هل دخلت مصر خط الفقر المائي؟، وزير الخارجية يكشف مفاجأة    التحفظ على 1882 لتر بنزين 95 في حملة على قطاع المواد البترولية بالإسكندرية    سفير الهند: مصر وجهة تجارية لشركاتنا.. وسنواصل توسيع وجودنا بها    إعلام عبري: شروط إسرائيل لإنهاء حرب غزة تمنع التوصل إلى صفقة شاملة    كريستال بالاس يحتفظ بنجمه جويهي.. لماذا فشل ليفربول في ضمه؟    ريمونتادا مكتملة، تعادل قاتل بين باريس وتوتنهام في نهائي كأس السوبر الأوروبي    صفقة جديدة للروسونيري.. هل سيكون دي وينتر الحلقة المفقودة في دفاع ميلان؟    إعدام 42 طنا من مصنعات اللحوم الفاسدة داخل مصنع بدون ترخيص بكرداسة    أخبار الفن اليوم: وفاة صنع الله إبراهيم.. إحالة بدرية طلبة للتحقيق.. الحجز على حسابات روتانا لصالح شيرين.. وتعرض ليلي علوي لحادث سير    محمود سعد يكشف تفاصيل حالة أنغام قبل صدور نتائج التحاليل (فيديو)    نجاح فريق طبي بمستشفى النيل في إنقاذ مريضة تعاني من ورم الخلايا العملاقة    مقتل 3 أشخاص على الأقل ونزوح الآلاف جراء حرائق غابات في جنوبي أوروبا    محمد شردى يشيد بحملة الشركة المتحدة الخاصة بآداب وقواعد المرور    بشرى سارة.. دعم مشروعات المرأة والشباب في مطروح بتمويلات ميسرة    "القومي للسكان" ينفذ قافلة سكانية طبية توعوية شرق مدينة العريش    وجهان مختلفان ل علا رشدي في "بنج كلي" و"العند"    «السيرة أطول من العمر».. نصائح قاسية من استشاري نفسي للفنان محمد رمضان    ما حكم من يحث غيره على الصلاة ولا يصلي؟.. أمين الفتوى يجيب    زوجي رافض الإنجاب مني لأن لديه أبناء من زوجته الأولى.. فما الحكم؟.. وأمين الفتوى ينصح    وزير الخارجية: الاعتراف الدولى بفلسطين يكشف عزلة إسرائيل    مصر تحصد ذهبية تتابع الرجال ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا بالإسكندرية    السكة الحديد تُعلن مواعيد تشغيل قطارات خط القاهرة - السد العالي    أمين الفتوى بقناة الناس: المتوفى يشعر بالزائر ويستأنس به    رئيس الأركان الإسرائيلي: نواجه حربًا متعددة الساحات ونتبنى استراتيجية جديدة    محافظ المنيا ورئيس الجامعة يفتتحان وحدة العلاج الإشعاعي الجديدة بمستشفى الأورام    السلطة الفلسطينية تعرب عن استعدادها لحكم قطاع غزة    محافظ الجيزة يعتمد تخفيض تنسيق القبول بالثانوية العامة ل220 درجة    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    إخلاء سبيل 6 متهمين بالتشاجر في المعادى    ارتفاع مخزونات النفط الخام ونواتج التقطير في أمريكا وتراجع البنزين    الرئيس والإعلام ورهانه الرابح    محمود ناجي حكما لمباراة أنجولا والكونغو في أمم إفريقيا للمحليين    وصية محمد منير    تستعرض جمالها.. ياسمين صبري تخطف الأنظار والجمهور يعلق    رئيس اتحاد اليد بعد التأهل التاريخي: قادرين على تخطي إسبانيا    بيكو مصر تخفض أسعار أجهزتها المنزلية 20%    لتركه العمل دون إذن رسمي.. إحالة عامل ب«صحة الباجور» في المنوفية للتحقيق    الصحة تستكمل المرحلة الرابعة من تدريب العاملين بمطار القاهرة على أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة    أتالانتا يقدم عرضًا ب40 مليون يورو لضم رودريجو مونيز من فولهام    هذه الأبراج دائما مشغولة ولا تنجز شيئا ..هل أنت واحد منهم؟    قناديل البحر تعطل أحد أكبر المفاعلات النووية في فرنسا    روبيو: لا أفق للسلام في غزة مع بقاء حماس في السلطة    التنمية المحلية: مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات التراثية والدينية    مفتي القدس: مصر تسعى جاهدة لتوحيد الصفوف وخدمة القضية الفلسطينية والوصول بها إلى برِّ الأمان    فضيحة اسمها الانتخابات    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    وزارة الرياضة: نسعى لمنظومة خالية من المنشطات.. ونراقب عقوبات الجماهير وعقود اللاعبين    وزير الصحة يشكر النائب العام على سرعة الاستجابة في واقعة "مستشفى دكرنس"    حبس وغرامة 2 مليون جنيه.. عقوبة الخطأ الطبي الجسيم وفق "المسؤولية الطبية"    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا خوف على إيران فأمريكا تغزو الضعفاء فقط!
نشر في الشعب يوم 24 - 02 - 2007


بقلم: د. فيصل القاسم


من الخطأ تشبيه الحملة الإعلامية والتعبوية الأمريكية ضد إيران بتلك التي سبقت الغزو الأمريكي لجزيرة غرينادا ومن ثم الصومال والعراق وأفغانستان. فشتان بين الحالة الإيرانية وما سبقها. واعتقد أن المثل الصيني الشهير الذي يقول إن "الكلب الذي ينبح كثيراً قلما يعض"، يكاد ينطبق هذه المرة على "المراجل" والعنتريات الإعلامية والعسكرية الأمريكية ضد إيران. فلو دققنا في تاريخ عمليات الغزو الأمريكية منذ حرب فيتنام لوجدنا أن الأمريكيين لا ينقضّون عادة إلا على الفرائس الضعيفة جداً.

في عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين تنمّر الأسطول الأمريكي على العاصمة اللبنانية بيروت التي لم يُعرف عنها قط حبها للحرب أو المواجهة، ناهيك عن كونها تاريخياً أكثر عواصم المنطقة وداعة ومسالمة وضعفاً من الناحية العسكرية، فحاصر شواطئها بعدد كبير من قوات المارينز. لكن حتى المنازلة الأمريكية مع عاصمة الثقافة والفن والأزياء بيروت لم تتوج بالنصر، فقد مُني الرئيس الأمريكي وقتها رونالد ريغان بهزيمة نكراء عندما تعرضت قواته بعد عام على تمركزها حول بيروت لضربة قاصمة راح ضحيتها حوالي ثلاثمائة من مشاة البحرية الأمريكية بعد أن اقتحمت مركزهم شاحنة محملة بالمتفجرات، فأتت على الأخضر واليابس، مما حدا بالإدارة الأمريكية إلى الانسحاب فوراً وهي تجر وراءها ذيول الهزيمة والخيبة.

لكن العم سام لم ييأس في استهداف الضعفاء، فبعد يومين فقط على كارثة المارينز في بيروت بدأ الأمريكيون يفكرون كيف يسترجعون هيبتهم وماء وجوهم التي أريقت على شواطئ لبنان، فلم يجدوا أمامهم غير جزيرة غرينادا القريبة من كوبا والتي بالكاد يمكن رؤيتها على الخريطة. فشمر الرئيس رونالد ريغان وقتها عن ساعديه وأرسل قواته لغزو تلك الجزيرة التي وصفها أحد الكتاب الأمريكيين بأن حجمها لا يزيد على حجم مزرعة عنب. أما سكانها فيمكن استيعابهم كلهم في مزهرية، وذلك للسخرية من العنترية الأمريكية على تلك الجزيرة المغلوبة على أمرها. ويقال أيضاً إن غزو غرينادا الذي حسبه الأمريكيون جيداً هذه المرة كان يهدف إلى التخلص من عقدة فيتنام ومسح عار الهزيمة التي ألحقها بهم مقاتلو الفيتكونغ. وقد نجح ريغان في ذلك نجاحاً باهراً حيث كانت المنازلة بين القوات الأمريكية وجنود جزيرة غرينادا أشبه بمنازلة بين فيل ونملة، فانتصر الفيل انتصاراً مدوياً. ومنذ غزو غرينادا والأمريكيون يحددون أهدافهم بعناية فائقة، فلا يختارون من الطرائد الا المُنهكة أو الوديعة أو الحملان الصغيرة، ومع ذلك يخسرون.

فبعد سقوط غرينادا في أيدي جنود الرئيس ريغان، بدأ الأمريكيون يبحثون عن فريسة مريضة ومتهاوية أخرى يمكن افتراسها بسهولة وذلك لإبراز عضلاتهم، فلم يجدوا أمامهم غير الصومال الذي كان يعاني كل صنوف الفوضى والصراع والحرب الأهلية والجوع والمرض وانعدام الدولة والقيادة، فرأوا فيه فريسة مثالية، فأطلقوا عمليتهم الشهيرة التي سموها "إعادة إحياء الأمل"، وانطلقوا إلى الصومال "الخربان". لكن من سخرية القدر فإنهم لم يستطيعوا الصمود أمام الشعب الصومالي الأعزل والجائع والمشرد. فعندما قبض سكان مقديشو على طيار أمريكي بعد سقوط طائرته انقضوا عليه كالوحوش الكاسرة فأوسعوه ضرباً ثم "شحطوه شر شحطة" في شوارع العاصمة و"جرجروه" ومرغوه بالتراب وقطعوه إرباً إرباً في منظر فظيع هز أمريكا وقتها، وجعل الإدارة تخرج مكسورة الخاطر من الصومال كما فعلت من قبل في لبنان.

إلا أن الكاوبوي الأمريكي على ما يبدو استمرأ المعارك الخاسرة مع البلدان المغلوبة على أمرها، فحك الذئب الأمريكي رأسه وتساءل: من الحمل الجديد الذي يجب أن افترسه؟ وجدتها وجدتها، إنها أفغانستان التي حولها مجاهدو البيت الأبيض إلى أرض يباب وخراب، فلم يعد فيها من مقومات الدولة إلا علمها. فراحت الطائرات الأمريكية تمطر الشعب الأفغاني الجائع والمريض والمشرد بما لذ وطاب من قنابلها وصواريخها الهمجية بحجة إيوائه للقاعدة، بينما لم يكن لدى الأفغان حتى الماء والطعام لسد رمقهم، فما بالك وسائل الدفاع. وقد سخر أحد المعلقين من الحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان عندما قال إن" ثمن صاروخ كروز الذي كانت تطلقه البوارج الأمريكية على المدن الأفغانية كان أغلى من حيث الثمن بعشرات المرات من الأهدف التي كان يصيبها. تصوروا صاروخاً ثمنه بالملايين كان يهدم بيتاً آيلاً للسقوط لا يزيد ثمنه على ألفي دولار على أبعد تقدير".

ومع ذلك فإن الاحتلال الأمريكي لأفغانستان الذي بدا سهلاً في البداية بدأ يترنح الآن أمام ضربات المقاومة الأفغانية بشهادة ضباط حلف الأطلسي المرابطين في بلاد الشمس، فقد تمكنت حركة طالبان على ضعفها وتخلفها من استعادة العديد من المناطق وجعل الحكومة المدعومة أمريكياً تنزوي في حي صغير بكابول التي أصبحت المكان الآمن الوحيد الذي يمكن أن تأمن فيه الحكومة والقوات الدولية على نفسها من هجمات المقاتلين الأفغان. وقد صرح ضابط بريطاني كبير بأن حركة طالبان ستعود إلى السلطة خلال ستة أشهر إذا لم لم نتدارك الأمر.

مع كل ذلك ظل اليانكي الأمريكي يجرب حظه مع الدول الضعيفة لعله يخرج يوماً بنصر مؤزر كالذي حققه في جزيرة غرينادا التي لا يمكن رؤيتها إلا بالمجهر. فجاء الدور على العراق الذي كانوا قد حاصروه ونكلوا به لحوالي خمسة عشر عاماً وجوعوه وأنهكوه ومنعوا عنه حتى أقلام الرصاص وحبات الأسبرين. وقد استطاعو على مدى سنوات الحصار إرهاق العراق القوي بعد أن قسموه إلى خطوط عرض وطول وشمال وجنوب ومناطق كردية وأخرى عربية وجعلوا القيادة محصورة في بغداد. وعندما حان موعد الغزو كان العراق عسكرياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً في حال يرثى لها، وهو المطلوب أمريكياً كي يتم الغزو بيسر وسهولة، كما كان الحال مع البلدان الأخرى التي غزوها. فراحت الطائرات الأمريكية تلقي بألوف الأطنان من القنابل فوق شعب يائس ومرهق ومُتعب وبلد أضناه الظلم العربي والدولي وتآمر الشقيق قبل العدو. هل تتصورون في هذه الحالة إلا أن ينجح "مغول العصر" في دخول العراق؟ لقد سقطت بغداد بسهولة، ولم يكن متوقعاً لها إلا السقوط السريع، فهي كانت ثمرة يانعة بالنسبة لمخططي الغزو بعد أن عانت ما عانت على مدى سنوات وسنوات.

لكن عاصمة الرشيد قاومت الإرهاق والتعب والمرض والفقر والخذلان وانطلقت بعد مرور أسبوع فقط على الغزو تقاوم بضراوة عز نظيرها، مما جعل الأمريكيين يتذكرون عقدة فيتنام، بينما انكفأ أزلامهم إلى المنطقة الخضراء. ولا داعي لوصف الوضع الأمريكي في العراق الآن بعد أن غرق المارينز في المستنقع العراقي شر غرق ووصلت ضحاياه إلى عشرات الألوف.

هل تتوقعون بعد كل ذلك أن تقدم أمريكا على غزو إيران وهي بكامل صحتها وعافيتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية؟ ألم يُظهر لنا التاريخ الحديث أن الكاوبوي لا يطلق النار إلى على الحملان الوديعة أو الأسود الجريحة؟ إيران الحالية، يا جماعة الخير، ليست لا غرينادا ولا لبنان ولا أفغانستان ولا العراق الذي حطموه قبل أن يجتاحوه، ولا حتى إيران مصدّق التي كان سهلاً التآمر عليها وتغيير قيادتها.

قد يقول قائل إن أمريكا لن تكرر التجربة العراقية بغزو إيران براً، بل ستلجأ إلى القصف الجوي المكثف بحيث تحقق أغراضها دون أن تخسر جندياً واحداً. وهذه بالطبع نكتة لا يمكن هضمها. فقد ظل سلاح الجو الإسرائيلي المصنوع أمريكياً يمطر لبنان بكل أنواع الصواريخ والقذائف والقنابل المحرمة دولياً لأكثر من شهر، ولم تحقق إسرائيل أياً من أهدافها، واضطرت في النهاية إلى قبول وقف إطلاق النار. وكما هو معلوم فإن لبنان لا يعادل مساحة "عِزبة" إيرانية بلغة الجغرافيا!

إن القوة الجوية يمكن أن تدمر وتحرق الكثير الكثير بهمجيتها البربرية، لكنها لا تستطيع أن تغير شيئاً على الأرض سوى تسوية المستشفيات والمدارس والمرافق المدنية بالتراب، كما فعلت إسرائيل في بلاد الأرز. وهذا يمكن إعادة بنائه بسرعة، كما شاهدنا في لبنان ومن قبل في العراق، والمعارك لم تُحسم تاريخياً إلا على الأرض، ناهيك عن أن السلاح الإيراني قد جُرب في لبنان، وشاهدنا كيف أخرج دبابات الميركافا الأسطورية من الخدمة. وشاهدنا أيضاً كيف كانت تحترق البوارج الإسرائيلية المصنوعة أمريكياً في عرض البحر بفعل الصواريخ الإيرانية. لهذا لا خوف على إيران من غزو عسكري أمريكي، ولا حتى من حملة جوية، ناهيك عن أن نقاط التلاقي بين واشنطن وطهران أكثر بكثير من نقاط الاختلاف الأخرى، رغم كل هذه الهيصة الإعلامية التهويلية المضحكة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.