حلم الفتيات بالزواج والفوز بشريك حياة قبل الوقوع في فخ العنوسة، جعل الكثير من بنات حواء عرضة لعمليات نصب تقوم بها شبكات اصطياد الفتيات بدعوي توفير فارس الأحلام، مقابل تحصيل مبالغ مالية طائلة منهن لتحقيق رغبتهن في الزواج وتحقيق حلم الأمومة، وهي في نهاية المطاف مجرد خدعة كبيرة. الخدعة الجديدة أو بالأحري عملية النصب تمثلت في انتشار مكاتب لتسهيل زواج المنتقبات حيث تستخدم شعار الدين والعفة من أجل جذب أكبر عدد من الفتيات للإيقاع بهن في الفخ، والحصول من ورائهن علي مبالغ مالية كبيرة، خاصة أن استخدام ستار الدين يمكن أن يكون عنصر جذب كبيرا لدي الكثير من الفتيات. ترفع شعار الدين وملء استمارة مواصفات العريس ب200 جنيه خبير نفسي: لا يصح تحويل الزواج إلي سلعة للعرض أو الطلب "آخرساعة " عاشت التجربة، والبداية كانت من خلال إعلان في ميدان عبدالمنعم رياض وسط القاهرة، يحتوي علي رقم مكتوب بخط كبير من المستحيل أن تمر بجواره ولا تراه، ومدون تحته الإعلان عن مكتب لزواج المنتقبات، اتصلنا بالرقم فردت سيدة علي الهاتف تستخدم كلمات تعبر عن التدين الشديد وحسن الخلق، سألت عن مواصفات العريس، وبعد تحديد المواصفات لها، طلبت مبلغ 200 جنيه ترسل علي حساب بنكي، كخطوة أولي مقابل ملء الاستمارة، وتحديد المواصفات المطلوبة. علمنا من هذه السيدة أنه بعد تحويل المبلغ سيقوم المكتب برحلة البحث عن الشخص المناسب لكي يتم اللقاء بين الطرفين، وكل خطوة ستتم ستكون بمقابل مادي، وبعد إتمام الزواج سيكون هناك مبلغ ألفي جنيه أخري. وفور علمها بأن "الزبون" المتقدم للطلب شاب يعمل في منصب حكومي كان هناك إلحاح منها في الاتصال مرارا وتكرارا وأبدت اهتماما كبيرا بالحالة، خاصة بعد إقناعها بأن المرتب الذي يحصل عليه شهرياً كبير، وبدأنا نتبادل الاتصالات لكي تعرض علينا أسماء أشخاص ووظائفهم، وكل خطوة كانت تتطلب مبلغا جديدا، وهنا أدركنا حقيقة الأمر وأنها مجرد عملية للنصب علي الفتيات والشباب علي طريقة "الضحك علي الدقون". وفقا لما تم رصده هناك ما يقرب من 11 مكتبا للترويج للفكرة يتم الإعلان عنها بالكتابة علي الحوائط في ميادين مصر المختلفة خاصة بجوار المساجد الكبيرة، لترسيخ فكرة إن الخطوات كلها ستتم تحت شعار الدين، وبدون أن تقع الفتاة في فخ النصب. المكتب يتلقي ما يقرب من 20 استمارة طلب زواج يوميا، يتراوح ثمنها ما بين 100 إلي 200 جنيه حسب إمكانيات الفتاة التي تتقدم لملء الاسثتمارة، والمكتب لا يشترط إذا كانت الفتاة منتقبة أو لا، رغم أنه يرفع شعار "مكاتب لزواج المنتقبات". العبث بأحلام البنات الصغيرات في الزواج والرغبة في الأمومة جعلهن يقعن فريسة سهلة في أيدي هذه المكاتب التي تبيع الوهم للفتيات، خاصة الفتيات اللواتي تجاوزن 30 عاماً من أعمارهن، خوفاً من أن يداهمن شبح العنوسة. الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، كشف وفقا لآخر إحصائياته عن تفاقم مشكلة العنوسة، إذ بلغ عدد العوانس 11 مليونًا، فيما كشفت إحصائيات رسمية انتشار العنوسة، حيث إن هناك 13 مليون شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم 35 عامًا لم يتزوجوا، منهم 2,5 مليون شاب و11 مليون فتاة فوق سن ال 35 ومعدل العنوسة في مصر يمثل 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر، وتختلف من محافظة لأخري، فالمحافظات الحدودية النسبة فيها 30%? نظرًا لعاداتها وتقاليدها، أما مجتمع الحضر فالنسبة فيه 38% والوجه البحري 27,8% كما أن نسبة العنوسة في الوجه القبلي هي الأقل، حيث تصل إلي 25% ولكن المعدل يتزايد ويرتفع في الحضر. استطلعنا آراء الشباب حول مكاتب الزواج، حيث تقول مني محمد (22 عاما) إن مثل هذه المكاتب تشهد إقبالا من جانب الشباب خاصة المنتقبات أو المحجبات، حيث يروينها وسيلة تحفظ لهن كرامتهن ، ولكن في الحقيقة يوجد بها إهانة للمرأة لأنها تجعلها وسيلة للعرض والطلب، فضلا عن كونها تجعلها فريسة لشركات النصب والوهم. وتتفق معها في الرأي سها إبراهيم (21 عاما) قائلة: تأخر سن الزواج، والمخاوف من الوحدة والعنوسة يجعل الفتيات يبحثن عن كل الطرق التي تؤهلهن للزواج ، مما يجعلهن يقعن في براثن مكاتب النصب، مشيرة إلي أن هذه المكاتب ليست فقط تنشر أرقامها في الشوارع، لكن أيضا تجدها علي صفحات التواصل الاجتماعي حتي تجذب أكبر قدر من الشباب، وترفع شعار الدين حتي تجذب أكبر عدد منهم. بينما تري مها محمد (25 عاما) أن الزواج الآن أصبح صعبا خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها الآن ، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب ، فضلا عن ارتفاع سن الزواج مما يجعل الفتيات يلجأن إلي أي وسيلة يمكن من خلالها أن يتزوجن حتي لو كانت وسائل رخيصة يوجد بها مهانة للفتيات، وقد تجعلها تتعرض للنصب أو تتعرض لأي مشاكل، مشيرة إلي أن هدف هذه المكاتب في النهاية هو النصب وتحقيق المكاسب والأرباح علي حسب أحلام الفتيات. الأخصائية النفسية إلهام سعادة، تحدثت عن خطورة هذه المشكلة، ومدي تأثيرها علي المجتمع قائلة: إن هناك ارتفاعا كبيرا في نسبة العنوسة داخل المجتمع، خاصة في الأوساط الراقية، فمع ارتفاع مستوي التعليم تزداد متطلبات الفتاة، ما يجعلها تقع في براثن العنوسة، مشيرة إلي أنه في الطبقات المتوسطة والفقيرة يكون هناك ضغط من قبل الأسرة علي الفتاة مما يجعلها تبدأ في رحلة البحث عن شريك الحياة سواء من خلال مكاتب الزواج أو من خلال صفحات التواصل الاجتماعي أو من خلال الخاطبة. وتوضح أن انتشار ظاهرة مكاتب الزواج بات خطرا حقيقيا يهدد الفتيات ويجعلهن يقعن فريسة للنصب، لأن اختيار شريك الحياة لا يمكن أن يكون مجالا للعبث أو الاختيار من خلال تحديد المواصفات، أو ملء استمارة، وإنما سيكون من خلال تعارف متبادل ومعرفة صفات وعادات وتقاليد، لأن الزواج والحياة بين الزوجين ليست يوما أو اثنين يقضيهما الطرفان معا، وإنما عشرة وحياة طول العمر، وبالتالي يجب أن تُبني علي قواعد ومعانٍ كثيرة. بينما يقول أستاذ الطب النفسي الدكتور سعيد عبدالعظيم، إن الزواج أمر مقدس لا يصح العبث به أو تحويله إلي سلعة للعرض أو الطلب، وإنما فكرة تقوم علي الحب والتفاهم المشترك، مشيرا إلي أن مكاتب الزواج التي تستخدم شعار الدين تلعب بأحلام الفتيات وعقولهن وأفكارهن، خاصة في ظل انتشار معدلات العنوسة في مصر وارتفاع سن الزواج. ويشير إلي أن الزواج له قواعد وأسس لا يمكن اختزالها في ملء استمارة أو في مكتب للزواج أو ملء بيانات وتحديد مواصفات للزواج، ولا يجب استخدام شعار الدين في مثل هذه المكاتب لأن الدين يترفع عن مثل هذه الأفعال. ونصح الفتيات بعدم الانسياق وراء هذه المكاتب لأن الزواج لا يمكن أن يتم بمثل هذه الطريقة، وحتي لا يقعن في شراك النصب. في حين يري أستاذ الشريعة الإسلامية الدكتور أحمد كريمة، أنه لا يجب علي مكاتب الزواج أن تعبث بأحلام الشباب لأن العبث بأحلام الزواج حرام في الإسلام ، ولا يجب علي مثل هذه المكاتب استخدام شعار الدين، لأن الدين أسمي بكثير من استخدامه في مثل هذه المكاتب لإيقاع الفتيات في فخ النصب، ولا يمكن أن تتحول الفتاة إلي سلعة للعرض، فلا بد للفتاة أن تحمي نفسها وتستخدم عقلها حتي لا تقع فريسة لمكاتب النصب والوهم. ونصح الآباء والأمهات بعدم المغالاة في المهور والطلبات حتي يتم إتمام الزواج، فإذا جاء من يحافظ علي الفتاة ويحميها ويكون سندا لها في الحياة فيجب علي الآباء أن ييسروا الزواج ولا يعسر . يتفق معه في الرأي إمام وخطيب مسجد الحسين الدكتور أسامة الحديدي، قائلا: استخدام شعار الدين لإيقاع الفتيات في الفخ والحصول منهن علي مبالغ كبيرة للنصب عليهن حرام، ويجب علي مثل هذه المكاتب أن تراعي الله في الفتيات، ولا تستخدمهن كوسيلة للحصول منهن علي مبالغ كبيرة. ويشير إلي أن الزواج له مقومات وأسس يجب أن تكون موجودة به، ولا يجب أن يتحول إلي سلعة للعرض والطلب، موضحا أنه لابد علي كل فتاة مهما تأخر عمرها في الزواج أن تستخدم عقلها حتي لا تقع فريسة سهلة في أيدي الطامعين.