الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الأسرة المصرية حالياً، أدت إلي زيادة معدلات العنف بصورة مخيفة، والذي يدفع الثمن في نهاية الأمر هو الطفل الذي لم يعد آمنا بداخل أسرته، بل تحول الآباء إلي وسيلة لتعذيبه، حيث انتشرت مؤخرا صور وفيديوهات علي مواقع التواصل الاجتماعي لآباء يهددون أبناءهم بأسلحة وآلات حادة لإجبارهم علي استذكار دروسهم. الدكتور سعيد عبدالعظيم: الطريقة التي يتعامل بها الآباء مع أبنائهم تنعكس علي شخصيتهم أبرز هذه الصور لأب يستخدم الرشاش لتهديد طفله، وأخري تمسك ب"الشبشب" لتهديد أبنائها، وأخري تمسك "فأساً" لتهديد الأطفال وحثهم علي المذاكرة، وكل هذه الصور أثارت انتقادات واسعة. استمعنا إلي حكايات داخل عدد من الأسر عن عنف الآباء تجاه الأبناء. تحكي الطفلة دنيا - 12 عاما - أن والدها انفصل عن والدتها منذ 5 سنوات، والدتها رفضت الزواج، والدها كان يقسو عليهم وكان يضربها ويعاملها أسوأ معاملة، كان مدمنا للمخدرات، وكان يضرب والدتها باستمرار ويقسو عليهم حتي قررت والدتها الانفصال عنه. تقول: "كان نفسي أحس بحنية والدي علينا، ساعات أحس إني محتاجة له كتير ومش بلاقيه جنبي"، مشيرة إلي أن والدتها تتحمل مسئوليتهم بالكامل هي وأخواتها، وتضيف: كنت أتمني أن يساعدني والدي في دراستي ويقف بجانبي، ولكن كان دائما ما يضربني ويقسو عليّ عندما لا أنجح بنتيجة ترضيه. مها إبراهيم - 14 عاما - قالت إن والدها كان لا يحب إنجاب البنات، ونحن ثلاث بنات، والدي كان يعاملنا أسوأ معاملة، وكان يضربنا ويقسو علينا، وترك أمي في نهاية الأمر وسافر إلي السعودية وتزوج من امرأة أخري وهجرنا، وتركنا بدون رعاية. تتابع: "نحتاج إلي حنان الأب ولانجده، كما أن والدي تركنا دون أن يصرف علينا، وأمي تعمل في مهنة متواضعة كي تربينا". الطفلة سمر - 11 عاما - تقول إن والدتي تزوجت من والدي لمدة عامين، تركتني لوالدي بعد الطلاق، ووالدي هو من يتولي تربيتي.. تركتني وتزوجت من رجل آخر، دون أدني اهتمام، لم أشعر بحنان الأم حتي الآن، وكثيرا ما أحتاج إلي مساعدتها ولا أجدها. وتضيف: "أنا مش عارفة ليه ماما مش بتحبني". فيما يقول محمد - 11عاما - إن والدي دائما ما يقسو عليّ ويضربني ويعاملني أسوأ معاملة، بحجة أن يجعل مني رجلا، والقسوة هي التي ستجعل مني رجلا.. والدي دائما ما يضربني ويسبني بأبشع الألفاظ، وأمي لا تقوي علي فعل شيء أمام عنفه ومعاملته السيئة، علي العكس كان يعامل أختي معاملة طيبة، حتي ولّد لديّ شعوراً بالقهر والعنف. ويشير إلي أنه دائم الضرب لي حينما لا أحصل علي درجات ترضيه، يزداد عنفه تجاهي، وحينما يدخل البيت ولا يجدني أمام الكتاب، يضربني ويسبني بأبشع الألفاظ ، كما أنه لا يمنحني وقتا للراحة، ولكن الضرب وسيلته الدائمة في التعامل معي. خبراء علم الاجتماع أكدوا أن الطفل بات يتعرض للعنف داخل المجتمع بشكل وحشي ومبالغ فيه، كما أن تربية الطفل باتت تعتمد علي العنف بدرجة كبيرة مما خلّف أطفالا سلوكهم عنيف، فضلا عن انتشار الجرائم بين الأطفال، فالطفل نعمة من الله عز وجل إلي الآباء والآمهات عليهم الحفاظ عليهم ورعايتهم، وعدم إيذائهم سواء نفسيا أو بدنيا. تقول الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع: يجب علي الآباء والأمهات تربية أبنائهم بشكل سليم حتي ينشأوا نشأة سوية، وأن تقوم التربية علي الحنان والاحترام، وحتي إن كان هناك عقاب فإن العقاب لابد أن يتم بدون عنف وأن يكون خصاما فقط، حتي لا يتعرض الأطفال لأي أذي نفسي. تتابع: الطفل لابد أن يعامل معاملة خاصة تكون الحماية والرعاية أساسها لأن الطفل هو عماد المجتمع فيما بعد. ومؤخرا، كشفت دراسة علمية أن الأطفال يفقدون الثقة في الأب والأم وفيمن حولهم إذا تعرضوا للعنف وشعروا بقسوة الآباء، أو حرمانهم من الإحساس بالأمان والشعور بالحنان والعطف الذي يحتاجونه، أو أن يشعر الطفل بعدم الاحترام ممن حوله أو أنه طفل غير مرغوب في وجوده داخل المجتمع، كل هذا يخلق أطفالا غير أسوياء يفقدهم التفاؤل والتسامح، والطمأنينة والشعور بالسعادة. الدراسة كشفت أن إهمال الآباء لأبنائهم يعود إلي أسباب كثيرة أبرزها أن تمنح الزوجة علي سبيل المثال الرعاية والحب لطفلها وأن تنشغل به عن زوجها مما يولِّد داخل الأب إحساسا بالغيرة وقد يؤدي إلي نوع من القسوة علي الطفل، وسوء معاملة له مما يجعل الأب قد يكون سببا في إهمال الطفل وإهمال لتغذيته، أو مراعاة صحته، أو تعنيفه وتهديده، أو حرمان الطفل من حقه في التقدير والإحساس بأنه مرغوب فيه. كما أوضحت الدراسة أن الأبناء الذين يعاملهم آباؤهم بطريقة تربوية سليمة يشعرون بالحرية النسبية وبالدفء في الأسرة، وبالتالي فهم يشعرون بالسعادة والطمأنينة. في حين، يقول الدكتور سعيد عبدالعظيم أستاذ الطب النفسي إن الطفل تتشكل شخصيته في السنوات الأولي من ميلاده، والشخصية يتم تشكيلها بناء علي المعاملة التي يتلقاها الطفل، فإذا تعامل الآباء مع الطفل معاملة حسنة نتج عن ذلك طفل سوي محب للحياة يحب الناس وقادر علي التعامل مع كل من حوله، أما إذا كان هناك ضرب وسوء تربية نتج عن ذلك طفل لا يحب الحياة ويفقد الثقة فيمن حوله، ولديه شعور متزايد بالخوف من الحياة ومن التعامل مع الآخرين. إحصائيات المجلس القومي للطفولة والأمومة عن شهر أكتوبر الماضي كشفت نتائج تؤكد العنف المتزايد ضد الأطفال، حيث سجل المجلس ما يقرب من ثلاثمائة حالة عنف وانتهاك ضد الأطفال كان ضحيتها خمسمائة وأربعة وأربعين طفلاً من بينهم مائة وخمسة وتسعين طفلاً ذكرا ومائة وخمسة طفلة أنثي. من ناحية أخري، تصدرت محافظة القاهرة عدد حالات العنف بواقع 87 حالة، تليها الجيزة 45 حالة، فالإسكندرية 34 حالة، و19 حالة بالقليوبية والدقهلية، وعدد 12 حالة في محافظات (الشرقية - البحيرة - الغربية - السويس)، و6 حالات في (الإسماعيلية - دمياط - الأقصر)، أما محافظات (البحر الأحمر - أسوان - الفيوم - شمال سيناء) فكان نصيبها 4 حالات لكل محافظة، ثم 3 حالات لكل من محافظات (قنا - المنوفية - مطروح). وتصدرت المدارس أكثر الجهات التي تتسبب في العنف ضد الأطفال بواقع 86 حالة، وجاء الأب في المرتبة الرابعة بعدد 35 حالة وفي المرتبة الخامسة كانت الأم بعدد 25 حالة. كما أن عدد بلاغات الاعتداء علي حقوق الطفل من قبل المؤسسة التعليمية زاد في 2014 عن 2013، بواقع 30 حالة حتي الآن. ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن العنف ضد الأطفال ووفقاً لبيانات المسح السكاني الصحي عام 2014فإن 93% إجمالي الأطفال الذين تعرضوا لوسائل عنف كان بهدف ضبط سلوكهم، 93.4% للأطفال الذكور مقابل 92.6 % للإناث. وأشارت الدراسة إلي أن 91.1% من إجمالي الأطفال تعرضوا للعقاب النفسي مثل الصراخ أو التحدث بصوت عال مع الطفل، وغيرها من وسائل العقاب من بينها 91.6% للذكور مقابل 90.6 % للإناث. كما أن 78% من اجمالي الأطفال تعرضوا للعقاب الجسدي سواء من خلال هز الطفل، أو ضربه علي يده أو وجهه من بينهم 78.2% للذكور مقابل 77.8% للإناث.