وكأن الجحيم السوري لا ينقصه سوي حرب جديدة.. حرب ظهرت بوادرها في الأفق منذ عدة أسابيع بين أمريكا دونالد ترامب والجمهورية الإسلامية الإيرانية، باختصار يبدو هدف واشنطن من تلك الحرب منع طهران من الاستقرار عسكرياً علي الأراضي السورية. وتستعر نيران تلك الحرب في جنوب وشرق سوريا، بالتزامن مع معركة الرقة بين قوات سوريا الديموقراطية ضد ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية. وكذلك معركة أخري موازية تلفظ أنفاسها الأخيرة في مدينة الموصل العراقية ضد نفس التنظيم. ولكن المشهد الفوضوي الهائل في سوريا له طابع خاص جداً بتواجد قوات أمريكية وروسية علي الأرض، وبوقوف كل طرف منهما في معسكر مضاد للآخر. واتخذت الولاياتالمتحدة سلسلة إجراءات في الأشهر الثلاثة الماضية وأبدت استعدادها لشن ضربات معظمها دفاعا عن النفس ضد القوات الحكومية السورية وداعميها بما في ذلك إيران. ويمكن القول إن أغلب المدن السورية تشهد الآن هدوءً نسبياً، وأن المنطقة الملتهبة هي شريط صحراوي ممتد لمئات الكيلو مترات علي الحدود السورية العراقية والسورية الأردنية، وتمتد كذلك إلي الشمال من نهر الفرات. ففي الجانب السوري وعلي امتداد الممر المائي القديم المتفرع من الفرات، وفي مناطق مقفرة يسيطر تنظيم داعش علي آخر معاقله بعدما خسر الكثير من مناطق نفوذه في الرقة، بينما في العراق وبعد الخسارة شبه المؤكدة للتنظيم في الموصل، أصبح مؤكدا أن رجال أبو بكر البغدادي يستعدون لحرب عصابات طويلة انطلاقاً من الأطراف النائية المحيطة بثاني أكبر المدن العراقية. وبما أن دحر التنظيم والقضاء عليه بات في حكم المؤكد فإن السؤال الصعب الآن هو: من سيتحكم في تلك المنطقة الحدودية الاستراتيجية المشتركة بين العراقوسوريا والمعروفة باسم وادي الفرات؟ في العراق حيث الحكومة المركزية المدعومة إيرانياً وأمريكياً وروسياً أيضاً، من المؤكد أن لا أحد سينازعها السيطرة علي الأراضي المحررة من سطوة داعش. المرة الأولي أما في سوريا فالأمر ليس كذلك علي الإطلاق، حيث تشير المعطيات عسكرياً إلي سيطرة الجيش العربي السوري علي غرب البلاد، ولا سيما المدن الكبري بالكامل، وذلك بدعم من روسياوإيران وميليشيات حزب الله اللبناني وميليشيات أخري شيعية أفغانية. ويتفق الخبراء العسكريون، بما في ذلك الروس، علي أنه من المستبعد أن يستطيع الجيش النظامي السوري استعادة السيطرة علي البلاد بالكامل، وهو ما تستعد طهران للقيام به من خلال ميليشيات شيعية عربية أفغانية تحت قيادة موحدة بزعامة قاسمي سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني. صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقول إن حماية واشنطن للقوات الكردية في الرقة أمر غير قابل للنقاش لدي العسكريين الأمريكيين لا سيما مع تواجد مستشارين أمريكيين من كل المجالات لمساعدة الأكراد في إدارة ما يعتزمون إعلانه إقليماً ذاتياً، وفي كل مرة تتقدم القوات الموالية لإيران ناحية الرقة تتدخل الطائرات الأمريكية لإجهاض تحركها، هذا فضلا عن أن الفترة ما بين نهاية مايو وبداية يوليو شهد إسقاط طائرتين إيرانيتين بدون طيار ومقاتلة تابعة للجيش السوري بواسطة دفاعات الجو الأمريكية. ويمكن التأكيد أن إسقاط الجيش الأمريكي طائرة سورية حدث نادر في الحروب التي خاضها في الآونة الأخيرة، إذ إن هذه هي المرة الأولي منذ 18 عاما، فإن هذه ليست واقعة معزولة. واتسم رد فعل روسيا علي إسقاط الولاياتالمتحدة طائرة سورية بالغضب. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن الطائرة كانت تسقط قنابل قرب تحالف قوات سوريا الديمقراطية المدعوم من الولاياتالمتحدة وهو يجمع بين فصائل عربية وكردية تحارب داعش. وقالت موسكو إنها ستعامل طائرات التحالف التي تحلق غربي نهر الفرات في سوريا علي أنها أهداف محتملة وتتعقبها بمنظومات الصواريخ والطائرات الحربية. لكنها لم تذكر ما إذا كانت ستسقطها. فيما قال البيت الأبيض إن قوات التحالف الذي يحارب تنظيم داعش في سوريا تحتفظ بحق الدفاع عن النفس وأضاف أن الولاياتالمتحدة ستعمل علي أن تظل خطوط الاتصال مع روسيا مفتوحة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يري أن إيران هي المزعزع الأول للاستقرار في المنطقة، ويردد وزير خارجيته نفس الكلمات ولكن بنبرة لا تشجع علي التصعيد العسكري ضد نظام طهران، كتلك التي تتبناها إسرائيل والسعودية، في مواجهة أصوات أصولية متطرفة تري في سوريا المحافظة الإيرانية رقم 35.. وعلي غرار أوباما ركز ترامب علي داعش وأجّل مسألة مصير الأسد والتحالفات المتشابكة في المنطقة إلي وقت لاحق.