لم يأتِ بعده من استطاع أن يتبوأ مكانته الشعرية فى مصر والعالم العربى، فمن يستطيع إنكار أن شوقى، أبرز شعراء عصر النهضة، هو رائد التجديد فى الشعر العربى، وأنه المتفرد بلغته وشاعريته بين جميع شعراء عصره، فهو أعظم شعراء العربية على مر العصور، وكأنه الشعراء جميعاً فى شاعر واحد. التاريخ فى شعر شوقى فاروق شوشة: لا أظن أن قصيدة من بين قصائد شوقى، تصور ولعه وعشقه للتاريخ، مثل قصيدة «كبار الحوادث فى وادى النيل» التى ألقاها فى مؤتمر المستشرقين الدولى، اعتقد فى جنيف سنة 1896، وكأنه بهذه القصيدة يقول للعالم، هذه مصر التى أمثلها بينكم، تاريخا، حضارة، إشراقا وعبوسا، انتصارات وهزائم. هى صفحة مشرقة، من صفحات المجد القديم يمضى إليها شوقى فى قصيدته«هذه الواقعة» فى مائتين وثمانية وثمانين بيتاً، بدءاً بتاريخ مصر الفرعونى، وكليوباترا فى العصر البطلمى، فميلاد عيسى وانتشار المسيحية فى مصر، فميلاد أحمد ودخول الإسلام إلى مصر، وصولاً إلى آل أيوب والترك، وأسرة محمد على، متوقفاً عند عباس حلمى. اللغة فى شعر شوقى الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة: استطاع أن يؤكد حضوره كشاعر رائد مجدد، ومبتكر، قدم لنا القصيدة بأسلوب يجمع بين التراث والمعاصرة، وتعتبر لغته، لغة شعرية من الطراز الأول، من حيث القدرة على الوصول إلى القارئ، وتجسيد التجربة، ومن حيث التواصل بين القديم والجديد، ولا شك أن حفظ شوقى للقرآن منذ طفولته، قد غذى موهبته بكثير من عناصر الجذالة والقوة. أحمد شوقى.. الموسيقار الشاعر أحمد عنتر مصطفى: منذ قرأت ديوان «الشوقيات» أدركت أن شوقى موسيقار ضل طريقه، وكتب الشعر، فمن يقرأ الديوان يلاحظ اهتمامه البالغ بالموسيقى، وقدرته على انتقاء بحور قصائده، ويجد عناية كبيرة باللفظ وإيقاعه، كما يلاحظ أن شوقى قام برثاء مجموعة من مطربى وموسيقيى مصر فى القرن الماضى، مثل « عبده الحامولى، سيد درويش، كما كتب قصيدة عن الموسيقار الإيطالى «فيردى» حيث عرض من خلال هذه القصائد رؤيته لفن الغناء، وما يجب أن يتوافر فى المطرب من سلامة الحس، ورقة الروح، وحلاوة الصوت. أيضاً وكما نعرف، أن محمد عبد الوهاب كانت له صلة بشوقى، تجعلنا نحس بتقدير الشاعر الكبير للناشئ، حيث احتضنه شوقى وساعده، بل لحبه فى عبدالوهاب، تحول أمير شعراء العربية إلى كتابة نصوص بالعامية المصرية لعبدالوهاب، بلغت تسعة عشر نصا. شوقى بين نقاد عصره د.سامى سليمان: منذ بداية عشرينيات القرن العشرين، أخذت تظهر بعض كتابات النقاد الرومانسيين ككتابات عباس العقاد، وإبراهيم المازنى، اللذين وجها نقداً عنيفاً لشعر شوقى، وإذا نظرنا لهذا النقد سنجد أن التطورات النقدية، التى طرحها الناقدان، لاسيما العقاد استندت على أن الأدب والشعر تعبير عن ذات الشاعر، والقصيدة تكشف للقارئ عن شخصية الشاعر، ومن منطلق هذا التصور، انتقد العقاد شعر شوقى وتوقف عند قصيدة رثاء مصطفى كامل، وسجل عليها مجموعة من المآخذ، أهمها التفكك، وعدم اتسامها بالوحدة العضوية، كذلك انتقد الصور والتشبيهات والاستعارات التى يستخدمها شوقى، ووصفها بأنها لا تكشف عن شعور حقيقى وعميق للأشياء التى يصورها. شعر شوقى والسلطة د.سيد البحراوى: شوقى يمثل موهبة شعرية متميزة، ويكاد يكون خرج من إطار المدرسة الإحيائية، إلى مرحلة الرومانسية، فحاول من خلال قصائده التقليدية أو الحداثية أن يعبر عن مشاعره وتجاربه الخاصة، وأن يكسر التقاليد الشعرية القديمة بأوزان شعرية جديدة، لكن تظل المشكلة الكبيرة الدائمة، هى علاقة الشعر بالسلطة، فقد نُصب شوقى أميرا للشعراء، وربما كان وراء هذا التنصيب، أنه كان شاعرا للأمراء، وهذا يقودنا إلى المشكلة السياسية بعلاقة المثقفين بالسلطة شوقى شاعرا للأطفال د. محمد حماسة عبد اللطيف: رائد الشعر فى العصر الحديث، ومبتكر شعر الأطفال فى مصر والعالم العربى، خصص جزءاً من شوقياته للأطفال، وهو شعر سهل الصياغة يقبله الأطفال والكبار، ويتضمن حكمة رائعة من القيم الغالية التى نحرص على بقائها، وهو فى هذا الباب جعل شعره على لسان الحيوانات فى كثير من الأحيان، ويعتبر شوقى هو من فتح الباب أمام بعض الشعراء المحدثين، فصاروا فى الاتجاه وقلدوا شوقى. شوقى والشعر الدينى د.عوض الغبارىارتبط شعره بالقضايا الوطنية، واهتم بالعاطفة الدينية الإسلامية، ظهر ذلك فى المدائح النبوية التى كتبها مثل «نهج البردة» و«الهمزية» اللتين عارض بهما قصيدتى «البردة» و«الهمزية» للإمام البوصيرى، فكانت قصائده تجسيداً للقيم الإسلامية، وأصبح مثالا يحتذى به من الشعراء. إمارة الشعر الشاعر والناقد شعبان يوسف: شوقى استطاع أن يستعيد للشعرية العربية رونقها، وعندما نُصب أميرا، اجتمعت الأمة العربية لتلقيبه، وهذا عكس ما يقال إن القومية العربية لم تكن واضحة قبل نكبة فلسطين، فأعتقد أن إجماع الشعراء العرب والشوام على تنصيب أحمد شوقى أميرا للشعر فيه قدر كبير من تفعيل القومية العربية، وبرغم أن قصائد شوقى تعود للفرعونية والإسلامية، إلا أنه كان لديه بُعد عربى اتضح فى مناصرة الحرية. لو عاد إلينا شوقى الشاعر حسن طلب: الذكرى هذا العام تأتى فى أجواء معادية للشعر والثقافة، وأصبح شوقى فى ذكراه الثمانين غريباً فى وطنه، بعد أن كان له مكان فى تشكيل وجدان الجماهير من خلال شعره المقروء والمغنى. «شوقى» الذى قال: « وطنى لو شغلت بالخلد عنه، نازعتنى إليه فى الخلد نفسى» لو بعث الآن حيا، لأدار ظهره وعاد لقبره من جديد، وقال: «أنا لا أعرف هذه البلاد التى كانت سابقا تهتم بالتعليم والعلم وقاومت الإنجليز»، ولكن المثقفين سيصبرون و سيحاولون من جديد الانتصار على هذا الظلام الذى يغطى الوطن.