إنه بحق يوم حزين ذلك الذي شهدته مدينة الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط في الساعات الأولي من صباح أول أيام العام الميلادي الجديد 2011 عندما انفجرت عبوة ناسفة شديدة الانفجار يحملها أحد الأفراد الذي مازالت هويته مجهولة حتي اليوم لكي تحدث دمارا هائلا في كنيسة القديسين بمنطقة سيدي بشر وتحصد أرواح 23 مواطنا مصريا بريئا كما تخلف وراءها أكثر من 70 مصابا من الإخوة الأقباط لحظة خروجهم من الكنيسة بعد الانتهاء من فريضة الصلاة في الساعات الأولي من العام الجديد بالإضافة إلي عدد من المسلمين من أفراد الحراسة علي الكنيسة. والحقيقة أن هذه العملية الإرهابية الإجرامية سواء من قاموا بها أو خططوا لها لم تستهدف فقط الإخوة الأقباط في يوم عيدهم كما يشاع بل كانت تستهدف أمن واستقرار هذا البلد من خلال محاولة إشاعة الفتنة وإحداث الوقيعة بين أقباط مصر ومسلميها الذين عاشوا مع بعضهم البعض علي مدي قرون طويلة في أمن وسلام وإخوة صادقة مكونين نسيج هذه الأمة المتين. كل الدراسات والأبحاث تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الإرهاب هذا الخطر الأعمي لادين ولا وطن له قد أصبح ظاهرة عالمية تعاني منها كل الدول والشعوب وهو مادعا الرئيس حسني مبارك لأن يطلق نداءه الشهير منذ أكثر من عشر سنوات.. بضرورة عقد مؤتمر دولي للإرهاب برعاية الأممالمتحدة يتم خلاله التوصل إلي تعريف محدد ودقيق للإرهاب ومن ثم الاتفاق علي أساليب مكافحته والحد من أخطاره بصورة جماعية بمشاركة كافة الدول والأنظمة والمؤسسات الدولية والإقليمية وحماية المجتمع المدني. وللأسف الشديد فإن هناك في المجتمعات الغربية من يحاول إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام وهو ما يتنافي مع الحقيقة ذلك أن الإسلام دين محبة وسلام كما أن وسطية الإسلام لا تترك مجالا للتطرف. إن أولئك الذين يقومون بمثل هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية مستبيحين دماء الأبرياء سواء مسلمين أو مسيحيين أو غيرهم من البشر هم بكل تأكيد أعداء الإسلام ويسيئون إليه أبشع إساءة كما أن الإسلام منهم براء ومصيرهم نار جهنم وبئس المصير.. ولقد استهدف الإرهاب علي مدي السنوات الماضية العديد من الرؤساء والزعماء وشخصيات مرموقة دينية وفكرية مسلمة أو مسيحية أو حتي بوذية. وأود أن أشير هنا بداية إلي عملية اغتيال الزعيم الراحل محمد أنور السادات رجل الحرب والسلام يوم السادس من أكتوبر عام 1981 وهو الرجل الذي حقق لمصر إنجازات ضخمة في مختلف المجالات وكانت له آمال وطموحات عظيمة في تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط .. وقد حظيت توجهاته هذه بحب وتقدير شعبه بل وكافة شعوب وزعماء العالم.. وكذلك اغتيال رجل الدين الإسلامي المستنير الشيخ الذهبي بأيد إجرامية آثمة بسبب مواقفه الإسلامية السمحة الواعية ومناهضته للتشدد الديني والفكري وأيضا اغتيال المفكر الليبرالي فرج فودة. ولقد اهتز العالم كل شرقه وغربه يوم 26 أكتوبر 1954 علي نبأ محاولة إغتيال الزعيم جمال عبدالناصر في ميدان المنشية بمدينة الإسكندرية وذلك برغم كل ما حققه ليس فقط لمصر وإنما لكافة بلاد العالم الثالث حيث ساهم في تحرير العديد من دول هذه المنطقة من براثن الاستعمار حتي الأديب العالمي نجيب محفوظ الحائز علي جائزة نوبل في الأدب والذي يعد مفخرة لكل العرب والمسلمين من خلال رواياته وقصصه الرائعة لم يسلم هو أيضا من شر الإرهاب الأعمي حيث كان أحد أهداف أولئك الجهلة الحاقدين الذين لا يريدون خيرا للإنسانية. وكذلك اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق. كانت هذه بعض نماذج من المسلمين الذين سقطوا ضحايا للإرهاب أو كادوا وعلي الجانب الآخر كان مصرع الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي (46 عاما) رئيس أكبر دولة في العالم بعد إطلاق النار عليه يوم 22 نوفمبر 1963 برغم كل احتياطات الأمن التي تتخذ لحماية رؤساء أمريكا ومازالت أسباب ودوافع هذا الحادث لغزا حتي الآن وكذلك محاولة اغتيال بابا الفاتيكان في 13 مايو 1981. كذلك كانت محاولة اغتيال وزير الداخلية الألماني الأسبق شويبله أحد زعماء الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم والذي مازال يتنقل علي كرسي متحرك. أما يورجن ميللمان زعيم حزب الأحرار الديمقراطي الألماني الأسبق فقد لقي مصرعه إثر هبوطه بالباراشوت الذي لم ينفتح ليسقط جثة هامدة علي الأرض حيث أشارت أصابع الاتهام وقتها إلي عناصر صهيونية وذلك بسبب صداقاته وميوله للعرب وقضاياهم.. وأخيرا محاولة اغتيال عضو الكونجرس الأمريكي قبل ثلاثة أسابيع. من هذا كله يتأكد لنا أن الإرهاب الذي أصبح وباء كارثيا يصيب البشرية في كل مكان وزمان لا دين ولا وطن له وهو مايؤكد أيضا أن حادث كنيسة القديسين هو عمل إرهابي جبان الهدف الأساسي منه هو زعزعة أمن واستقرار هذا البلد وإثارة الفتنة بين أبنائه بمختلف طوائفهم ودياناتهم. إن عمليات التصنيف للدين هذه هي ظاهرة جديدة لم نكن نعرفها هنا في مصر من قبل كما أن الاحتقان والفتنة الطائفية سببها الجهل وعدم المعرفة ذلك أن الدين الإسلامي الحقيقي هو دين المحبة والسلام والوئام لأنه يعترف بكل الأديان السماوية ويدعو إلي احترامها بل وتقديس أنبيائها كما أن هناك العديد من المسلمين الذين يحملون أسماء موسي وعيسي ومريم. وفي النهاية أود أن أؤكد ضرورة التوعية الدينية وخاصة منذ السنوات الأولي لأطفالنا سواء في مدارسهم أو داخل بيوتهم وأماكن تجمعهم في النوادي ومراكز الشباب.. كما أن هناك دورا هاما في هذا المجال يقع علي وسائل الإعلام وخاصة برامج التوك شو التي باتت تلعب دورا هاما ومؤثرا هذه الأيام في صياغة وجدان الشباب مع ضرورة العمل علي اتزان الخطاب الديني سواء الإسلامي أو المسيحي وتوجيه الشباب إلي أننا أمة واحدة ونسيج واحد منذ آلاف السنين. وفي هذا الإطار فإننا نحذر وبكل قوة من ضرورة مراقبة القنوات الدينية والحد من جنوحها.. لقد انتفضت مصر كلها عن بكرة أبيها بكل طوائفها ليلة الأول من يناير 2011 تندد وتستنكر بشدة هذه العملية الإجرامية المروعة وتدعو إلي ضرورة اتخاذ الحذر حتي لاينال هؤلاء المجرمون الآثمون ما يهدفون إليه من زعزعة أمن واستقرار هذا البلد وبث الفتنة بين أبنائه.