وصف المؤرخ الإغريقى "هيرودوت" أهرامات الجيزة بأنها مكسية من الرخام المجلى الذى أكسبها جمالا وعظمة، وجاء فى التوراة أن الرخام استخدم فى بناء معابد أورشليم، وعندما تصعد على قمة هذا الهرم وتحتل المركز الأول عالمياً فى صناعة الرخام والجرانيت وتكون 95% من مساحة مصر محاجر فتنقلب الموازين وتبدأ فى السقوط من على قمة هذا الهرم! برغم من ان مصر لديها أكبر قلعة لصناعة الرخام، والموجودة فى منطقة «شق الثعبان» على طريق الأوتوستراد بالقاهرة، ورغم أهمية هذه الصناعة للاقتصاد المصرى صناعة الجرانيت تشكل مصدرا أساسيا للدخل القومى، بحجم استثمارات بلغ 308 ملايين جنيه، فضلا عن كونها من الصناعات كثيفة التشغيل، حيث تضم نحو 300 مصنع ومئات الورش، ويعمل بها نحو 25 ألف عامل بأحدث الماكينات فإنها مازالت تئن تحت وطأة الإهمال والنسيان الحكومى الذى حاصرها طويلا، ومؤخرا تعرضت هذه الصناعة إلى غزو صينى مخيف يهدد ألاف العاملين فيها بوقف الحال. فمصر خلال الأعوام العشرين الماضية، تعتمد على الرخام المستورد من الخارج، دون استغلال ثرواتنا من الرخام والجرانيت إلا القلائل الذين كانوا يقومون باستخراج الرخام بطرق بدائية وبكميات بسيطة جدا لا تذكر. لكن لماذا سميت تلك المنطقة "بشق الثعبان" ؟ لقد أطلق عليها هذه التسمية لان شكلها على الخريطة الجغرافية يشبه شق الثعبان، وكانت فى الأصل أحواشا لمحاجر المحافظة وهى منطقة مشهورة بمصانع الرخام العملاقة والتى أنشأها أهالى البساتين. لكن ما الذى أدى لتدهور صناعة الرخام والجرانيت بشق الثعبان، البداية منذ أكثر من ثمانى سنوات عندما بدأ التغلغل الصينى فى منطقة شق الثعبان بعد توقيع وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى لعدة اتفاقيات اقتصادية مع الصين الأمر الذى أتاح للصين أخذ بلوكات الرخام من محاجر أسوان والمنيا ومختلف أنحاء الجمهورية بأسعار زهيدة مكتفيين بتلميع الرخام فقط لكن الحكومة الصينية لم تتوقف عند هذا الحد بل شرعت فى وضع خطة تطوير لأكثر من 500 ورشة بالصين من خلال إعطاء قروض لأصحاب الورش والمصابع الصغيرة للرخام حتى أصبحت الصين تمتلك أكبر منطقة عالمية للرخام بالعالم فى حين هناك تقاعس واضح من الحكومة المصرية والمسئولين! كانت هى البداية وليست النهاية لمسلسل تفوق "التنين الصينى" فبدأت الحكومة الصينية ترسل المئات بل الألاف من الشباب الصينين للقاهرة تحت مسمى" طلاب بالأزهر الشريف" ثم قاموا بإستاجار عدد كبير من المصانع والورش بمنطقة شق الثعبان بأسعار خيالية فى ظل طمع وجشع عدد كبير من أصحا تلك المصانع ومرور بعضهم بضائقة مالية فى ظل تعنت الحكومة المصرية فى عدم منحهم قروض لشراء ماكينات جديدة لزيادة معدل الانتاج وزيادة صادات هذا القطاع الضخم مما يضر العملة الصعبة للبلاد. وفى أقل من خمس سنوات بلغت نسبة العمالة الصينية 70% فى مقابل 30% للعمالة المصرية بمنطقة شق الثعبان مستغلين تقاعس رجال الداخلية بشكل عام وقطاع الأمن الاقتصادى بالوزارة بسبب تركهم لهذا الكم الهائل من العمالة الصينية بدون وجود تصريح للعمل أو التحقق من قانونية تلك العمالة. الأمر الذى أدى إلى توقف مصانع عن العمل لضعف التصدير بل تطور الأمرإلى قيام أصحابها بتأجيرها للصينيين الذين أنتجوا منتجات غير مطابقة للمواصفات بتكلفة أقل وهي التي تجد رواجًا في السوق المصري. وفى مداخلة تليفونية بإذاعة البرنامج العام، حمل ياسر راشد رئيس هيئة الرخام المسئولين بقطاع الأمن الاقتصادى بوزارة الداخلية مسئولية هذا التدهور فى مجال الرخام بالاشتراك مع الحكومات السابقة، وطاب راشد اللواء تيسير مكرم نائب المنطقة الجنوبية بمحافظة القاهرة بضرورة الاهتمام بمنطقة شق الثعبان حيث انها لاتزال تعانى من غياب المرافق والخدمات، ولاتعامل مثل المناطق الصناعية الاستثمارية بالمدن الجديدة من حيث توفير البنية الأساسية والمرافق والطرق، مطالبا فى الوقت ذاته أصحاب شركات المقاولات باستخدام منتجات الرخام والجرانيت المحلية فيما يقومون بتنفيذه من مشاريع عمرانية، مؤكدًا تفوق المنتج المحلي على المستورد. وصب عدد كبير من أصحاب المصانع والورش بشق الثعبان غضبهم على وزارة الصناعة، مؤكدين بان الوزارة قد قامت فى وقت سابق بإنشاء مراكز تكنولوجيا الرخام لتحسين خدمات الإنتاج، وتوضيح بعض المعلومات المتعلقة بالصناعة، ووضع حلول للأزمة التي تمر بها هذه الصناعة في ظل الغزو الصينى لهذه الصناعة بدون نتائج ملموسة على أرض الواقع. وأضاف المهندس محمود صلاح صاحب مصنع لصناعة الرخام، فوجئنا بالصينيين فى الفترة الأخيرة يشترون بلوكات الرخام، ويؤجرون مصانع مصرية، ويحضرون معداتهم وعمالهم ويصنعون الرخام، ثم يبيعونه فى مصر أيضا بفرق سعر يصل إلى 30% أقل من نظيره فى المصانع المصرية الأخرى، وبالتالى اتجه المشترى إلى الصينى، خاصة أن جودة تصنيعه أعلى وخاماته مصرية، ومعدل عملنا الآن لا يتجاوز 35% من معدلنا الطبيعى قبل اقتحام الصينيين لأسواقنا. وأوضح محمد اليمني صاحب مصنع رخام، أن منطقة شق الثعبان بها أكثر من 500 مصنع وورشة للرخام والجرانيت كان يعمل بها عمال مصريون تأثر مستقبلهم بانتشار العمالة الصينية بالمنطقة التي يدفع فيها أصحاب المصانع ما يقرب من 80 جنيهًا أي ضعف أجر العامل المصري، كما يسمح لهم بالإقامة داخل المصانع كل هذا لامتلاكهم الخبرة والفكر الجديد. وفى سياق متصل، تسعى شعبة الرخام و الجرانيت بغرفة مواد البناء باتحاد الصناعات للقاء الدكتور كمال الجنزروى، رئيس مجلس الوزراء، خلال الأيام المقبلة للمطالبة بإنقاذ صناعة الرخام والجرانيت ودعمها لتجاوز أزمتها الراهنة. وأكد أحمد عبد الحميد، رئيس الشعبة، خلال الاجتماع الذى عقدته مساء الثلاثاء بتاريخ 2012/1/17 أن أهم مطالب صناع الرخام والجرانيت لإنقاذ الصناعة تفعيل القرار رقم رئيس الوزراء 1664 الخاص بتفضيل المنتج المحلى فى المشروعات القومية والحكومية. وأضاف أنه مطلوب كذلك فرض رسم صادر على بلوكات الرخام للحد من تصديرها لتوفير لسد احتياجات المصانع المحلية، ذلك إلى جانب تشديد الرقابة على لوقف ظاهرة استئجار الصينيون المصانع المحلية لإنتاج منتج ينافس المنتج المحلى.. الأمر الذى أدى إلى إغلاق ما يقارب 80 % من مصانع الجرانيت بمنطقة شق الثعبان. وقام عدد من أصحاب مصانع الرخام والجرانيت بشق الثعبان بعمل مذكرة عاجلة لغرفة مواد البناء والمحاجر ومحافظة القاهرة، يحذرون من سيطرة الصينيين على مصانع شق التعبان، وإنتاج رخام رديء وبأسعار رخيصة جدًا، ما أدى إلى تراجع تصنيف الرخام المصري عالميًا إلى المرتبة الرابعة. وأكد المهندس أحمد صلاح، صاحب مصنع رخام بشق الثعبان، بان هناك تحديات تواجه قطاع المحاجر والجرانيت ما يؤثر بالسلب على أداء القطاع مؤكدًا أن أهم التحديات تتمثل في أن الصناع الصينيين يقومون بتصنيع منتجات رديئة وغير مطابقة للمواصفات ويتم تصدير هذه المنتجات باعتبارها منتجًا مصريًا ما يجعله خارج المنافسة التصديرية. فيما أكد المهندس مدحت مصطفى، رئيس شعبة الرخام والجرانيت السابق بإتحاد الصناعات المصرية، بظهور صناعة رخام وجرانيت صينية غير شرعية في مصر متهما ضعف الرقابة بالمسئولية. وقال إن مصر تتمتع بثروة جرانيتية ضخمة، والصينيين يستغلون عدم وجود ثقافة أو جهات ممولة لهذه الثروة ويقيمون منشأت وكيانات غير قانونية كما يقومون بإخراج بضائع بفواتير غير قانونية ولا تخضع للضرائب. ومن هنا يجب أن يكون هناك حائط صد منيع ضد الغزو الصيني من خلال تدريب الكوادر من العمال والعاملين لنتمكن من مواجهة قوة التنين الصينى، ويكفي أن علم مصر وهو رمز لنا جميعا أصبح من صنع الصين؟! والجلباب الذي كنا نشتهر نحن في مصر وفي صعيدها وفي كافة الدول العربية انه من صنع وخامات مصرية أصبح من صنع الصين. والسؤال الذى يطرح نفسه بشدة: هل أتي اليوم أن يصبح كل شيء في مصر من صنع الصين..؟!.