داخل إحدى ورش صناعة الرخام يعاني أهالي وعمال منطقة "شق الثعبان" بحي طرة، التي تعتبر رابع منطقة لإنتاج الرخام علي مستوي العالم من تدهور أحوالهم الصحية والاجتماعية وعدم توافر تأمين صحي لهم، مؤكدين أنه في حالة عدم النظر إليهم والاهتمام بهم وتوصيل المرافق كاملة لهذه المنطقة ستخسر مصر ثروة كبيرة من استثمارات هذه الصناعة الوطنية التي تدر لمصر مليارات الجنيهات، وبالرغم من الإمكانيات المتواضعة التي يستخدمها أصحاب المحاجر والعمال في استخراج هذه الثروة التعدينية من باطن الجبل وتحويلها إلي منتج نهائي يستخدم في تجميل واجهات المباني والميادين إلا أنهم يبذلون المزيد من الجهود لتنمية هذه الصناعة ومنتجاتهم تغزو العالم. توجهت »آخرساعة« إلي هذه المنطقة التابعة لحي طرة (جنوبالقاهرة) لرصدها علي الطبيعة و بمجرد دخولنا إليها تحول لون ملابسنا إلي اللون الأبيض نتيجة للأتربة المنبعثة من ماكينات تكسير الأحجار، وتحركت السيارة في طريق شديد الوعورة، حتي التقينا أحد العمال الذي دار معه حديث سريع أكد خلاله أن منطقة شق الثعبان سميت بهذا الاسم نظراً إلي أن شكلها علي الخريطة الجغرافية يشبه "شق الثعبان" وكانت في الأصل أحواشاً لمحاجر المحافظة، وتحدث معنا عن المشكلات التي تواجه المنطقة وأهمها تجاهل الحكومة لهم وغياب التنظيم والتنسيق وعدم وجود العمالة المدربة الماهرة الكافية رغم تواجد الماكينات والمعدات . ويتدخل محمود عبداللاه 24 سنة قائلاً رغم أن منطقة "شق الثعبان" تحتل ثالث مجمع للرخام والجرانيت في العالم، والمركز الخامس عالمياً في التصنيع إلا أنها لاتزال تعاني من غياب المرافق والخدمات من طرق ممهدة وكهرباء وإنارة وصرف صحي، وأن المنطقة تضم أكثر من 003 مصنع بخلاف مئات الورش التي يعمل بها آلاف العاملين، كما أن المشكلة الحقيقية في تصدير الرخام تكمن في تصديره علي هيئته الطبيعية بدون تصنيع مما يقلل من كميات التصدير، للأسف مصر تصدر إلي بعض الدول العربية المتر المربع من الجرانيت الخام بحوالي 01 دولارات، في حين أن هذه الدول تصدره للغرب مصنعا ب 09 دولارا للمتر، لذلك نطالب بتشجيع التصنيع حتي ننافس علي مستوي العالم ونوفر هذه المبالغ من فارق التصنيع لمصر. ويضيف التحدي الحقيقي أمام هذه الصناعة هو مشكلة التسويق للعالم الخارجي ، حيث لاتوجد منظومة متكاملة بين مكاتب التمثيل التجاري ورجال الأعمال حتي يتم معرفة الاحتياجات الحقيقية للأسواق الخارجية ، ولكنها تتم بشكل فردي مما أدي إلي عدم وجود توازن بين الكميات المنتجة ومعدلات التصدير خاصة ولدينا بعض الأنواع التي تعتبر مصدر جذب للعملاء الأجانب خاصة الأنواع ذات الشهرة التاريخية. ويلفت صالح عتمان "عامل" الانتباه إلي أن هناك خطراً كبيراً علي صناعة الرخام والجرانيت حالياً بسبب تفضيل المصريين المنتج المستورد وعدم وجود وعي كاف لديهم بالمواصفات لهذه المنتجات ، مشيراً إلي أن أهم الدول التي تنافسنا في أسعار الرخام في الأسواق الخارجية إيران وتركيا وأسبانيا وإيطاليا وسوريا قبل إندلاع الثورة بها، ويرجع ذلك لاستقرار سياسة المحاجر هناك. بين غبار المحاجر وأحلام العمال الضائعة علاقة حميمة ينسجون فيها خيوط فجر جديد لا يأتي أبداً ، هم الأطفال الذين وجدناهم يعملون في هذه الأعمال الشاقة، أجسادهم الضئيلة تقتحم علينا شعورنا بالتعب والرغبة في الهروب من هذا المكان القاتل ، وبرغم هذه الظروف الصعبة تحدث إلينا إسلام وهو مبتسم ولا يري أية مشكلة في عمله، وكان فرحاً وهو يتحدث عن نفسه قائلاً عمري 41 سنة، لم أكمل تعليمي وجئت من محافظة أسيوط للعمل بالمحاجر لأني لم أجد فرصة عمل أخري، وأضاف "التعليم شيء كويس لكن الفلوس مهمة أيضاً" . أما محمد الذي يبلغ من العمر 31 عاماً ومشكلته أنه يرهق بسرعة من العمل ذهب إلي المستشفي أكثر من مرة لعلاج صدره ونصحه الأطباء بعدم إرهاق نفسه في العمل ولكن للضرورة أحكام ، وحلمه أن يكون معلما كبيرا وعنده صبيان ومصنع رخام علي أن تكون صحته جيدة، أما محمود فإنه يعمل علي الكسارة مع أطفال آخرين يحملون الحجارة ويضعونها بالكسارة وكان أبوه من قبل يعمل في نفس المهنة إلا أنه أصيب بالمرض ولم يعد قادرا علي العمل. ويؤكد المهندس علاء أحد أصحاب مصانع الرخام وجود كميات كبيرة من الرخام والجرانيت تصل لأكثر من 06 نوعاً مميزاً من أجود أنواع الرخام علي مستوي العالم بألوانه المختلفة والحجر الجيري المتبلور والألباستر ويتم استخراجهما من جنوبسيناء وجبال الصحراء الشرقية وأسوان وهذه الكميات منتشرة في هذه المناطق بكميات مختلفة وتمثل ثروة حقيقية لم تستغل حتي الآن لأنها تحتاج إلي استثمارات ضخمة حتي يمكن زيادة معدلات الإنتاج . ويتابع لابد من تشجيع الاستثمار في مجال الثروة المعدنية في المرحلة القادمة لأن مصر تمتلك ثروات معدنية مميزة ونادرة علي مستوي العالم ويمكن أن تكون مصدراً للدخل القومي في المرحلة القادمة لذلك لابد من إعطاء مميزات خاصة للمستثمرين حتي نساعدهم علي الاستثمار في صناعة الرخام والجرانيت لأنها تحتاج إلي مجهودات ضخمة لوجودها في أماكن صحراوية وعرة تحتاج إلي طرق ومنشآت ومعدات للحفر وعمالة مدربة بطرق حديثة للتعامل مع آليات التصنيع. أصبحت حياة أصحاب وعمال المحاجر أشبه ب"عيشة المطاريد"، معظمهم صعايدة جاءوا إلي القاهرة بحثاً عن لقمة العيش ، وبعضهم من أبناء القاهرة الذين يسكنون بالقرب من مناطق عملهم ولا تسمح لهم ظروفهم القاسية بالمبيت في منازلهم كل يوم، لارتفاع تكلفة المواصلات وتوفيراً للوقت فيفضلون المبيت بموقع العمل وسط مخاطر بالغة الصعوبة ، عن طبيعة العمل وظروفه القاسية يقول حسني 54 سنة الذي يعمل يومياً من السابعة صباحاً حتي السابعة مساءً تتخللها ساعة واحدة للراحة يقول بحسرة شديدة إن حياة العمل هنا صعبة وبخاصة عدم توافر مياه للشرب وسط ارتفاع درجة الحرارة، حيث نقوم بشراء خزانات مياه للشرب منها . في حين يشير حسين إبراهيم 84 سنة مسئول عن تشغيل أحد المحاجر إلي توقف المحجر الذي يعملون فيه منذ اندلاع ثورة يناير ، وجميع العاملين به لم يجدوا أي عمل ومتواجدون في بيوتهم في انتظار الفرج ، وسبب التوقف هو رفع سعر تكسير الأحجار من قبل المحافظة من 3 جنيهات للمتر إلي 21جنيها، ونطالب بخفض هذا السعر لعودة العمل، وقبل الثورة كان يتم عمل محاضر من قبل المسئولين بمبالغ كبيرة تزيد علي 07 ألف جنيه وسبب هذه المخالفات هو استخدام المتفجرات في تفتيت الأحجار الكبيرة، وعندما نطلب جوابات تفجير يرد علينا المسئولون بالرفض ويطلبون من أصحاب المحاجر العمل ب"الجاك هامر" ولكن تكلفته كبيرة تصل إلي 0021 جنيه في السبع ساعات ، ومن المشاكل التي نعاني منها عدم وجود أمن صناعي أو تأمين علي العمال .