تركيا متمسكة بالناتو رغم أن إيران كانت تنافسها على العضوية مشاركة تركيا فى الحرب الكورية رجح كفتها لدى واشنطن روسيا تحذر الشعب التركى من الكساد الذى سيحدث فى حال فوز المعارضة أردغان يدعو الرئيس بوتين للمشاركة فى احتفال وضع الوقود النووى فى المحطة التركية
فى اعتقاد الكثير من المراقبين، بالطبع بالإضافة للتصعيد الذى من الممكن أن تشهده الساحة بين روسياوأوكرانيا إثر اتهام الأولى للثانية بالهجوم على مقر الحكم الروسى (الكرملين) ومحاولة اغتيال الرئيس بوتين، كما قالت بعض المصادر، وتأتى الانتخابات الرئاسية التركية المقررة 12 مايو الجارى فى المرتبة الثانية إن لم تكن الأولى نظراً لما لتركيا من أدوار مهمة بالنسبة لطرفى النزاع (روسياوأوكرانيا)، فهى كما يقال تتخذ من الناحية السياسية الجانب الأوكرانى، لدرجة تزويد كييف بطائرات مسيرة بل والاشتراك فى تصنيعها. وبالنسبة للطرف الثانى فهى مع الأممالمتحدة تتبنى عملية تصدير الغلال إلى دول العالم الثالث وشمال أفريقيا، إضافة إلى شراء كميات من الغاز الروسى مقابل نسبة محددة عند تصديرها لأوروبا ونفس الشيء ينطبق على النفط، وبالطبع أهمية المضايق التى تمر منها القطع البحرية الروسية سواء للبحر الأسود أو للقواعد الروسية فى سوريا، من هذا المنطلق نجد أن الانتخابات التركية وما ستسفر عنه له علاقة مباشرة بالعملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا. تدخلات خارجية ويبدو أن الانتخابات التركية ستشهد تدخلات خارجية كثيرة وفجة من خلال أطراف عدة، منها على سبيل المثال الولاياتالمتحدة التى ترى فى أردغان صديقًا لروسيا وأنه يسير عكس اتجاه سياسة الولاياتالمتحدة وحلف الناتو التى تعتبر تركيا عضوًا قديمًا فيه، خاصة عندما أصر الرئيس التركى على شراء صواريخ إس – 400 الروسية رافضاً باتريوت الأمريكية مع ما نعرفه من خلافات تتعلق بوقف الولايات لمشاركة تركيا فى إنتاج طائرتها الحديثة جداً إف – 35، لكن ربما يشفع لاردوغان وقوفه بدرجة كبيرة بجانب أوكرانيا، وعدم اعترافه بالاستفتاءات الروسية فى أوكرانيا وعدم اعترافه بالقرم نفسها كجزء من روسيا، ثم هناك روسيا التى تستفيد من عدم تقيد أنقرة بالعقوبات التى فرضها الغرب عليها ومساعدة موسكو فى بيع نفطها وغازها بعد وقف الدول الأوروبية التعاون مع روسيا بهذا الخصوص سوى عدد قليل. تدخل أمريكى التدخل الأمريكى حتى الآن واضح من خلال لقاء السفير الأمريكى فى أنقرة جيفرى فليك مع المرشح المنافس للرئيس التركى الحالى، كمال كيليتشدار أوغلو، وصف الرئيس التركى اللقاء بأنه "عار"، وقال من اليوم أبوابنا موصدة أمام السفير الأمريكى. لكن على ما يبدو فى واشنطن لم يعد أردوغان هو الشخصية التى تريدها واشنطن، وقد وضح ذلك جلياً عندما قرر الرئيس بايدن فى بداية 2021 تعيين السيد جيفرى ليت فليك سفير لواشنطن فى تركيا وهو الجمهورى الذى خان ترامب قبيل الانتخابات الأولى له، وكافأه الرئيس بايدن بتعيينه سفيراً فى تركيا، واعتبر المراقبون هذا التعيين بأنه موجه مباشرة لإسقاط الرئيس التركى، الذى تعرف الولاياتالمتحدة قدرته على المناورة وإيجاد سبل الجمع بين المتناقضات، وربما كان على السفير الأمريكى، وفق بعض المحللين، أن يدرك أنه لكى يلتقى قادة المعارضة أو المنافسين للرئيس التركى كان عليه لقاء الرئيس المهيمن، حتى الآن على الأقل فى آسيا. لكن يبدو أن البعض فى البيت الأبيض قرر أن يغامر ويستعرض أمام الناخب التركى إلى أى جانب ستنحاز واشنطن، وهو ما اعتبره البعض تدخلًا فجًا من جانب الولاياتالمتحدة فى العملية الانتخابية، بل إن البعض ذهب لأبعد معتبراً أن التدخل الأمريكى بصرف النظر عن نواياه، هو بمثابة الدبة التى قتلت صاحبها، فقد ارتفع التأييد لأردغان من 5 7% خلال يوم واحد. الولاياتالمتحدة لا تؤيد فقط المعارضة، لكنها تأوى أحد أهم المطلوبين لأردوغان وهو رجل الدين فتح الله جولن، الذى اتهمه الرئيس التركى بتدبير الانقلاب عليه عام 2016. وربما لو سلمت واشنطن جولن لتركيا لأصبحت صديق تركيا الحميم، رغم أنى لا أعتقد ذلك لأن أردوغان من محبى المناورة، والجمع بين المتناقضات، وفى حالة روسيا فهذه الأخيرة الخيارات البديلة للرئيس التركى محدودة بحكم الجغرافيا. لقاء السفير الأمريكى بالمرشح المنافس لأردوغان كمال كيليتشدار أوغلو، كلفته الكثير، وفى اليوم التالى نشر الرئيس التركى رجب طيبوفيتش (كما يسميه الروس على الطريقة الروسية على اعتبار أنه صديق لروسيا) صورة لمنافسه وهو يقف بحذائه على سجادة صلاة، وهى مسألة مستهجنة فى تركيا، ورغم اعتذار مرشح الرئاسة المنافس للرئيس أردوغان، إلا أن الموقف لا شك سيحسب عليه دينياً رغم أن تركيا دولة علمانية. تسليح تركيا فى تركيا هناك نقطة هامة تحكم علاقة تركيا فى علاقاتها الخارجية وحتى تسليحها، وهى عضويتها فى حلف الناتو فهل تركيا تستطيع الخروج من الحلف، حول هذا الموضوع ما زال الجدل دائرًا، لكن لا شك الجدل الأهم فى هذه القضية دار وبشدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، حيث انتفى الغرض من عضوية تركيا، وتحول الأمر لوجود دول شبه حليفة لتركيا مثل أذربيجان ودول وسط آسيا التى تنتمى ثقافياً لتركيا (بالمناسبة تدعم الرئيس أردوغان، وخاصة أذربيجان التى ساعدتها تركيا فى تحرير ناجورنوكاراباخ من أرمينيا)، لكن الولاياتالمتحدة لم تلحظ ذلك وبدأت من خلال تركيا تضغط على دول الشرق الأوسط وحوض المتوسط، محاولة تدعيم مواقعها فى المنطقة، بعد انتفاء هدف مكافحة الشيوعية والانتشار السوفيتى كما كان فى السابق. لكن التمدد الروسى الأخير فى سوريا وبعد ذلك فى أوكرانيا وخاصة عندما تعلق الأمر بالقرم، التى كانت تركيا تعتبرها إحدى مناطق النفوذ الثقافى، فكرة الانسلاخ عن الناتو استبعدت بعد أن كانت قريبة جداً مع صعود التيار القومى – الدينى بقيادة أردوغان للحكم. من المعروف أن تركيا انضمت لحلف الناتو عام 1952، فى إطار ما عرف بأول توسع للحلف، ولم تكن شروط الانضمام تنطبق على تركيا، لكنها الجغرافيا هى التى ساعدتها فهى كانت جنوب ولصيقة الحدود بالاتحاد السوفيتى، وهى دولة عدد سكانها كثيف، والمزاج العام فيها كان معاديا للسوفيت فى ذلك الوقت، وتردد الحلف فى اختياراته بين ضم أنقرة أو طهران، لكن كما قلت حسمت الجغرافيا التردد، فتركيا لديها المضايق الإستراتيجية البوسفور والدردنيل وهى تسيطر على الدخول والخروج فى بحرين من أهم بحار العالم المتوسط والأسود. لن أستغرق كثيراً فى التاريخ، ودور الولاياتالمتحدة فى ضم تركيا لحلف الناتو رغم معارضة عدد من دول الحلف خاصة اليونان، لكن الولايات تحمست لتركيا بعد قيام الأخيرة بإرسال قوات مسلحة لمساعدة الولاياتالمتحدة فى الحرب الكورية فى بداية الخمسينيات، وفى نفس الوقت دور واشنطن فى أن تعتمد عليها أنقرة عسكرياً وبنسبة تزيد على 80%، ودور الرئيس التركى الحالى أردوغان فى خفض الاعتماد العسكرى على الولاياتالمتحدة إلى حوالى 40%، من خلال الاهتمام بالتصنيع العسكرى وتنويع مصادر السلاح خاصة مع روسيا، وخاض الرئيس التركى حروبًا ضد الأكراد ومنذ توليه وهو يسعى بقدر المستطاع للاستقلال عن الولاياتالمتحدة أو على الأقل ألا يكون مجرد ترس فى ماكينة السياسة الخارجية الأمريكية. السياسة الخارجية أعتقد أن السياسة الخارجية التركية مرتبطة بشكل كبير بالولاياتالمتحدة، لكن هذه الأخيرة تحتاج بشدة لتركيا خاصة مع التطورات الأخيرة التى تحدث فى العالم (العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا) والتمرد الروسى على نظام الهيمنة الأمريكى، كما أن واشنطن تحتاج لتركيا فى الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط. ورغم محاولات واشنطن التخلص من الرئيس التركى خلال فترة حكم الرئيس أوباما، فقد أعلنت واشنطن عن ما قام به السفير الأمريكى فليك من لقاء زعيم المعارضة ومنافس الرئيس أردوغان، وما أعلنه عن احتمالية ألا تنتهى الانتخابات فى الجولة الأولى، خاصة أن المعارضة وفق استطلاعات الرأى قد تحصل على 40% من الأصوات. معقل المعارضة على أى حال تعتبر مدينة اسطنبول أهم معقل للمعارضة التركية وبها حوالى 20% من أصوات الناخبين، وتشهد المعركة القضائية بعد فوز أحد قادة المعارضة بمنصب عمدة المدينة على أن المدينة ستكون أصواتها لصالح منافس الرئيس أردوغان، وهنا تتحدث وسائل الإعلام الروسية عن ضرورة قيام روسيا بعملية إنقاذ للسيد أردوغان، كما حدث ذلك عام 2016 أثناء الانقلاب العسكرى الذى حدث، عندما حذرته روسيا وقامت بإخلائه من الفندق الذى كان يستجم فيه بطائرة مروحية لمكان آمن، على أى حال فى هذه العملية الكثير من الأسرار ليس مجالها هنا. وربما ليس من قبيل الصدفة أن يعلن الرئيس التركى وهو فى ذروة حملته الانتخابية (27 أبريل الماضى) أن الرئيس بوتين "يمكنه المشاركة الشخصية فى احتفالات تحميل الوقود النووى فى محطة "أككويو" النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وهو ما اعتبره الكثيرون فى تركيا نوعا من الدعم غير المباشر للرئيس التركى، حيث يتمتع الرئيس بوتين بشعبية لا بأس بها فى المجتمع التركى، وتقول استطلاعات رأى أن 34% من الأتراك يتمنون أن يكون رئيسهم، رغم أن الصورة تختلف عن ذلك فى اسطنبول التى لا ترحب بالتطرف الدينى النسبى للرئيس أردوغان المؤيد من روسيا ويرون فى إسلامويته تعطيلا لبيزنس السياحة المهم الذى يعيشون عليه. تركياوروسيا لا شك أن العلاقات مع روسيا قد تتدهور فى حالة وصول المعارضة للحكم، أو كما تصفها الصحافة الروسية العرائس التى ستحركها واشنطن، وهذا وارد جداً، خاصة مع بعض التدهور الذى ظهر على صحة الرئيس ونسبة التضخم المرتفعة فى الاقتصاد التركى وعدم القدرة على السيطرة عليها على مدار عدة أعوام. فى حال فوز المعارضة سوف يتم غلق منفذ مهم لروسيا كانت تخترق من خلاله العقوبات الغربية، فى هذه الحالة سوف تتدهور السياحة الروسية التى يعمل بها مئات الآلاف من الأتراك، وعلى ما يبدو روسيا ربما أرادت تحذير الناخبين فى معقل المعارضة اسطنبول عندما أكدت أن غياب السياح الروس سيؤدى إلى كارثة اقتصادية فى المدينة وستغلق المطاعم والمقاهى. ومن ثم فإنه سيكون على الرئيس بوتين إنقاذ صديقه اللدود نعم هو كذلك فالعلاقات قوية بين الرجلين رغم التناقضات، ولذلك لا يستبعد المراقبون حضور الرئيس بوتين لعملية شحن الوقود النووى فى المفاعل التركى. لكن وبصرف النظر عن نتائج عملية التصويت، فإن تركيا سيكون عليها أن تعانى من قلاقل، فلا السلطان أردوغان ولا منافسه سيعترف بالهزيمة فى حال حدوثها، وستحدث اضطرابات فى الشارع التركى، وكل شيء يوحى بحتمية حدوث ذلك، ودليل ذلك أن وسائل الإعلام التركية مهتمة بما نشرته مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية والتى قالت "إنه فى حالة فوز أردوغان فإن البلاد ينتظرها "حمام دم" وفق المجلة، ومن ثم فإن على روسيا أن تدافع عن استثماراتها وليس أولها مفاعل "أككويو"، ومحاولة إخراج الأمريكيين من منطقة شرق المتوسط، وسيكون على روسيا إنقاذ أردوغان للمرة الثانية، هذه المرة من أجل مصالحها المباشرة. رغم "كل شيء" والتناقضات الكثيرة مع تركيا وطموح أردوغان الذى ليس له حدود، بداية من منطقة الفولجا فى روسيا إلى القوقاز، إلى وسط آسيا، وليس أخرها القرم، كما أن خسارة تركيا فى الوقت الحالى لأردوغان لها تأثير كبير على روسيا فى أزمتها الحالية مع أوكرانيا والغرب.