لعل احدي المفارقات التي حدثت الأسبوع الماضي هي أن يتزامن نشر تقرير للهيئة الأمريكية للحريات الدينية في العالم الاربعاء الماضي مع تقرير نشرته احدي الصحف الأمريكية عن تورط محققين بالسجن العسكري الأمريكي في جوانتانامو في اجبار المعتقلين علي استخدام نسخ القرآن الكريم في المراحيض وأن المحققين الأمريكيين قذفوا بالقرآن في المراحيض لاستفزاز المعتقلين المسلمين. دوامة الاستهتار! لقد أثارت واقعة تدنيس المصاحف غضبا في الأوساط الإسلامية ومن ثم قامت المظاهرات احتجاجا علي الجريمة النكراء. اندلعت بداية في أفغانستان حيث تمت مجابهتها في حينه من قبل القوات الأمريكية والأفغانية باطلاق النار علي من قاموا بها. كانت المظاهرات أكبر تعبير مناويء لأمريكا منذ سقوط نظام طالبان سنة 2001 وسقط فيها العشرات بين قتيل وجريح وما لبثت أن أن امتدت إلي دول أخري منها اندونيسيا والسودان وباكستان وغزة.. ولا شك أن الحادث جريمة لم يكن لمسلم أن يسكت عنها وجاء الكشف عنها ليشكل اضرارا بسمعة أمريكا العظمي واحراجا لإدارة بوش التي غرقت في دوامة الاستهتار وتجاوز القانون. * أمريكا وانتهاك الحريات الدينية! تبدو المفارقة واضحة في تقرير هيئة الحريات الدينية الأمريكية وهي هيئة حكومية مكونة من عشر أعضاء يتم تعيينهم من قبل بوش وأعضاء في الكونجرس ذلك أن التقرير المذكور الذي صدر مؤخرا صنف دولا إسلامية وأخري شيوعية علي أنها دول تنتهك الحريات الدينية وقسم هذه الدول إلي فئات ثلاثة الفئة لأولي دول ذات وضع مغلق وادرج فيها السعودية والسودان وايران وباكستان واريتريا والصين وبورما وتركمنستان واوزباكستان وكوريا الشمالية الفئة الثانية وتضم دولا مدرجة علي لائحة المراقبة ومنها مصر واندونيسيا ونيجيريا وروسيا البيضاء وكوبا وبانجلاديش والفئة الثالثة وتضم الدول المطلوب متابعة الوضع فيها عن كثب وتضم العراق وافغانستان وروسيا وجورجيا والهند ولاوس. التركيز علي المسلمين إن مجمل التقارير تؤكد بأن التركيز ينصب علي المسلمين في اتهامهم باقتراف انتهاكات خطيرة للحريات الدينية والخروج عن الجادة وعن المعايير المتبعة لحقوق الإنسان في العالم بل والأكثر من ذلك أن هيئة الحريات الدينية قامت بوضع توصيات لتطبيقها علي أية دولة تدرج علي لائحة انتهاك الحريات الدينية وبالتالي هددوا مصر بمنع المعونة الأمريكية وطالبوها بالغاء قانون الطواريء والخط الهامايوني وبتنقيح مناهج التعليم من كل ما يعادي الأديان الأخري ووقف الحملات علي اليهود والبهائيين في وسائل الاعلام وتعديل البطاقة الشخصية بحيث لا تذكر فيها الديانة بالاضافة إلي التحقيق في حالات التمييز ضد الأقباط وأخذها علي محمل الجد. والغريب أن تصدر أمريكا هذا التقرير عن الحريات الدينية وهي أول من انتهك وينتهك حرمات ومقدسات المسلمين ويكفي للدلالة علي ذلك ما يحدث في سجون جوانتانامو وسجون العراق وأفغانستان وكأن أمريكا تطبق معيارين.. معيار يصون ديانات الغرب وإسرائيل ومعيار يهدر حق المسلمين في صيانة دينهم وحرماتهم. * تدنيس القرآن الغريب أن جريمة تدنيس القران ليست بالجديدة، فلقد سبق وتحدث البعض عنها منذ نحو العام وتم التحقيق فيها في فلوريدا، وقال المعنيون من أفراد القوات الأمريكية يومها بأنهم يتلقون أوامرهم من رونالد رامسفيلد، وعليه فإن محاولة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية تهدئة الموقف من خلال قولها إن هذه مزاعم سيحقق فيها هو قول غير دقيق لأن هذه حوادث تم التحقيق فيها بالفعل خلال العام الماضي ولم يتم معاقبة مرتكبيها ولن يتم!. * وماذا عن الانتهاكات ضد المسلمين؟ تنسي أمريكا الانتهاكات العديدة التي يتعرض لها المسلمون المقيمون في بلاد العم سام تنسي جرائم الكراهية والتصنيف العرقي والديني والتمييز العنصري والاعتقال التعسفي وعمليات الدهم بل والانتهاكات التي تقوم بها وزارة العدل الأمريكية ووزارة الأمن الداخلي ضد الجاليات المسلحة ويرد التساؤل لماذا لا ترصد هيئة حرية الاديان وضع المسلمين في أمريكا تماما كما ترصد وضع غير المسلمين في العالم؟ وبمعني آخر لماذا يقتصر الرصد علي خارج أمريكا؟ لماذا لا ترصد الانتهاكات التي تحدث داخل أمريكا بالنسبة للمسلم؟! * وشهد شاهد من أهلها الشاهد هو منظمة العفو الدولية التي أصدرت تقريرا تتهم فيه أمريكا بالاستخفاف الاختياري البشع بالقانون الدولي. وتؤكد بأن المعاملة الوحشية وغير الإنسانية والمهينة مازالت موجودة في جوانتانامو وأبو غريب ومازالت أمريكا تمارس الاعتقال السري والسجن الانفرادي انها سياسة أمريكا التي تسببت في كل ما يحدث اليوم من عنف، فالحروب التي شنتها أمريكا علي أفغانستان والعراق تمثل خرقا فاضحا لحقوق الإنسان وللقانون الدولي وكل يوم تتكشف سياسة المحافظين الجدد في أمريكا. لقد جاء التقرير المذكور لمنظمة العفو الدولية حاد اللهجة ضد أمريكا وهو أمر أكسبه أهمية بالغة لاسيما وأنه جاء في توقيت بالغ الحساسية خاصة وأنه ليس التقرير الأول الذي يصدر ضد أمريكا ولن يكون الأخير.