في كل مناسبة تمر بها مصرنا العزيزة، يردد الناس قصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم »مصر تتحدث عن نفسها« والتي مطلعها: وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي.. والذي يقرأ سيرة حياة هذا الشاعر الكبير، وشعره في مختلف المناسبات سواء التي مرت به أو مرت ببلاده، نجد أنفسنا أمام شاعر كبير أحس بنبضات شعبه، وعبر عنها بوطنية وإخلاص، ولا يذكر أمير الشعراء أحمد شوقي، إلا ويذكر حافظ إبراهيم، فنحن نردد دائما إذا ما تحدثنا عن الشعر والشعراء بقولنا: شوقي وحافظ. وقد ولد حافظ إبراهيم وهو يحب الشعر والشعراء، فدرس الشعر العربي في مختلف عصوره، وحفظ الكثير من الجيد من هذا الشعر، كما اطلع علي الآداب الغربية، وتأثر بها، وحاول التجديد في شعره، ومن هنا قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي: ياحافظ الفصحي وحارس مجدها وإمام من نجلت من البلغاء مازلت تهتف بالقديم وفضله حتي حميت أمانة القدماء خلفت في الدنيا بيانا خالدا وتركت أجيالا من الأبناء وغدا سيذكرك الزمان ولم يزل للدهر إنصاف وحسن جزاء إن حافظ إبراهيم قد أضفت الوطنية علي شعره كما يقول مؤرخنا الكبير عبدالرحمن الرافعي هالة من العظمة والمجد، فقد كان بلا مراء خير ترجمان للشعب في أحاسيسه وآماله، وخير مواس له في مآسيه وآلامه، وتغني بمصر والنيل في قصائده الغر، ولعل بقاءه في السودان عدة سنين، ومشاهدته غدر الإنجليز هناك، وتدابيرهم في تحقيق أغراضهم الاستعمارية، قد زاده سخطا علي الاستعمار واستمساكا بوحدة وادي النيل، وتجلت هذه المواهب في شعره في شتي المناسبات حتي سمي بحق شاعر النيل، وهو إلي جانب ذلك شاعر الوطنية والاجتماع والأخلاق. لقد كان قلم حافظ إبراهيم أكبر معبر عن طموحات شعب يصور تطلعاته، وتكمن قوة شعره في إخلاصه لمطالب وطنه وهجومه علي استبداد صدقي وخنقه للحريات، فقد نظم قصيدة طويلة تربو علي مائة وخمسين بيتا في هجاء صدقي والإنجليز وليس في ديوانه منها سوي أحد عشر بيتا، كما يقول الدكتور شوقي ضيف، والذي يقول عن شعره السياسي: إن الحائل الذي منع حافظا من نشر كثير من شعره السياسي في أوائل القرن ظل إلي آخر حياته، ومعناه أيضا أن ديوانه لا يحتوي كل ما نظمه من هذا الشعر لا في شبابه ولا في شيخوخته، ومن المحقق أن ما ضاع منه كان شيئا قيما، علي أن القدر لم يمهله في صراع صدقي الطاغية، وصراع بغيه وعدوانه علي الحريات، إذ سرعان ما سقطت قيثارة الشعر من يده فلبي نداء ربه مخلفا وراءه لشعبه هذا التراث الخالد.