الأثر بالغ السوء الذي تركه النظام السابق علي مصر مكانة ودورا في محيطها الإقليمي والدولي لايمكن محوه في أيام وشهور وليس بزيارات الرئيس مرسي وحدها، وإنما يستلزم جهودا من الدبلوماسية المصرية والجاليات بالخارج والأزهر والكنيسة ورجال الأعمال والفنانين والرياضيين والمثقفين وغيرهم من أبناء هذا البلد. مصر للأسف والأسي تقزم دورها وتراجعت مكانتها وحلت التبعية مكان الإرادة الحرة وقرارها المستقل الذي يحسب له الآخرون ألف حساب ، زيارات مرسي لم تكن عشوائية الهدف والمقصد، فهو بدأها بالمملكة العربية السعودية (زيارتان خلال شهر رمضان) الجناح الآخر لقيادة العالم العربي من ناحية والعالم الإسلامي من جانب آخر، وأتبع الزيارة الأولي بالتوجه لأثيوبيا في محاولة لتضميد جراح الهجر المصري لعمق مصر الإقليمي جنوبا في حوض النيل وبدء التواجد وسط القوي التي استغلت الفراغ الذي تسببت في إحداثه سياسات النظام السابق وترك العديد منها تعبث بالملف الأهم في حياة المصريين وهو مياه النيل لعدة عقود من الزمن ، ثم الانفتاح علي الشرق بزيارة الصين العملاق الاقتصادي والسياسي وأحد أهم اللاعبين في الساحة الدولية الدولية وفي المحيطين العربي والإفريقي، الزيارة فتحت الأبواب لتعاون واسع في المستقبل علي كافة الأصعدة خاصة الاقتصادي وبداية لكسر عزلة مصر دوليا بسبب مظلة التبعية التي حجبت الرؤية عن القرار المصري المستقل، الذي كان يسير بالضوئين الأحمر والأخضر بفضل الكنز الاستراتيجي (القابع في طرة) الذي فقدته كل من واشنطن وتل أبيب معا!! أما المحطة الثالثة فكانت طهران التي انقطعت كافة الطرق بينها وبين مصر منذ ثلاثة عقود زمنية لكن العودة يبدو أنه يكتنفها بعض العقبات والطرق الوعرة، فخطاب الرئيس في قمة عدم الانحياز أظهر أن ثمة مشاكل في توجهات البلدين وطرق رؤيتهما لبعضهما البعض خاصة مايتعلق بالجانب العقيدي والسياسي أيضا ، ورد الفعل علي الخطاب من بعض الأطراف المحسوبة علي إيران لم يكن وديا وخاصة من جانب النظام السوري وبعض المتشددين من أصحاب العمائم السوداء ، ذلك أن قطاعا من التيار الإسلامي يخشي من تبعات التعاون الإيراني وماقد يجره من بدايات لمد شيعي قادم ، الخطاب بدد المخاوف من التودد لطهران علي حساب المذهب السني الذي ينتمي إليه غالبية المصريين، لكن الزيارة فتحت الباب علي إمكانية تعاون مستقبلي في الجانب الاقتصادي والسياسي بين البلدين وامتداد ذلك لتحالف إقليمي يضم السعودية وتركيا ومصر وإيران لمواجهة التحديات التي تهدد المنطقة واحتواء أزماتها وفي مقدمتها الوضع الكارثي في سوريا والتهديدات الإسرائيلية بضرب إيران في المستقبل القريب. الطريق لاستعادة مصر لدورها علي الساحتين الإقليمية والدولية طويل وشاق، لكن البداية لابد أن تكون في الداخل المصري الذي يلزم أن يكون مستقرا ضاربا للفساد بكل قوة، منتظما في أداء أجهزته، يسوده الأمن الذي سيجذب الكثيرين من سياح ومستثمرين. وقد شهدت الأيام الأخيرة تصفية لبؤر الإجرام في الكثير من مناطق الجمهورية والقبض علي رؤوس عصابات البلطجة، لكن يبقي هناك العديد من المشاكل الأمنية منها فوضي الشارع بكل صورها وضرورة استعادة هيبة الدولة ضد من يتوهمون أنهم فوق القانون والضرب بيد من حديد علي هؤلاء ، ومع انتهاء المشاكل الأمنية تنطلق عجلة الإنتاج ونضرب مثالا حيا للخارج أن مصر الثورة ماضية في طريقها وتمد يدها للجميع شرقا وغربا ، والخطاب الذي ألقاه الرئيس مرسي في جامعة الدول العربية كان رسالة واضحة لأطراف عديدة منها النظام السوري الذي أعلن خلاله أنه علي طريق النهاية وأنه لم يجد معه أي محاولة للإصلاح، وهذا الخطاب يتسق مع توجهات رئاسة جاءت بعد ثورة ومن الطبيعي أن تقف الثورات إلي جانب بعضها البعض وجاء كرسالة طمأنة لدول الخليج بأن مصر لاتصدر ثورتها للآخرين ولاتتدخل في شئونهم وتقف إلي جانبهم ضد التحديات التي تواجه أمنهم سواء من جانب إيران أو الجارة اللدود. وأحسب أن المحطة القادمة بزيارة إيطاليا لها أهميتها في الانفتاح علي القارة الأوروبية وخاصة جيراننا علي الجانب الآخر من البحر المتوسط ودعم التعاون الاقتصادي وتطوير العلاقات السياسية معهم، خاصة أن إيطاليا من البلدان التي لها استثمارات كبيرة في مصر ومجالات الاستثمار واعدة خاصة في المجال الصناعي والبترولي تحديدا. من المهم جدا أن نتواجد في الساحة الدولية بشكل فاعل وأن يسمع الجميع صوت مصر بدلا من أن نسمع مذعنين إملاءات الآخرين كما كان الحال في النظام السابق. كما أن المحطة الأهم هي زيارة الرئيس مرسي نهاية الشهر الجاري لأمريكا وهي غالبا ماستكون بروتوكولية لحضور افتتاح الدورة الجديدة للأمم المتحدة واللقاء مع زعماء العالم خاصة الرئيس الأمريكي أوباما المشغول هذه الأيام بمعركة انتخابات الرئاسة التي تجري في السادس من نوفمبر القادم ، ودور مصر في هذا المجال أن تعلن وبوضوح في خطابها السياسي أن عهد التبعية قد ولي فلها إرادتها وقرارها الحر والمستقل، وليس مطلوبا الدخول في وضع الصدام أوالعداء مع واشنطن إنما تكون العلاقة علي أساس المصالح المتبادلة بما يخدم البلدين علي حد سواء، لكن علي واشنطن أن تدرك أن لمصر قيادة واحدة وليس رأسين للسلطة كما كان الحال في ظل وجود المجلس العسكري وأن لهم خيارات وبدائل أخري ولن تعود العلاقة كما كان الحال في عهد مبارك وأنها لن تكون الحارس الأمين للدولة العبرية بالضمان الأمريكي مقابل حزمة المساعدات الهزيلة كل عام! زمن الوصاية لابد أن ينتهي والتبعية لامكان لها في مصر الثورة ولابد أن نتكاتف جميعا كي تشرق شمس مصر من جديد ويعود للمصريين كرامتهم وحقوقهم كاملة.