكتاتورية يتناقض مع خطاب أوباما بجامعة القاهرة منذ عام فقط عندما قال بالحرف الواحد: "... يلازمني اعتقاد راسخ أن جميع البشر يتطلعون لامتلاك قدرة التعبير عن أفكارهم وآرائهم في أسلوب الحكم المتبع في بلدهم، ويتطلعون للشعور بالثقة في حكم القانون وفي الالتزام بالعدالة والمساواة في تطبيقه، ويتطلعون كذلك لشفافية الحكومة وامتناعها عن نهب أموال الشعب، ويتطلعون لحرية اختيار طريقهم في الحياة. إن هذه الأفكار ليست أفكارا أمريكية فحسب، بل هي حقوق إنسانية، وهي لذلك الحقوق التي سوف ندعمها في كل مكان." ومن حقنا أن نتساءل: ماذا بقي من الحرية في بلاد العم سام؟ للأسف لم تبق إلا رموز جوفاء مثل جرس الحرية في فيلادلفيا وتمثال الحرية في نيويورك. المثير للسخرية أن جرس الحرية منقوش عليه اقتباس من التوراة يقول: "تنادون بالعتق في جميع أنحاء الأرض ولكل سكانها". وعلي قاعدة تمثال الحرية نقشت أبيات من الشعر جاء فيها علي لسان أم الحرية (وهي السيدة حاملة الشعلة في التمثال): "اعطني كل المتعبين، كل الفقراء، وكل الجماهير المكبوتة المشتاقة للحرية" .لكن الحكومة الأمريكية أدارت ظهرها للمتعبين والفقراء والجماهير المكبوتة المشتاقة للحرية في كل مكان. كما تنكرت لتراثها الذي طالما تشدقت به في مجال الدفاع عن الحرية والمناضلين من أجلها أينما كانوا. إن أمريكا تقف في نفس الخندق مع النظام العنصري في إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني من المتعبين والفقراء وكل الجماهيرالفلسطينية المكبوتة المشتاقة للحرية- علي حد تعبير أم الحرية. كما تقف في نفس الخندق مع النظام الديكتاتوري في مصر ضد ملايين المصريين الذين يتطلعون لشفافية الحكومة وامتناعها عن نهب أموال الشعب، ويتطلعون لحرية اختيار طريقهم في الحياة- علي حد تعبير الرئيس أوباما في خطابه بجامعة القاهرة. إن أمريكا تنكرت لكل مبادئها عن العتق. في جميع أنحاء الأرض و لجميع سكانها، وأصبحت قوة إمبريالية لا يحركها إلا مصالحها عبر العالم. و كما يحدثنا التاريخ، فإن فقدان الالتزام الأخلاقي هو بداية النهاية للقوي العظمي- حتي لإمبراطورية العم سام.