موعد تنسيق الثانوية العامة المرحلة الثانية 2025.. الحد الأدني ومؤشرات كليات 2024 (علمي)    محافظ المنوفية تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 ب 469 لجنه انتخابية    تقرير: المخاطر الصحية في شرق المتوسط أصبحت معقدة ومترابطة    مصر ترحب بإعلان رئيس الوزراء البريطاني اعتزام بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية    ترامب: الهند ستدفع تعريفة جمركية بنسبة 25% اعتبارًا من أول أغسطس    «لا يستحقها».. أرني سلوت يصدم محمد صلاح بسبب شارة قيادة ليفربول    «مش عاوزه سيبه».. ربيع ياسين يعلق على موقف الأهلي من رحيل أحمد عبدالقادر    القبض على سائق «ميكروباص» في الشرقية بتهمة السير عكس الاتجاه (تفاصيل)    مصرع طالب صعقًا بالكهرباء في قنا    توقعات الأبراج في شهر أغسطس 2025.. على برج الثور الاهتمام بالعائلة وللسرطان التعبير عن المشاعر    "الحق في الدواء" عن رفع قيمة مساهمة المرضى بأسعار الأدوية إلى 70%: قرار غريب.. وسيؤثر على ملايين المصريين    المصري يواصل تدريباته في سوسة.. والكوكي يقترب من تحديد الودية الرابعة    مناورات عسكرية مشتركة بين روسيا والصين في أغسطس    القائم بأعمال رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: اليوم تحقق حلمنا بتخريج أول دفعة    محافظ المنوفية يستعرض الموقف الحالي لمنظومة النظافة والمشروعات    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بمجلس الشيوخ    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه تونس خلال أجندة سبتمبر    رسميا.. المقاولون العرب يعلن ضم لاعب الزمالك السابق    تغطية الطرح العام ل "الوطنية للطباعة" 8.92 مرة في ثالث أيام الاكتتاب    هوجو إيكيتيكي يشارك في فوز ليفربول بثلاثية على يوكوهاما وديًا.. فيديو    التحقيق مع صانعة محتوى شهرت بفنانة واتهمتها بالإتجار بالبشر    صاحبة دعوى إثبات نسب طفل للاعب إسلام جابر: "ابني هيقدم الدعوى الجاية"    3 شباب يستدرجون فتاة من ذوي الإعاقة ويعتدون عليها في العجوزة    لسماع مرافعة النيابة.. تأجيل محاكمة متهم تنظيم ولاية سيناء    الداخلية تكشف ملابسات فيديو اعتداء سائق ميكروباص على أسرة أعلى الدائري    الداخلية السورية: مزاعم حصار محافظة السويداء كذب وتضليل    بينهم بيومي فؤاد ورانيا فريد شوقي.. نجوم الفن ينعون الفنان لطفي لبيب    حركة فتح: إعلان نيويورك إنجاز دبلوماسى كبير وانتصار للحق الفلسطينى    زياد الرحباني... الابن السري لسيد درويش    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    العثور على دقيقة مفقودة في تسجيلات المجرم الجنسي إبستين تثير الجدل.. ما القصة؟    الممنتخب المصري للمصارعة يحصد 6 ميداليات في دورة الألعاب المدرسية بالجزائر    رئيس الوزراء: استراتيجية وطنية لإحياء الحرف اليدوية وتعميق التصنيع المحلي    35 ألف طالب تقدموا بتظلمات على نتيجة الثانوية العامة حتى الآن    رئيس جامعة بنها يترأس اجتماع لجنة المنشآت    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    مي طاهر تتحدى الإعاقة واليُتم وتتفوق في الثانوية العامة.. ومحافظ الفيوم يكرمها    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    "التضامن" تستجيب لاستغاثات إنسانية وتؤمّن الرعاية لعدد من السيدات والأطفال بلا مأوى    مدير أمن سوهاج الجديد يكثف جولاته الميدانية لضبط الحالة الأمنية    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    ترامب يكشف عن تأثير صور مجاعة قطاع غزة على ميلانيا    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمير الشعراء في مملكة الغناء
نشر في صباح الخير يوم 26 - 07 - 2011

كان الشعر العربي علي موعد مع القدر ينتظر من يأخذ بيده ويبعث فيه روحا جديدة تبث فيه الحركة والحياة وتعيد له الدماء في الأوصال إلي أن جاء «البارودي» ليعيد الروح إلي الشعر العربي ويلبسه أثواباً بديعة الشكل والصورة ويوصله بماضيه بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية. ولم يكن «البارودي» هو وحده نجم عصره وإن كان له فضل السبق والريادة فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوساً تعلقت بها فملأت الدنيا شعراً بكوكبة من الشعراء من أمثال إسماعيل صبري وحافظ إبراهيم وأحمد محرم وأحمد نسيم وأحمد الكاشف وعبد الحليم المصري وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع بعد أن ملأ الدنيا بشعره وشغل الناس وأشجي القلوب.
النشأة ومؤشرات النبوغ
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة يوم 16 أكتوبر عام 1870 لأب شركسي وأم من أصول يونانية كان جده كردي الأصل جاء إلي مصر في عهد محمد علي الذي ألحقه بقصره وقد بدد والد شوقي ثروته فكفلته جدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل ونشأ معها في القصر ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتَّاب الشيخ صالح فحفظ قدراً من القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة ثم التحق بمدرسة «المبتديان» الابتدائية وأظهر فيها نبوغاً واضحاً كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة وانكب علي دواوين كبار الشعراء حفظاً واستظهاراً فبدأ الشعر يجري علي لسانه.
بعد أن أنهي شوقي تعليمه بالمدرسة في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق عام 1885 وانتسب إلي قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثا وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ محمد البسيوني ورأي فيه مشروع شاعر كبير فشجعه علي ذلك.
وكان الشيخ بسيوني يدرس البلاغة في مدرسة الحقوق وينظم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أحمد شوقي أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المصرية، والمثير أنه أثني علي شوقي حضرة الخديوي وأفهمه أنه جدير بالرعاية وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته.
تزوج الشاعر أحمد شوقي من السيدة خديجة شاهين ابنة حسين بك شاهين «من أصل تركي» وكانت رقيقة طيبة القلب حتي أن «شوقي» كان يشبهها بقطة من أنقرة لشدة رقتها وطيبة قلبها.
السفر إلي فرنسا
بعد عامين من الدراسة تخرج «شوقي» في مدرسة الحقوق والتحق بقصر الخديوي توفيق الذي ما لبث أن أرسله علي نفقته الخاصة إلي فرنسا فالتحق بجامعة «مونبلييه» لمدة عامين لدراسة القانون ثم انتقل إلي جامعة باريس لاستكمال دراسته حتي حصل علي إجازة الحقوق عام 1893 ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر.
العودة إلي مصر
عاد شوقي إلي مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس علي عرش مصر فعينه بقسم الترجمة في القصر ثم توثقت علاقته بالخديوي الذي رأي في شعره عونا له في صراعه مع الإنجليز فقربه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده حتي سمي «شاعر الأمير» وظل شوقي يعمل في القصر حتي خلع الانجليز عباس الثاني عن عرش مصر وأعلنوا الحماية عليها عام 1914 وولوا حسين كامل سلطنة مصر وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد فاختار النفي إلي برشلونة في أسبانيا وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل علي البحر المتوسط.
بعد فترة طويلة من النفي صدر العفو عنه وعاد إلي مصر في فبراير سنة 1919م واستقبله الشباب استقبالا حارا واحتشد الآلاف لتحيته وكان علي رأس مستقبليه شاعر النيل حافظ إبراهيم فأخذ ينشد:
وكل مسافر سيعود يوما.. إذا رزق السلامة والإيابا
ولو إني دعيت لكنت ديني.. عليه أقابل الحتم المجابا
أدير إليك قبل البيت وجهي.. إذا فهت الشهادة والمتابا
وقد سبقت ركائبي القوافي.. مقلدة أزمتها طرابا
تجوب الدهر نحوك الفيافي.. وتقتحم الليالي لا العبابا.
في مدح الرسول
بعدها نظم «شوقي» إسلامياته الرائعة وتعد قصائده في مدح الرسول «صلي الله عليه وسلم» من أبدع شعره قوة في النظم وصدقا في العاطفة وجمالا في التصوير وتجديدا في الموضوع ومن أشهر قصائده «نهج البردة» التي عارض فيها البوصيري في بردته، كما كتب «شوقي» قصائد أخري علي طريقة نهج البردة، منها قصيدة «الهمزية النبوية» وقصيدة «ذكري المولد» التي جاء مطلعها. سلوا قلبي غداة سلا وتابا، لعل علي الجمال له عتابا.
شوقي وأم كلثوم
تعتبر قصيدة «ولد الهدي» مع قصائد «سلوا قلبي» و «نهج البردة» من أهم القصائد الإسلامية لشوقي، وتقع قصيدة، «ولد الهدي» في مائة وواحد وثلاثين بيتاً، اختارت منها أم كلثوم أربعة وثلاثين بيتاً، وأعادت ترتيبها علي غير ترتيبها في الديوان وغنتها من ألحان رياض السنباطي ومنها:
ولد الهدي فالكائنات ضياء.. وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملأ الملائك حوله.. للدين والدنيا به بشراء
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي والمنتهي والسدرة العصماء
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا
بالترجمان شذية غناء
والوحي يقطر سلسلا من سلسل واللوح والقلم البديع رواء
نظمت أسامي الرسل فهي صحيفة في اللوح واسم محمد طغراء.
اسم الجلالة في بديع حروفه، ألف هناك واسم طه الباء.
ذات يوم وجه «شوقي» دعوة لأم كلثوم التي لبت الدعوة وقامت بالغناء في كرمة ابن هانئ ومن إعجابه بالغناء قدم لها كأسا من الخمر ولكنها لم تكن تشرب الخمر فتصرفت بلباقة وذكاء ورفعته علي شفتيها فقط دون أن ترشف
امه للفصحي التي كان شوقي أمير شعرائها.
منه شيئا وقد أعجب شوقي بلباقتها فكتب لها قصيدة، يقال أوصلها بنفسه في الصباح التالي، وقد ظلت القصيدة منذ عام 1932 إلي عام 1944 حيث عهدت بها لرياض السنباطي لتلحينها وغنتها بعد أن تم تغيير كلمات بيتين ورد فيهما اسم أم كلثوم، ويقول شوقي في مطلع القصيدة:
سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها
واستخبروا الراح هل مست ثناياها
- شاعر الشعب المصري وترجمانه
مال «شوقي» بعد عودته من المنفي إلي جانب الشعب وتغني في شعره بعواطف قومه وعبر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.
- إمارة الشعر العربي
أصبح «شوقي» بعد عودته من المنفي شاعر الأمة المعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعة شعراؤها بإمارة الشعر عام 1927 في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه «الشوقيات» وحضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن الشاعر «حافظ إبراهيم» باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلا في قصيدته الشهيرة:
بلابل وادي النيل بالشرق أسجعي بشعر أمير الدولتين ورجعي.
أعيدي علي الأسماع ما غردت به، براعة شوقي في ابتداء ومقطع.
أمير القوافي قد أتيت مبايعاً، وهذي وفود الشرق قد بايعت معي.
بينما وقف شاعر القطرين خليل مطران قائلا:
يا باعت المجد القديم بشعره، ومجدد العربية العرباء أنت الأمير ومن يكنه بالحجا فله به تيه علي الأمراء.
شوقي والعامية
في الوقت الذي ظلت فيه القصيدة المغناة بشكلها الفصيح والعامي متراخية في تطورها بعض الشيء ظهر الشاعر إسماعيل صبري ليعيد إحياءها من جديد ثم أمير الشعراء أحمد شوقي.
- وقال الدكتور يسري العزب في بحثه لنشأة الأغنية العامية : الغريب أن البارودي نفسه كان الدافع لدخول شعراء الفصحي إلي حلبة الكتابة الشعرية بالعامية، حيث طلب من الشاعر إسماعيل صبري أن يكتب شعرا عاميا في مهاجمة الإنجليز الذين يحتلون مصر لكي يتغني به المطربون، واللافت أن هذه الدعوة لاقت صداها في نفس صبري فكتب أولي أغنياته العامية التي قدمها المطرب عبده الحامولي بلحن محمد عثمان، وكانت تقول كلماتها :
- عشنا وشفنا سنين
- ومن عاش يشوف العجب
شربنا الضنا والأنين
جعلناه لروحنا طرب
وغيرنا تملك وصال
وإحنا نصيبنا خيال
كدا العدل يا منصفين
- وأضاف : والمؤكد أن الأغنية حازت علي إعجاب رجال العصر عامهم وخاصهم وقتها واستمر صبري في كتابة الكثير من الأغنيات العامية التي تأتي جميعها بلغة رقيقة أقرب إلي الفصحي البسيطة منها إلي عامية الأغنية الخشنة السوقية ومن أشهرها «الحلو لما انعطف» و« قدك أمير الأغصان».
ويستكمل : قصد شاعر الفصحي سامي البارودي من تلميذه الشاعر إسماعيل صبري حين نصحه بالاتجاه إلي العامية أن تصل الكلمة الهادفة عن طريق الغناء للشعب وهو نفس الأمر الذي دفع الشاعر أحمد شوقي إلي المضي علي طريق صبري في كتابة الأغنية، وساعد علي دخول شوقي عالم الأغنية العامية لقاؤه بمطرب ناشئ هو «محمد عبد الوهاب» آمن شوقي بمواهبه الموسيقية والغنائية فأحبه بل تبناه حتي نضجت مواهبه وصار بعدها مطرب الأمراء.
ومضي يقول : ربما يظن البعض أن الشاعر شوقي بدأ الكتابة بالعامية للمطرب محمد عبد الوهاب، لكنه كتب قبل ذلك لكبار المطربين بدءا من مطرب الخديوي عبده الحامولي والشيخ يوسف المنيلاوي وملك وغيرهم إلا أن ما كتبه شوقي لكل هؤلاء يؤكد أنه كان في مرحلة التجريب، لأن معظم أغانيه لهم لا تعدو أن تكون «أدوارا» أو « مواويل» صغيرة مثل موال :
الناس لليل تشكي
وتيجي له تحكي
والنيل لمين يشكي ويروح لمين يحكي بدرك يا ليل طلعته
وبدري خبيته
غاير يا ليل قل لي
تكونش حبيبته
وهناك موال آخر غناه الشيخ يوسف المنيلاوي يقول : ساهي الجفون
ما كفاك الهجر يا ساهي
فرحان الجفون
وعن حال الشجي ساهي
الليل يطول يا قمر
وأنا سهران عليك يا ساهي
حسك تقول مدعي
يا مجنن العشاق
القلب أهو جريح
والكبد للساهي
وأوضح عزب : رغم السلبيات التي تظهر في عاميات الشاعر أحمد شوقي الباكرة إلا أن هناك سمة مميزة من سمات شوقي الفنية كانت تميز شعره الفصيح وهي عزفه الدائم علي عنصر التضاد واستخدام أسلوب الاستفهام والتحذير الشعبيين.
وأكد الدكتور يسري العزب في بحثه : يمثل « الليل» الذي بدأ مع بدايات شوقي العامية محورا تصويريا رئيسيا من محاور القصيدة الأغنية حتي بعد تمرسه علي كتابة الأغنية العامية ووصولها النضج والكمال في بعض أغنياته التي أسهمت إلي حد بعيد في تدشين، بل تدعيم المطرب محمد عبد الوهاب كموسيقي ومطرب في الثلث الأول من القرن الماضي وهو ما كان له أثره المحمود في تطوير الأغنية المصرية بعد ذلك، أي بعد أمير الشعراء أحمد شوقي والموسيقار محمد عبد الوهاب تحولت الأغنية من الإسفاف والتسطيح إلي التعبير بلغة وصور رومانسية رقيقة.
وأشار عزب : كتب الشاعر أحمد شوقي لعبد الوهاب سبع أغنيات وبعض المواويل والأدوار، وجاءت مفردة « الليل» متخذة جانبا مهما في هذه الأغنيات، حيث نجد ثلاثا منها تتجه لمخاطبة الليل مباشرة باعتباره طرفا مشاركا في علاقة الحب التي تربط بين الحبيبين، وهذه الأغنيات هي « في الليل لما خِلي» و« بالله يا ليل» و« الليل بدموعه جاني»، واللافت للانتباه أن مفردة « الليل» تتكرر في هذه الأغنيات 16 مرة بمفردات دلالية مختلفة.
ورأي الباحث : معني ذلك أن صورة «الليل» كما وردت في معجم شوقي العامي تحتل أهمية كبيرة في حياة الشاعر الوجدانية وفي شعره الوجداني، وتلقي صورة «الليل» في شعر شوقي العامي صورا رومانسية أخري أهمها صورة «الطيور المصرية الخاصة» التي نادي بها نقاد التجديد الرومانسي، ولعل أبرز هذه الطيور « البلبل» الذي احتلت صورته قصيدة بأكملها هي « بلبل حيران»، ويليها صورة الطائر المصري الجميل «الحمام» الذي يرفرف في أغنيات أخري، وتأتي صورته مشعة حين يتمايل علي صفحة النيل.
ويستكمل : يقول شوقي في إحدي أغانيه العامية :
قالت غرامي في فلوكة
وبساعة نزهة ع الميه
لمحت ع البعد حمامة
رايحة علي المية وجاية
وقفت أنادي الفلايكي
تعالي من فضلك خدنا
جات الفلوكة والملاح
ونزلنا وركبنا
حمامة بيضا بفرد جناح
تودينا وتجبنا.
وأضاف : الواضح من خلال هذه الأغنية أن الحمامة كانت دافعا قويا يدفع بشوقي لتحقيق حلم غرامه في نزهة نيلية جميلة.
ومضي يقول : في قصيدة « الليل يحب الجمال» للشاعر أحمد شوقي نجد البلبل والحمامة يتجولان إلي مطلق « الطير» في الخمائل، حيث يجعله طرفا في علاقة التشبيه حيث يقول :
الحب طير في الخمايل
شوفنا غرايب فنونه
حاكم بأمره وشايل
علي جناحه قانونه
تيجي تصيده يصيدك
ومن سلم من حباله
وكل خالي مِسيره
يعذب الحب باله.
وألمح الدكتور يسري العزب في بحثه : إذا كان « الليل» و « الطائر» صورتين بارزتين من صور شوقي في شعره العامي فمن الطبيعي أن نجد الحدائق والنيل وشاطئيه وما ينبت فيها جميعا من مرود وأزهار وخمائل هذه البيئة التي يتحرك فيها شوقي بصورتيه الأثيريتين، وهو ما نجده في قصيدة « بلبل حيران» التي تقول كلماتها :
بلبل حيران علي الغصون
شجي معني بالورد هايم
في الدوح سهران من الشئون
بكي وغني والورد نايم.
وبيَّن العزب : هذا الأمر يظهر في قصيدة « سكران» التي تقول كلماتها:
سكران بغير الكاس
في مجلس الورد
من عنبر الأنفاس
ومنظر الخد
وأضاف : القصيدة تؤكد مقدرة شوقي علي بعث الحياة في الطبيعة
ولفت العزب : الشاعر أحمد شوقي استطاع أن يجعل من البلبل رمزا فنيا جيدا للحبيب أو المحب الرومانسي المتيم، حيث يقول في إحدي قصائده العامية :
يبص فوقه ويبص تحته
ويمد طوقه ويشم ريحته
فن يحطه وفن يشيل
وبجناح يقوم به وجناح يميل
وأوضح الباحث : يستمر شوقي في قصيدته حتي ينتهي به الحال إلي نهايات التجارب الرومانسية عندما استسلم لعذاب المحب، بل استمرأ جراحات حبه وعذاباته في قصيدته العامية التي تقول كلماتها:
يا ريحة الحبايب
ياخد الملاح
لشوكة جمالك
وضعت السلاح
وكشف العزب : القصيدة الأخيرة تكاد تمثل قمة ما وصل إليه فن الأغنية العامية عند الشاعر أحمد شوقي من حيث اكتمال قدرته علي استلهام الطبيعة وتوظيف مفرداتها في خلق الرمز الفني لحالة الشاعر النفسية وموقفه الرومانسي من تجربة الحب، وإذا كان هذا الموقف الرومانسي هو الذي دفع شوقي للكتابة للمسرح الشعري باعتباره وسيلة فنية تجريدية فإن الموقف نفسه هو الذي دفعه لكتابة الأغنية العامية باعتبارها من أقرب الوسائل إلي أن يعبر الفنان عن ذاته وعن عواطفه الخاصة بعد أن ضاق شعره الفصيح فلم يسمح له بذلك وبعد مطالبة النقاد لشوقي بتجديد أدب الأمة بالابتكار كما تجددت روحها بالثورة.
وخلص الدكتور يسري العزب إلي القول: عندما اختار الشاعر أحمد شوقي العامية المصرية وسيلة للتعبير عن ذاته من نهاية القرن 19 كان يصدر عن موقف تجديدي صِرف، والمؤكد أن شوقي لم يقف من الشعر العامي موقفا ملتزما إنما رأي فيه أداة فنية ربما تكون أقدر في التعبير عن أحاسيس شوقي في استخد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.