* يسأل عبدالقادر أبومحمود من الشرقية: مع اقتراب موعد حصاد القمح. يقوم بعض المزارعين ببيع المحصول قبل الحصاد بسعر أقل مما حددته الدولة. في الحكم في هذا البيع؟ ** يقول الشيخ حسن مأمون - مفتي الجمهورية الأسبق: أن بيع المزارعين قمحهم قبل حصاده بالثمن المذكور بالسؤال هو المعروف في الفقه الإسلامي ببيع السلم أو السلف وهو بيع آجل "هو القمح أو نحوه" بعاجل "هو الثمن" وقد رخص الشارع فيه وأن كان المبيع معدوما وقت العقد بنص القرآن الكريم في آية المداينة في سورة البقرة وبالسنة الصحيحة لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال قدم النبي - صلي الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلي أجل معلوم رواه الجماعة وانعقد عليه الإجماع. قال الكمال ابن الهمام في فتح القدير بيانا لحكمة مشروعيته هذا النوع من البيع. لحاجة كل من البائع والمشتري إليه فأن المشتري وهو رب السلم يحتاج إلي الاسترباح لنفقة عياله وهو بالسلم أسهل إذ لابد من كون المبيع وهو المسلم فيه نازلا عن القيمة فيربحه المشتري. والبائع وهو المسلم إليه قد يكون له حاجة في الحال إلي المال وقدرة في المآل علي البيع فتندفع به حاجته الحالية إلي قدرته المالية فلهذه المصالح شرع أ. ه وجاء في المغني لابن قدامة الحنبلي. أن الإجماع علي جوازه لأن بالناس حاجة إليه لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلي النفقة علي أنفسهم وعليها لتكمل وقد تعوزهم النفقة فجوز لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم "المشتري" وبالاسترخاص "وهو أخذه المبيع رخيصا" أ. ه والقمح مما يجوز فيه السلم شرعا فيجوز لهؤلاء المزارعين أن يتعاقدوا من الآن علي بيع كمية معلومة من القمح الجديد بالثمن المذكور الذي يقبضونه من التاجر المشتري له في مجلس التعاقد علي أن يسلم المبيع إلي المشتري في الوقت والمكان المعينين للتسليم ويجب أن يذكر في العقد ما يفيد بيان نوع القمح وصفته ومقداره ووقت التسليم ومكانه والثمن المقبوض بما يرفع الجهالة ويمنع وقوع النزاع. فمتي توافرت هذه الشروط في هذا البيع المسئول عنه كان صحيحا وجائزا شرعا ولا شيء فيه وأن نقص الثمن فيه عما حددته الحكومة من أسعار لأن الحكومة حين تشتري من المزارعين القمح أو غيره لا تدفع الثمن المشار إليه في السؤال والذي حددته إلا بعد استلامها القمح فعلا ولا تدفعه مقدما قبل خروج المحصول كما هو الحال في بيع السلم المفروض فيه شرعا أن يشتري رب السلم سلعة معدومة عند الشراء بثمن أرخص من ثمنها عند استلامها في الميعاد المحدد لتسليمها ليحصل له من ذلك ربح يحقق منفعته هو ومنفعة البائع له بحصوله علي المال الذي يحتاج إليه ولا سبيل إليه سيدفع به حاجته إلا من هذا الطريق المشروع وليس كذلك الحال في شراء الحكومة القمح لأن شراءها ليس من قبيل السلم فحصل الفرق بين الشراءين. فالسلم شرع ليشتري رب السلم السلعة رخيصة ثم يبيعها بعد استلامها عند حلول أجلها بثمنها الحال وقت التسليم الذي يكون في العادة أكثر من ثمنها عند شرائها بمقتضي عقد السلم ويحصل بذلك علي الربح المقصود بمشروعية هذا التصرف. كما يحصل البائع علي الثمن الذي يقضي به حاجته وقد لا يكون له سبيل للحصول علي هذا المال إلا من هذا الطريق المشروع فتحققت المصلحة للبائع والمشتري في وقت واحد ولذا قال صاحب الفتح كما ذكرنا سابقا. فإن المشتري وهو رب السلم يحتاج إلي الاسترباح لنفقة عياله وهو بالسلم أسهل إذ لابد من كون المبيع وهو المسلم فيه نازلا عن القيمة فيريه المشتري إلخ. وليس كذلك شراء الحكومة قمح المزارعين بالثمن الذي تحدده لأنها تشتري قمحا موجودا بالفعل بثمنه الذي تحدده وتدفعه للبائع بعد تسلمها القدر المبيع منه فاختلفت ماهية البيعين وتبعا لذلك اختلف حكم كل منهما فجاز في السلم شراء المسلم فيه وهو القدر المبيع بثمن أقل من ثمنه عند تسليمه ولم يجز ذلك في غير السلم والله أعلم.