انتهت اجتماعات اللجنة الوطنية الثلاثية بين مصر والسودان وأثيوبيا التي انعقدت مؤخرا في أديس أبابا بحضور ممثلي المكتبين الاستشاريين الفرنسيين »بي آر إل» و»أرتيليا» اللذين أعدا التقرير الاستهلالي الأول حول الآثار المترتبة علي قيام سد النهضة بالاتفاق علي مجموعة من الملاحظات الفنية للأخذ بها عند إعداد التقرير الاستهلالي النهائي الذي يتضمن بالأساس الدراسة الهيدروليكية للسد. حول الآثار السلبية التي قد تطال حصة مصر من مياه النيل عند ملء خزان سد النهضة وتساؤلات أخري ذات صلة أجرينا هذا الحوار مع د.محمود أبوزيد وزير الري والموارد المائية الأسبق رئيس المجلس العربي للمياه. • هل انتهت المشاورات بشأن سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا؟ - المناقشات والمداولات بين الأطراف الثلاث مستمرة ولم تنته بعد لأن موضوع سد النهضة به الكثير من الآراء والتعقيدات الفنية وبالتالي فإن الاجتماعات مستمرة لحين انتهاء المكاتب الاستشارية الفرنسية من عملها. والتقرير الذي تم إعداده من المكاتب الاستشارية الحالية ليس هو الأول من نوعه بل سبق أن قامت مجموعة من الخبراء تنتمي للدول الثلاث المعنية بسد النهضة وانضم إليهم خبراء دوليون بتقديم تقرير فني وهو الذي أوصي بأهمية استكمال بعض الدراسات الفنية بشأن السد. بعد انتهاء 60٪ من إنشاءات سد النهضة، ما تعليقك علي المخاوف المثارة عن الآثار السلبية المحتملة من تقلص حصة مصر من مياه النيل عند بدء الملء والتشغيل؟ - أصبح سد الهضة حقيقة واقعة ولا يوجد أي مجال لإيقاف العمل به ولكن من الممكن أن يتم عقد اتفاق مكتوب حول طريقة الملء والتشغيل بالأسلوب الذي لا يؤدي إلي وجود أي آثار سلبية علي كل من مصر والسودان ولا سيما أن ملء خران سد النهضة يجب أن يتم التوافق عليه بين الدول الثلاث وفقا لما نص عليه »إعلان المبادئ» الذي وقعه رؤساء الدول في مارس 2015 بالعاصمة السودانية الخرطوم. والدراسات الحالية التي يقوم بها الاستشاريون الفرنسيون تتعلق أساسا بالآثار الهيدروليكية والبيئية والاقتصادية ومقدر الانتهاء منها في غضون 11 شهرا من بداية عمل هذه المكاتب الاستشارية. ويعتقد الجانب الأثيوبي بأن عقد اتفاق بشأن تشغيل السد لن يكون إلا بعد انتهاء هذه الدراسات لاعتقادهم بعدم وجود آثار سلبية محتملة علي مصر والسودان من سد النهضة. هناك من يعتقد أن تأثير سد النهضة المحتمل علي السودان أقل من التأثير الذي قد تتعرض له حصة مصر من مياه النيل.. ما تعليقك؟ - من خلال الدراسات التي قام بها المصريون والسودانيون فإن الجانب السوداني يعتقد بأن سد النهضة قد يعود عليه ببعض المنافع والآثار الإيجابية من ناحية تنظيم مفترضات وخاصة بالنسبة للفترة التي يتعرض فيها لانخفاض مناسيب المياه بحيث تأتي المياه منتظمة للسودان طول العام وتحد أيضا من حدة الفيضان وفي تصورنا أن هذا صحيح وبالتالي فإن اهتمام السودان بالآثار الجانبية للسد ليس بقدر اهتمام مصر ولكن هذا لا يعني عدم اهتمام الجانب السوداني بالمشاركة في المباحثات واللجان الفنية بل هم مستمرون في المشاركة والجانب المصري يعمل علي التنسيق معهم حتي يكون هناك توافق بين الآراء المصرية والسودانية في هذا الشأن إلا أن مجمل القول أن سد النهضة لن يكون بنفس درجة الخطورة علي السودان مثل مصر. ولا شك أن سد النهضة سيكون له آثار سلبية ولكن ليس معروفا حجمها بالتأكيد قبل انتهاء الدراسات المقررة من المكاتب الاستشارية ومن ثم علينا المحاولة بالإسراع بإتمام هذه الدراسات حتي يمكن التوصل إلي اتفاق بأسرع وقت ممكن حول كيفية الملء والتشغيل وفقا لاتفاق المبادئ الموقع في الخرطوم في مارس 2015. مصر انسحبت من قبل من اتفاق عنتيبي وهناك قمة مقترحة لدول حوض النيل وأعلنت أوغندا تأجيل انعقادها لحين إقناع مصر بالعودة مجددا للاتفاق.. فما شروط مصر للعودة لعنتيبي؟ - شروط عودة مصر لاتفاق عنتيبي هي أن يتم النص في الاتفاقية علي حصص مصر والسودان التاريخية في مياه النيل وعدم المساس بها وفي هذا الإطار نادي الرئيس عبدالفتاح السيسي في اجتماعاته مع الجانب الأوغندي بأهمية عقد اتفاق قمة لرؤساء دول حوض النيل وقد سلم وزير الخارجية سامح شكري الرئيس الأوغندي أخيرا رسالة حول هذا الشأن. وفي تصوري أن مشكلة العودة لاتفاق عنتيبي لن تكون هي الموضوع الوحيد المطروح علي أجندة القمة المقترحة بل سيكون مسألة دعم التعاون بين دول حوض النيل بصفة عامة وكيفية حل كافة الأمور المعلقة بين دول الحوض هي الأساس الرئيسي في أجندة القمة. لكن ماذا بشأن البدائل المطروحة لسد احتياجات مصر المائية في ضوء احتمال نقص الحصة الواردة من المياه أو ثبات الحصة مع الارتفاع المتزايد في حجم السكان؟ - إذا ماكان هناك احتمال لتعرض مصر لنقصان في التصرفات المائية سواء كان من الآثار الجانبية لسد النهضة أو نتيجة لآثار انخفاض منسوب الفيضان خلال فترات الجفاف فإن السد العالي تم إنشاؤه كخزان قرني لمواجهة هذه الظروف ولكن إذا ماطالت فترات الجفاف لمدة سنوات متتالية سيكون هناك خطورة بعدم إمكان المخزون في السد العالي مواجهة هذه الانخفاضات ومن هنا فلابد من الآن اتخاذ إجراءات احتياطية في مواجهة الآثار المحتملة من نقصان المياه أو لسد الفجوة مابين احتياجات الزيادة السكانية من المصادر المائية. وأوضح هنا أن وزارة الري والموارد المائية لديها استراتيجية للموارد المائية حتي عام 2050 والتي تتضمن عددا من الإجراءات تمس ترشيد استخدامات المياه في القطاعات المختلفة وكذلك التوسع في استخدام الموارد المائية غير التقليدية وأهمها مشاريع تحلية المياه والتوسع في هذا البرنامج الذي يعتبر المجال الرئيسي الذي تنفذه دول الخليج والسعودية في مواجهة احتياجاتها المائية، وتشمل الموارد المائية غير التقليدية أيضا إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي المعالج ، والدولة ممثلة في وزارتي الإسكان والري لها خطط في هذا المجال. من ضمن هذه المجالات أيضا إعادة استخدام المياه الجوفية سواء العميقة غير المتجددة أو المياه الجوفية المتجددة وأمامنا المثال الرئيسي مشروع المليون ونصف المليون فدان الذي يعتمد علي المياه الجوفية العميقة.. والشكل الآخر من المياه غير التقليدية هو ما يسمي بحصاد المياه في أماكن السيول والأمطار الموسمية فلابد من حصد هذه السيول والأمطار واستغلالها بالأسلوب الأمثل.. أما فيما يتعلق بتوفير البدائل عن طريق مياه النيل فهناك مجال يعتمد علي الاتفاق مع الدول المعنية وأهمها جنوب السودان وهناك دراسات تشير إلي إمكانية استقطاب جزء من الفواقد في منطقة جنوب السودان بما يقدر ب18مليار متر مكعب وهذه الدراسات تتواجد من فترة كبيرة في وزارة الري والموارد المائية. هل هناك وسائل أخري غير تقليدية لتوفير المياه؟ - بالتأكيد، وهي وسائل متاحة مثل حسن الاستثمار للمياه الافتراضية والتي تعني استيراد المياه في صورة منتجات زراعية وغيرها أي أنه بدلا من التوسع في زراعة المحاصيل المرتفعة في استهلاك المياه كالأرز وقصب السكر يمكن استيراد هذه المحاصيل من الخارج فهذه المحاصيل تستخدم مياها تعرف بالمياه الافتراضية أي أنه يتم إعادة التركيب المحصولي بما يسمح بزراعة محاصيل اقتصادية في استخدامات المياه. لكن ماذا بشأن ما يتردد عن نوايا أثيوبية بإنشاء 4 سدود أخري في المستقبل علي النيل الأزرق؟ - أثيوبيا لديها خطة في إنشاء سدود أخري علي النيل الأزرق وهذا يمكن أن يؤثر علينا إذا لم نبادر بعقد اتفاقيات تحكم هذه السدود ولكنها سدود صغيرة مقارنة بسد النهضة ولكن لابد من المبادرة علي الاتفاق بشأن إنشائها وتشغيلها وإدارتها قبل البدء فيها.. أما بالنسبة لباقي دول حوض النيل في منطقة الهضبة الاستوائية فلا يوجد مقترحات بإنشاء سدود تؤثر علي استخدامات مصر من المياه.. وفي هذا السياق أوضح أن جامعة الفيوم ومعهد دراسات حوض النيل بالتعاون مع عدد من الجامعات والخبراء ومن بينهم خبراء المجلس العربي للمياه كانوا قد أعدوا دراسة وافية لسد النهضة الأثيوبي والآثار المترتبة عليه وخاصة في مجالات الزراعة والكهرباء والصناعة وهذه الدراسة تم تقديمها لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والوزارات والأجهزة المختصة لتكون مرجعا هاما للجانب الأثيوبي حول كافة الأمور المتعلقة بسد النهضة حتي يتم التوافق بين كافة الأطراف المعنية حول الأوضاع التي تصون حقوق الجميع ودون الإضرار بمصلحة أي طرف.