رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك فى احتفال «أحد السعف» بأسيوط.. صور    وزير العمل يُحدد أيام إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية    «التموين» تعلن انتهاء أزمة السكر في الأسواق.. و«سوء التوزيع» سبب المشكلة    الدفع بأتوبيسات نقل جماعي للقضاء على التزاحم وقت الذروة في مواقف بني سويف    للمرة الثانية.. «السياحة» توفد لجان لمعاينة سكن الحجاج بالسعودية    ماكرون يعرب عن استعداده لمناقشة الدفاع النووي في أوروبا    روسيا تسقط 5 صواريخ أتاكمس و64 مسيرة أوكرانية خلال 24 ساعة    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو في حالة اضطراب كامل وليس لديها رؤية    اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل    رئيس مجلس الشوري البحريني يشيد بموقف القيادة السياسية المصرية في دعم غزة    البدري: أنا أفضل من فايلر وكولر.. وشيكابالا كان على أعتاب الأهلي    الشيبي يغادر مقر لجنة الانضباط بعد انتهاء التحقيق معه    شيرار: استبعاد صلاح من تشكيل ليفربول سر أزمته مع كلوب    «أزهرية الشرقية»: لا شكاوى من امتحانات صفوف النقل بالثانوية اليوم    تكثيف الحملات على محال بيع الأسماك المملحة خلال شم النسيم بالغربية    مدير تعليم الدقهلية يناقش استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    تنويه خاص لفيلم «البحر الأحمر يبكي» بمهرجان مالمو للسينما العربية في السويد    فيلم «أسود ملون» ل بيومي فؤاد يحقق المركز الرابع في شباك التذاكر    «الصحة» تكشف تفاصيل «معا لبر الأمان»: نخطط للوصول إلى 140 ألف مريض كبد    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    احتفال الآلاف من الأقباط بأحد الشعانين بمطرانيتي طنطا والمحلة.. صور    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    محافظ بني سويف يُشيد بالطلاب ذوي الهمم بعد فوزهم في بطولة شمال الصعيد    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة ملاكي على الطريق الصحراوي بقنا    قبل تطبيق اللائحة التنفيذية.. تعرف على شروط التصالح في مخالفات البناء    الرئيس الفلسطيني: اجتياح الاحتلال لرفح سيؤدي لأكبر كارثة في تاريخ الفلسطينيين    سفير روسيا بالقاهرة: موسكو تقف بجوار الفلسطينيين على مدار التاريخ    المصري الديمقراطي الاجتماعي يشارك في منتدى العالم العربي بعمان    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    4 برامج ب«آداب القاهرة» تحصل على الاعتماد البرامجي من هيئة الجودة والاعتماد    طلاب حلوان يشاركون في ورشة عمل بأكاديمية الشرطة    البنية الأساسية والاهتمام بالتكنولوجيا.. أبرز رسائل الرئيس السيسي اليوم    "مع كل راجل ليلتين".. ميار الببلاوي ترد على اتهامات داعية شهير وتتعرض للإغماء على الهواء    أحمد مراد: الخيال يحتاج إلى إمكانيات جبارة لتحويله إلى عمل سينمائي    قصور الثقافة تختتم ملتقى "أهل مصر" للفتيات بعد فعاليات حافلة    أول تعليق من مها الصغير على أنباء طلاقها من أحمد السقا    أقباط دمياط يحتفلون بأحد الشعانين    تشكيل إنتر ميلان الرسمي ضد تورينو    إدارة الأهلي تتعجل الحصول على تكاليف إصابة محمد الشناوي وإمام عاشور من «فيفا»    "اتصال" و"رجال الأعمال المصريين" يطلقان شراكة جديدة مع مؤسسات هندية لتعزيز التعاون في تكنولوجيا المعلومات    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من مليون مواطن لمن تخطوا سن ال65 عاما    جامعة بني سويف: انطلاق فعاليات البرنامج التدريبي للتطعيمات والأمصال للقيادات التمريضية بمستشفيات المحافظة    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    بنك QNB الأهلي وصناع الخير يقدمان منح دراسية للمتفوقين بالجامعات التكنولوجية    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خير الدين حسيب: العراق.. إلى أين؟: الدستور صاغه مستشار امريكي والنفط تنهبه الشركات الاجنبية
نشر في الشعب يوم 22 - 12 - 2010

الانتخابات الأخيرة التي تمّت في مارس الماضي، هي جزء من العملية السياسية التي أقامها الاحتلال الأمريكي، وهي الانتخابات التي تحصل للمرة الثانية، إذا بدأنا بالإيجابيات مهما كانت قليلة، قبل ذكر السلبيات، هذه هي المرة الثانية التي يتاح بها لجزء من الشعب العراقي أن يساهم في انتخابات لأعضاء في البرلمان.

منذ ثورة 14 يوليو 1958، وحتى عام 2005، لم تتح أية فرصة للشعب العراقي للمشاركة في انتخابات حقيقية، سواء أكانت محلية أو برلمانية. هذه إيجابية أيّاً كان رأينا في التزوير والرشى.. الخ، لكن تبقى إيجابية لأن الديمقراطية لا يتم تعلمها إلا بالممارسة؛ ولكن هذه الانتخابات تمّت، الا ان جزءا كبيرا من الشعب العراقي مستبعد منها، من خلال قانون "اجتثاث البعث" الذي سمّي في ما بعد ب"قانون المساءلة والعدالة"، وجميع المقاومة العراقية للاحتلال، سواء المسلحة أو السلمية، لم تشارك فيها، وبالتالي هذه الانتخابات لا تمثل الشعب العراقي كافة.

الملاحظة الأخرى، انه لم يكن أمام الناخب العراقي، الجديد الذي يختار منه. القوائم التي شاركت في انتخابات عام 2010، كان يرأسها أشخاص هم أنفسهم ترأسوا انتخابات عام 2005. فقائمة الائتلاف العراقي يرأسها عمار الحكيم، وتضم تكتلات هي نفسها التي اشتركت في انتخابات 2005؛ وقائمة ما يسمى ب"دولة القانون" التي يرأسها السيد المالكي، اشترك المالكي في انتخابات 2005، وإن مع مجموعة أخرى؛ والقائمة العراقية التي يرأسها د. أياد علاوي، كذلك هي اشتركت في انتخابات 2005؛ وقائمة التحالف الكردستاني، التي تضم الحزبين الرئيسيين للأكراد، اشتركت أيضاً، في انتخابات 2005.

إذاً، هذه الكتل السياسية التي اشتركت في الانتخابات هي ورؤساؤها هم مسئولون عن الفترة منذ احتلال العراق 2003، حتى تاريخ حصول الانتخابات عام 2010. ونحن نعلم ما حصل، وجميع هذه الكتل السياسية ورؤساء القوائم صرّحوا في أكثر من مناسبة بأن حكومة المالكي، فشلت في الأمن وفي الخدمات...الخ، مع العلم أن المالكي وأياد علاوي وإبراهيم الجعفري مع حفظ الألقاب، كانا (علاوي والجعفري) رؤساء وزراء في الفترة السابقة، يعني يتحملون فيها جزءا من المسؤولية، وإن كان المالكي يتحمل المسؤولية الأكبر.

طبيعة هذه القوائم المفتوحة، أنه يمكن لشخص أن يصوّت لأحد الأشخاص الموجودين في القائمة، ويمكن أن يصوت لرئيس القائمة، وهذه لا تعكس حقيقة شعبية هؤلاء الأشخاص. لأن المالكي كان في السلطة وتحت تصرفه السلطة والمال، وهذا ينطبق على آخرين؛ فقائمة د. أياد علاوي كانت كذلك مدعومة مالياً من جهات عربية أخرى، والأمر نفسه ينطبق على القوائم الأخرى؛ فالحصيلة، كما يقول مثل إنكليزي (Old wine in new bottles) أي"نبيذ قديم في قنان جديدة"؛ وأنا أقول 'خل قديم فاسد في قنان جديدة'، هذا وصفي للانتخابات العراقية.

ثمانية أشهر أخذت عملية اجتماع مجلس النواب واختيار رئيس للمجلس، ثم تسمية رئيس وزراء.. الخ. وهذا يدل على الأزمة التي نتجت من هذه الانتخابات، وما هي أسباب هذه الأزمة، ولماذا لم يستطيعوا حلها؟ لأن ما هو مطروح ليس إلا مصالح مختلفة لكل هذه العناصر. يعني، لم تكن القضية كيف نعالج فقدان الأمن؟ كيف نعالج فقدان الخدمات؟ واختلافا على برامج بل اختلافا على أشخاص. ولا أستطيع بكل موضوعية أن أُفضِّل قائمة على أخرى.

الحكومة القادمة
ماذا نتوقع من تجربة المجرَّب وهؤلاء جميعاً جرّبناهم في الفترة الماضية. مرّ حوالى الثماني سنوات على الاحتلال، ومرّت الآن ثمانية أشهر حتى يستطيعوا فقط أن يتفقوا على تشكيل وزارة فكيف ستستطيع هذه التشكيلة المتنافرة أن تحل المشكلة الأمنية، وتوفير الخدمات؟.

كنت أتمنى أن أستطيع القول إنني متفائل بما يمكن أن تنجزه هذه الحكومة، لكن للأسف، أعتقد أن العراق وهذه الحكومة إذا شُكّلت، مقبلة على عدد كبير من المشاكل، وقد لا تستطيع الاستمرار، وقد نتكلم مستقبلاً، ونذكر ما هي البدائل إن الاتفاق السياسي الذي تمّ بين الكتل الرئيسية قبل اجتماع مجلس النواب، كان منها، وهذا عيب كبير على القائمة العراقية، إلغاء الاجتثاث عن ثلاثة من أعضاء القائمة العراقية: صالح المطلق واثنين آخرين، وليس إلغاء القانون نفسه.

أنا أنظر إلى القضية ليس كقضية بعث أو غيره، بل إن أيّ حل للعراق يجب أن يتضمّن إلغاء أي عزل سياسي في العراق، في ما عدا الذين ارتكبوا جرائم منذ عام 1958 حتى الوقت الحاضر، ويحالون إلى المحكمة أما في ما عدا هذا فكل شعب العراق، بمن فيهم الذين جاؤوا مع دبابات الاحتلال، يجب أن تتاح لهم فرصة الاشتراك في الانتخابات، وأن يُترك للشعب العراقي الاختيار، فهو يعرف مَنْ هو الوطني، ومَنْ هو الخائن، ومَنْ هو العميل.

الدستور العراقي
الدستور العراقي، والمسودة الأولى وضعها مستشار وخبير أمريكي يدعى نوح فيلدمان، وهو أستاذ جامعي، لديه ميول صهيونية، في جامعة هارفرد الأمريكية. وفي 6 أكتوبر الماضي. قبل شهر ونصف الشهر من الآن، جريدة ال"نيويورك تايمز" نشرت مقالة عن دور شخص يدعى بيتر و.غالبريث، الذي كان مستشاراً للأكراد، وهو شريك في الشركة النرويجية (Norwegian Oil Company DNO) التي أخذت امتيازات النفط في كردستان، وعن دوره في الأشياء التي وضعها في الدستور لصالح الأكراد. هذا الدستور، بشكله الحالي، غير موجود مثله في العالم، في كل دولة فيدرالية اتحادية يقول هذا الدستور: إذا تعارضت قوانين الحكومة المركزية أو الدولة المركزية الاتحادية مع قوانين الإقليم، فقوانين الإقليم هي المرجحة.

هذا الدستور يعطي صلاحيات مبهمة لإقليم كردستان في ما يتعلق بقضايا النفط التي هي من شئون الحكومة الاتحادية المركزية، وقاموا بناء على هذا الغموض، بإعطاء امتيازات لعدد كبير من الشركات الأجنبية على أساس الامتيازات والمشاركة في الإنتاج، وهو يتعارض مع قانون رقم 97 الذي صدر عام 1967، ولم يلغَ من قبل الاحتلال، الذي يمنع إعطاء أي امتيازات وأي اتفاقيات على أساس المشاركة في الإنتاج. وزير النفط العراقي الحالي كانت لديه اعتراضات في الحكومة المركزية الحالية على تلك الاتفاقيات. والذي ساعد على عدم تنفيذ هذا، هو أنهم حفروا آباراً واستخرجوا النفط، لكن كيف يصدّرونه؟ يجب أن يصدر من خلال الأنابيب العراقية، وبالتالي توقفت العملية.

هذا الدستور هو نسخة تكاد تكون قريبة جداً وطبق الأصل من قانون الإدارة المؤقتة الذي شرّعه بريمر. لأول مرة في هذا الدستور منذ أن تكوّن العراق حتى وضع هذا الدستور، في كل الدساتير الدائمة والمؤقتة هناك نص على "أن العراق جزء من الأمة العربية". في هذا الدستور "العراق عضو في جامعة الدول العربية، والعرب في العراق جزء من الأمة العربية". هذا الدستور فيه كثير من المواد التي يجب أن تصدر قوانين لتبيّن كيفية تنفيذها.

هذا دستور وضعه الاحتلال، وهو دستور يجرّد العراق من عروبته، وبه متناقضات. الدستور هذا يعطي للأقاليم حق إرسال ممثلين في القضايا التجارية والاقتصادية والثقافية في السفارات العراقية، فأي نظام اتحادي في العالم يسمح بذلك.

الاحتلال
في البداية، احتلال العراق كان غير قانوني، لا يوجد قرار من مجلس الأمن. الأمين العام للأمم المتحدة صرّح بشكل واضح بأن احتلال العراق غير قانوني.

ما هي مبررات احتلال العراق من قبل بوش؟

ادّعى أن هناك أسلحة دمار شامل، وأن العراق يتعاون مع القاعدة. الكونجرس الأمريكي شكّل لجنة للتحقيق، وتبين أنه لم تكن هناك في العراق أسلحة دمار شامل.

بالنسبة إلى القاعدة، كذلك الكونجرس الأمريكي قال إنه لم يكن هناك تعاون بين النظام السابق، أياً كان رأينا في النظام، والقاعدة. إذاً هذان المبرران انتفيا. لم تكن القاعدة موجودة، لكن الآن القاعدة موجودة في العراق، يعني أن الاحتلال هو من أتى بالقاعدة إلى العراق، فهي لم تكن موجودة. هذا ما ورد في الإستراتيجية التي أعلنها أوباما. هناك من يشك في الانسحاب.

أنا قناعتي أن الأمريكيين سينسحبون قبل نهاية عام 2011، وربما قبل هذا التاريخ. وقد ألحوا وأصروا على الحكومة أن تكون حكومة مشاركة.. تشترك فيها كل القوى، لأن لديهم هدفين: الهدف الأول، ألا تحدث خلال انسحابهم أي فوضى في العراق، فيتحملون هم مسؤوليتها السياسية، وهذا يتحقق بوجود كل القوى المشاركة في الوزارة. والهدف الثاني، أن لا تتم أي تعديلات على اتفاقيات النفط التي عقدوها، والمالكي هو الذي عقد تلك الاتفاقيات.

حصلت الشركات الأمريكية على حقول غرب القرنة التي تضمن لها كل الموارد النفطية. وهي شريكة في بعض الشركات الأخرى التي حصلت على امتيازات.

الاتفاقيات هذه من حيث الشكل لا اعتراض عليها. من حيث الشكل، هي تعطي لشركات مختلفة جميع الحقول المكتشفة لحفر آبار مقابل مبلغ معيّن، كل مليون برميل زيادة في الطاقة الإنتاجية تأخذ عليه حوالى دولارين، وقسم اخر تأخذ عليه دولاراً ونصف الدولار. قد تزيد هذه النسبة أو تنقص، لكن اتفقوا على تطوير طاقة إنتاجية للعراق تصل في عام 2017، الى 12 مليون برميل يومياً. كل التقديرات تشير، بما فيها وكالة الطاقة الدولية، وبما فيها الخبراء، حتى لو أمكن تنفيذ زيادة الطاقة الإنتاجية للعراق إلى هذا المستوى، فإن السوق العالمية للنفط لا تتحمل هذا الحجم من الإنتاج، وبالتالي ربما ليس ممكناً أن يصدّر العراق أكثر من 6 7 ملايين برميل يومياً. ماذا سيعني هذا؟ أن تتفق مع شركات نفط أن يطوروا طاقة ل12 مليون برميل، وسيأخذون الكلفة على تطوير طاقة لن يستعملها العراق. وليس هذا فقط بل هذه الآبار الإضافية التي لن يحتاجها العراق تحتاج إلى صيانة مستمرة. يعني لدينا طاقة بين 5 6 ملايين برميل يومياً لن تستعمل وتحتاج إلى صيانة. هناك تقديرات بأن هذه الكلفة الإضافية لتطوير وصيانة هذه الآبار التي لن يحتاجها العراق تتراوح بين 70 مليار دولار إلى أكثر من هذا بكثير. هذا هو الاعتراض الأساسي على الاتفاقية.

مذكرات بوش
أحسن من وصف كتاب بوش قبل يومين من تاريخه، هو الأستاذ جهاد الخازن، في عموده في الصفحة الأخيرة من جريدة "الحياة"، ولا أستطيع أن أجاريه في وصفه للكتاب. هذا وكانت هناك مراجعة في أمريكا للكتاب باللغة الإنكليزية، وقالوا إن هذا يمثل حقيقة بوش.

الرئيس بوش كذب بطريقة مختلفة، وللكذب طريقتان: الأولى، أن تقول غير الحقيقة، والطريقة الثانية هي أن تقول جزءً من الحقيقة، وتترك الأجزاء الأخرى التي قد تختلف وتناقض ما ذكرته. ما ذكره حول الرئيس المصري وفي معرض ما ساقه الرئيس بوش من دلائل للتأكيد على سيل المعلومات التي تلقاها عن مخزون صدام من أسلحة الدمار الشامل قال، وأنا أقتبس الآن "ان رئيس مصر حسني مبارك، أطلع توني فرانكس، القائد الأمريكي لقوات احتلال العراق، على أن العراق لديه أسلحة بيولوجية، وأنه سيقوم باستخدامها ضد قواتنا بكل تأكيد، ورفض مبارك التصريح بذلك الاتهام علناً خشية إثارة الشعب العربي، لكن المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها من قائد في منطقة الشرق الأوسط (المقصود حسني مبارك) يعرف صدام جيداً، كان لها تأثير على تفكيري". انتهى الاقتباس.

أنا لا أعتمد على كلام بوش في هذا الموضوع. لأنه ذكر جزءً من الحقيقة. بوب وودوارد، الذي أسقط نيكسون، وهو صحافي معروف في العالم كافة، نشر كتاباً اسمه "خطة الهجوم" (The Plan of Attack)، ويذكر فيه كل التفاصيل والأدوار.

تومي فرانكس، قائد القوات الأمريكية في العراق، نشر مذكراته، ويقول في المذكرات إنه قبل الحرب التقى بالرئيس مبارك، والتقى بالملك عبد الله ملك الأردن، والاثنان أكدا له أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأسلحة بيولوجية، وأنه يمتلك مختبرات متنقلة لهذا الغرض، وأنه سيستخدمها. يقول بوب وودوارد كذلك. إن الرئيس حسني مبارك أثناء زيارة الأمير بندر للقاهرة ومقابلته، أخبر بندر بالمعلومة نفسها، وأن بندر عاد وأخبر بوش بذلك. بوش لا يذكر هذا، كما يذكر وودورد في كتابه أن الرئيس مبارك أرسل نفس المعلومات، إضافة إلى أمور أخرى، برسالة حملها ابنه جمال إلى الرئيس بوش في زيارة غير معلنة. كما يذكر بتفصيل دور السعودية في التشجيع على الاحتلال.

ليس فقط حسني مبارك، وليس فقط الأردن. بوب وودوارد يقول إن الأمير بندر الذي كان سفيراً للسعودية في واشنطن، قبل غزو العراق، أخذوه إلى وزارة الحرب وأطلعوه على خطة الهجوم. ونقل رسالة "شفوية" من الملك عبد الله (كان حينذاك ولياً للعهد) يستجيب فيها لما طلبته أمريكا لاحتلال العراق ويصرّ على تصفية الرئيس صدام حسين وليس إبعاده، كما يشير فيها إلى ما أنفقته السعودية من مليارات الدولارات على إحداث انقلاب في العراق، وهو ما سبق أن أكّده مدير المخابرات السعودية في التسعينيات، الأمير تركي الفيصل.

احتلال الكويت
لم يكن خطأً، بل خطيئة كبيرة غزو الكويت، وأنا قلت هذا في ندوة نظّمناها في القاهرة في أبريل 1991، بعد توقف القتال. وقلت هذا بكل وضوح وصراحة، ولكن خطأ لا يعالجه خطأ آخر. اتفاقية الدفاع العربي المشترك المادة رقم (50) ورقم (51)، التي وقّعت عليها الدول العربية كافة، تقول: إذا حدث اعتداء مسلح على أي بلد عربي، فإن كل الدول العربية ملزمة بالدفاع عنه. وممنوع على أي بلد عربي أن يعقد اتفاقية أمنية ممكن أن تتيح لدولة أجنبية الاعتداء على دولة عربية أخرى. لم يدافعوا عن العراق، بل شجعوا وسهّلوا الهجوم على العراق.

المقاومة والارهاب
أولاً يجب أن نفرق بين الإرهاب والمقاومة. أي عمليات تستهدف المدنيين والأبرياء هي عمليات إرهابية. القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، يعطي الحق لشعب أي بلد يُحتل، أن يقاوم الاحتلال بكل الوسائل الممكنة بما فيها المقاومة المسلحة. إذاً مبدأ المقاومة ضد الاحتلال مشروع. المقاومة لم تعتمد على أي جهة عربية أو غير عربية، ولم تحصل على تمويل من أي جهة. ابتداءً كانوا مجموعات من الجيش العراقي وغيرهم.

وزارة الحرب الأمريكية تقول إن عدد قتلى الجنود الأمريكيين (الذين يملكون جنسية أمريكية) كان (4421) قتيلاً. وعدد الجرحى كان حوالى (32) الف جريح. مَنْ قتلهم ومَنْ جرحهم.. مَنْ؟ علماً أن هذه لا تمثل الأرقام الحقيقية، لأنها لا تشمل أفراداً من القتلى والجرحى في الجيش الأمريكي الذين لا يملكون جنسية أمريكية بل يحملون (Green Card) إقامة دائمة، بأمل أن يحصلوا على الجنسية بعد الحرب. والقائمة لا تشمل ضحاياً قتلى وجرحى الشركات الأمنية الأجنبية. هناك مؤسسة في أمريكا هي "مؤسسة المحاربين القدماء" تعطي تعويضات للجرحى والقتلى، وعدد العسكريين الأمريكيين (قتلى وجرحى) الذين حصلوا على تعويضات من مؤسسة "المحاربين القدماء" أضعاف الأرقام المنشورة. مَنْ قام بذلك؟ المقاومة هي التي قامت بذلك وكبّدت الاحتلال هذه الضحايا وأجبرته على الانسحاب.

هذه المقاومة كانت تعتمد على بعض الأسلحة التي تركها الجيش العراقي السابق، وهي بالأصل أسلحة قديمة، وعلى بعض التمويل المحلي. هذه الأسلحة إما نفدت وإما أصبحت قديمة جداً، بحيث إنها إما غير صالحة للاستعمال أو غير كفوءة في استعمالها؛ فهناك نقص في السلاح وفي التمويل. عام 2007، بما سمّي بعملية "السيرج"، تم إرسال (35) الف جندي إضافي للجيش الأمريكي إلى العراق، ولم يكن هذا هو السبب في إضعاف المقاومة.

هؤلاء ال (35) الفا أُرسلوا في فبراير 2007. والأرقام الشهرية للضحايا الأمريكيين كانت في ازدياد منذ فبراير 2007 حتى يوليو 2007. الذي حصل أنه في العراق كان هناك أكثر من "قاعدة": كان هناك قاعدة قاعدة؛ وقاعدة أمريكية؛ وقاعدة إيرانية؛ وقاعدة (إسرائيلية)، والكل يعمل تحت اسم القاعدة. القاعدة الحقيقية وصل فيها الغرور أن أعلنت دولة إسلامية، وطلبت من أطراف المقاومة أن يلتحقوا بها أو يعملوا تحت عَلَمها، ورفضوا. فبدأت بتصفية أعضاء المقاومة. فقسم منهم.. دفاعاً عن النفس.. صح أو غلط، الأمريكان استغلوا هذه الفرصة وأعطوهم السلاح والمال، فأصبح جزء من المقاومة يحارب ضد 'القاعدة'. ولأنه جزء من المقاومة، كان يمتلك معلومات عن بقية المقاومة أعطوها للأمريكيين. هذه العوامل، زائد أنه منذ الاتفاقية الأمنية، القوات الأمريكية انسحبت من المدن، وبالتالي لم تعد لدى المقاومة أهداف مباشرة، إضافة إلى أن المقاومة لم تنجح ومع الأسف الشديد أقول هذا في توحيد صفوفها.

المسيحيون العراقيون
أولاً، العراق ومنذ أن تأسس عام 1920 حتى الاحتلال، لم يكن هناك أي تمييز ضد المسيحيين. على سبيل المثال، في الثلاثينيات، الوزارات كانت تقاس قوتها وأهميتها بشخص رئيس الوزراء وبشخص وزير المالية. في الثلاثينيات كان وزير المالية مسيحيا اسمه يوسف غنيمة. جامعة بغداد التي تأسست في أواخر الخمسينيات (1959)، أول رئيس لجامعة بغداد كان مسيحياً (متّي عقراوي)، والشخص الذي أتى بعده الدكتور عبد الجبار عبد الله كان من الصابئة. والمسيحيون شغلوا مناصب مديرين عامين، ووكلاء وزارات، وأحياناً وزراء؛ فمن أدخل هذه التقسيمات الطائفية أو الدينية؟ الأمريكان وبالاحتلال. بريمر فور مجيئه إلى العراق قام بعمل مجلس حكم مؤقت قسمه: كذا عضو للشيعة.. وكذا للسنة.. وكذا عضو للمسيحيين والأكراد. الاحتلال هو المسئول. ما حصل مؤخراً يجب إدانته بكل المعايير، ولكن هذا لم يحصل للمسيحيين فقط، حصل للشيعة وحصل للسنة، ودمّرت مساجد ودمّرت حسينيات.. الخ. لكن وسائل الإعلام الخارجية ركزت أكثر على ما يجري للمسيحيين. لا أريد القول إن هذه الأعمال لا يجب أن تدان، لكن أحب أن أبيّن أن هذا نتيجة للاحتلال، واللوم يوجه للاحتلال الذي أدخل هذه الجرثومة.

الدور الايراني
وقبل أي شيء وحتى لا يساء فهم ما سأقوله عن إيران، نحن منذ زمن طويل وقبل احتلال العراق، في المؤتمر القومي العربي، حددنا ماذا يجب أن يكون الموقف العربي من إيران. وكان هذا الموقف ولا يزال هو أننا يجب أن ننظر إلى إيران كعمق إستراتيجي إسلامي للأمة العربية، وأن ننظر إلى إيران كصديق محتمل وليس عدوا محتملا، ولكن إيران أخطأت كثيراً بحق العراق. أول وزير خارجية، أو وزير الخارجية الوحيد الذي زار العراق واجتمع مع مجلس الحكم الذي كوّنه بريمر، كان وزير الخارجية الإيراني. إيران دعمت مجلس الحكم الذي أنشأه بريمر واعترفت به.

إضافة إلى ما تقوم به داخل العراق، لا حاجة إلى ذكر تفاصيل حوله. دور إيران دور سلبي، وهناك تصريحات لرفسنجاني، ونائب رئيس الجمهورية في عهد خاتمي السيد محمد علي أبطحي، أن إيران ساعدت وسهّلت الاحتلال الأمريكي. كيف اتفقت إيران وأمريكا على المالكي؟ هذا لقاء مصالح. أمريكا هدفها ألا يحصل انفجار أمني بعد انسحابها وأن يتم الحفاظ على اتفاقيات النفط التي عقدها المالكي، وإيران أخذت التزامات من المالكي وأيّدت المالكي لأنه الأقوى، وباقي حلفائها أضعف من المالكي، وأخذت التزاماً من المالكي أنه لن يسمح لأمريكا بأن تستعمل العراق ساحة للهجوم على إيران، إذا ما تقرر عمل عسكري أمريكي.

والعراق ودبي الآن هما إحدى المراكز الرئيسية للالتفاف حول العقوبات الإيرانية. البنزين مثلاً، فإيران لديها نقص في البنزين، وهو يصدّر من العراق إلى إيران، وأشياء أخرى تتم من خلال تجار عراقيين وتصدّر، الأشياء التي لا تخضع لقرار الأمم المتحدة بالسماح بتصديرها إلى العراق. وإيران فتحت فرعين لمصرفين إيرانيين في العراق. هناك لقاء مصلحي مؤقت قد لا يستمر، ويعتمد على نتائج المفاوضات التي ستحصل بين إيران وأمريكا والدول الغربية الأخرى في ما يتعلق بالسلاح النووي.

الدور التركي
أنا أعتقد أن تركيا بشكل خاص يسجل لها أن موقفها من الغزو الأمريكي للعراق كان أفضل من جميع مواقف الدول العربية مجتمعة. مع أنه توجد على أرضها قواعد أمريكية، وهناك اتفاقيات يمكن استعمالها بعد موافقة البرلمان التركي، لكنها رفضت أن تسمح للقوات الأمريكية أن تستعمل هذه القواعد، وأن تذهب من تركيا إلى العراق، على الرغم من وصول بعض القوات الأمريكية إلى الموانئ التركية؛ فموقفها كان موقفاً مشرفاً ووطنياً بكل المعايير.

ثانياً، تركيا منذ مجيء "حزب العدالة والتنمية" إلى الحكم، تأخذ مواقف مؤيدة للعرب، وضد (إسرائيل) في بعض تصرفاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.