صعوبة التعارف، فضلا على ارتفاع أسعار الشقق فى ظل تشبث الطرفين بمواصفات خيالية، جعل مشكلة تأخر سن الزواج من أهم المشكلات التى يمر بها المجتمع، لذلك ظهرت بعض المحاولات للمساهمة للتوفيق، فظهر لبعض المساجد دور للمساهمة فى حل المشكلة، بالإضافة إلى بعض الجمعيات الأهلية التى بدأت خطوات فى هذا المجال. رحلات التعارف أولى هذه الجمعيات جمعية "الحياة الفاضلة"، فرغم أنها لم تكمل عامها الثانى إلا أن بداية نشاطها فى مجال التوفيق كان منذ أربع سنوات عندما كانت مكتبا للتعارف للمقبلين على الزواج، لكنها تحولت إلى جمعية أهلية لمزاولة النشاط نفسه إلى جانب الأنشطة الخيرية؛ حيث فضلوا أن يُكوّنوا جمعية أهلية مُشهّرة، تعمل تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى لضمان الجدية والثقة بعد أن عانت من تجربة المكاتب الخاصة للتوفيق وتجاوزاتها؛ حيث أصبحت عملية تجارية للنصب على الناس والتلاعب بمشاعرهم. فجمعية "الحياة الفاضلة" تقوم بتنظيم التعارف للمقبلين على الزواج الذين ليس لهم علاقات اجتماعية تتيح لهم الاختيار حسب رغباتهم وحسب السن والصفات الشكلية والأخلاقية والتعليمية والبيئية، كما تخدم الأقباط وذوى الاحتياجات الخاصة. ما يميز الجمعية هو الجدية وتوفيرها خدمة شريك الحياة لأعضاء الجمعية فقط، وذلك من خلال اشتراك العضوية فى الجمعية، فضلا على الطريقة المتميزة التى تستخدمها لتسهيل التعارف من خلال تنظيمها رحلات ترفيهية وحفلات شاى للتعارف بين أعضاء الجمعية وندوات ثقافية تهتم بتقديم معلومة عن كيفية اختيار شريك الحياة. وذلك بعد ملء استمارة بها البيانات الشخصية داخل الجمعية تشتمل على الاسم والسن والحالة الاجتماعية والمستوى الاجتماعى ومكان السكن والمؤهل الدراسى والعمل، فضلا على السمات الشخصية والمواصفات المطلوب توافرها فى شريك الحياة. وإلى جانب تنظيم التعارف، ترغب الجمعية فى تنفيذ بعض المشروعات الخيرية مثل: تقديم بعض المساعدات المادية للفقراء وتنظيم رحلات حج وعمرة وتحفيظ قرآن ولكن يقف التمويل حائلا دون تنفيذ تلك الأعمال. فوارق سنية وفى أثناء الزيارة التى قمنا بها للجمعية، لاحظنا أن أغلب الرواد من كبار السن، لذلك فإن معظم الزيجات التى تتم فى الجمعية تكون على مستوى الزواج الثانى، أى بين المطلقين والمطلقات فضلا على بعض الشباب، وإن كانت نسبتهم أقل، إلا أنهم متمسكون بالتجرية وسعداء بها لأنهم يدركون أن التأخير من جانبهم بسبب المواصفات الدقيقة التى يرغبون فيها، سواء من جانب الفتاة التى تريد الشاب الذى يحقق طموحاتها أو الشاب الذى يريد الفتاة ذات الجمال، فكل منهما يضع صفات لا يتنازل عنها لذلك فأحيانا يستغرق الطرفان مدة طويلة دون التوفيق. التقينا أحد المتقدمين للجمعية الذى يبلغ من العمر 52 عاما ومطلق، ويرغب فى الزواج للمرة الثانية، وعن سبب توجهه إلى جمعية الحياة الفاضلة، أجاب أنه يريد الزواج للمرة الثانية، ولكن ليس لديه أى نوع من أنواع التعارف الاجتماعى التى تتيح له الاختيار لأنه تعلم من تجربته الأولى أهمية الاختيار والتدقيق فيه لذلك فرغم أنه يختار منذ أكثر من عام إلا أنه سعيد بالتجربة لأنها توفر له الاختيار. بجانب تجربة "الحياة الفاضلة" توجد تجربة جمعية "عمر مكرم"؛ حيث يتحدث عنها الشيخ عبد الحفيظ المسلمى -رئيس الجمعية وإمام وخطيب مسجد الفتح- قائلا: إن تيسير الزواج أصبح فريضة فى هذه الظروف، مشيرا إلى أهمية العمل التطوعى لحل مشكلة تأخر الزواج بعيدا عن مكاتب التوفيق التى تستغل حاجة الناس والنصب عليهم والحصول على المال، والدليل على ذلك نجاح التجربة فى عمر مكرم الذى كان بسبب وجود كفاءات ومتطوعين قائمين على الأمر مجانا؛ حيث تم توفيق أكثر من 1600 حالة منذ بداية عمل الجمعية منذ 15 عاما، فضلا على جانب السرية التامة حيث يتم تخصيص 3 أيام فى الأسبوع للفتيات وثلاثة أيام أخرى للرجال وذلك لاستقبال الطلبات الخاصة من خلال استمارة. مواصفات خيالية يلوم المسلمى تردد الناس فى الاستعانة بالجمعية من أجل التوفيق، مستشهدا بأحد المواقف لأب لثلاث بنات كان يستشيره بشأن تأخرهن فى الزواج وتخوفه من وجود عائق؛ حيث اقترح عليه الاستعانة بالجمعية، ولكن الأب رفض، وبعد محاولات من الزوجة اقتنع وبالفعل تزوجت بناته، وآخر جاء بابنته عندما تجاوزت السابعة والثلاثين وهى ذات منصب وجمال ودين والسبب فى تأخرها كان إصرارها على المواصفات الخيالية؛ لذلك يؤكد أن السبب فى وجود ظاهرة تأخر الزواج هى المواصفات الخيالية والعادات والتقاليد والغلاء بسبب البعد عن الدين سواء من جانب أولياء الأمور أو من جانب الشباب؛ فالفتاة تريد من يحقق طموحاتها المادية والشاب كذلك، فضلا على تركيزه على جمال الفتاة كمعيار أساسى للاختيار. وفى النهاية يقترح المسلمى أن تكون هناك جهة أو مؤسسة مسئولة فى كل قرية أو حى تقوم بتنظيم التكافل الاجتماعى من خلال تنظيم عملية دفع الشباب لمبلغ شهرى من أجل مساعدته فى الزواج. أما الجمعية الشرعية التابعة لمسجد الاستقامة، وعمرها 8 سنوات، فتقوم بتوفيق حالة زواج كل 3 أسابيع، وأغلب المتقدمين لها هم من فى سن الثلاثين، ونسبة ضئيلة لأقل من 25 عاما وبعد الأربعين. ولكن تعود المشكلة ذاتها لتكون عائقا أمام تيسير الزواج؛ فأغلب المتقدمين من الفتيات فوق الثلاثين والرجال الذين فى السن نفسها يفضلون الفتاة الأصغر سنا، أما الرجال فوق الأربعين فيريدون التعدد، فغالبا ما يكون متزوجا أو مطلقا؛ لذلك لم يتبق إلا الرجل المتزوج أو المطلق أمام الفتاة التى تجاوزت الثلاثين، وهذا لا يكون مُرضيا بالنسبة لها لذلك فقد شَعُرت بسخط من الفتيات حيث لم تجد الشخص المناسب فضلا على طول الوقت.