تحوّلت سوريا بوتيرة سريعة إلى منطقة حرة للجميع، ومجانية للجميع وسط احتمالات كبيرة لمزيد من الصدام بين القوى الإقليمية والدولية. وأشارت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية إلى أنّه خلال الأسابيع الخمسة الأخيرة ضربت مقاتلات التحالف الدولى بقيادة أمريكية وحدات عسكرية موالية للنظام السورى فى التنف قرب الحدود مع سوريا والعراق، كما أسقطت مقاتلة للجيش السورى فى منطق ملتهبة أخرى جنوب الرقة. ودفع الحادث الأخير لإيقاف موسكو تعاونها العسكرى مع أمريكا، وهدّدت باستهداف طائراتها داخل نطاق العمليات الميدانية الروسية فى سوريا. وتطرح المجلة الأمريكية تساؤلاتها حول سبب تلك التطورات المفاجئة الأخيرة، التى لا تستبعد نشوب مواجهة مباشرة بين الجانبين، كما تزايدت التوترات بعد تقرير واشنطن الأخير حول امتلاك النظام السورى أسلحة كيميائية بقعدة الشعيرات، محذّرة من الردّ فى حالة استخدامها.
وقالت "فورين بوليسى" إن إيران تسعى لتأمين ممر أرضى عبر شرق سوريا والعراق، يربط طهران، كما يريد نظام الأسد إعادة تعزيز تواجده على الحدود السورية الشرقية.
وأضافت أنّه على هذا النحو، تتقدم حالياً قوات النظام شرقاً على محورين، أحدهما من مدينة تدمر والثاني من جنوب حلب، ووقع الاحتكاك على المحور الثاني، حيث أغلقت قوات النظام المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية المدعومة من قبل أمريكا، مما تسبب فى الأحداث التى أدت إلى إسقاط مقاتلةسورية بالرقة.
كما أشارت المجلة الأمريكية إلى تطوّر نزاع جغرافى لا مفر منه واختبار الإرادة بين النظام وحلفاؤه المندفعين شرقاً إلى مناطق سيطرة تنظيم داعش، والمعارضة، الذين يسعون أيضا للسيطرة على مناطق التنظيم الإرهابى. ولفترة من الوقت، كان لواشنطن حلفائها اليد العليا بالصراع، وفي منتصف 2016، أقامت الولاياتالمتحدة قاعدة في منطقة التنف التي تقيم فيها قوات خاصة أمريكية بتدريب المعارضة، وأثار ذلك إمكانية توجّه قوات المعارضة بجانب الأكراد نحو وادي نهر الفرات، واستكمال غزو الرقة، وإثبات أنهم يسيطرون على الأراضي المعنية قبل أن تتمكن قوات النظام من تحقيق تقدم.
لكن ميليشيات الحرس الثورى الإيرانى وتنظيم حزب الله قررتا إغلاق الطريق أمام مساعى أمريكا وحلفائها بشكل حاسم، فقامت بالتوجّه نحو الحدود السورية - العراقية بطول شمال التنف، وتحرير تلك المناطق منتصف يونيو الجارى. ولفتت الصحيفة إلى إن إسقاط واشنطن للمقاتلة السورية فى الرقة، قد يؤدى على الأقل، إلى تحديد مناطق التحرّكات الجوية بين أمريكا وروسبا فى أجواء سوريا، نظراً لتعليق التعاون العسكرى، ولكن التنافس الحقيقى يبقى على الأرض، والذى ستحسمه معركة دير الزور الشرقية، التي تشكل جزءا كبيرا من الموارد النفطية السورية. وتواجه أمريكا تحديات حقيقية بعد تحذيرات روسيا باستهداف طائراتها غرب الفرات، مما يعني أن هذه المنطقة قد تضطّر للتنازل عنها في مجملها للنظام، لكن هل توافق واشنطن على ذلك، والالتزام بالواقع الجديد الذي تسعى روسيا لفرضه جواً، كما تسعى أيضاً إيران لفرضه على الأرض، أم أن واشنطن ستتحدى ذلك، والدخول فى مواجهة مباشرة محتملة، وليس هناك خيار ثالث.