تعد قضايا تجديد الخطاب الديني، غاية في الخطورة، فالكثير من الملفات المتعلقة بالتجديد تصطدم بالكثير من ثوابت المجتمع، بحجة توارث هذه الأفكار والمعتقدات، ما يجعل عملية التجديد محاطة بالكثير من المحاذير، خاصة أن الأزهر الشريف يتحفظ علي أية محاولة للتجديد دون الرجوع إليه، وهو ما تجلي بوضوح في أزمة الإعلامي، إسلام بحيري، الذي منع من تقديم برنامجه علي إحدي الفضائيات، قبل أن يحصل علي حكم قضائي مطلع الأسبوع الجاري بالحبس 5 سنوات، في وقت يولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، أهمية قصوي لعملية التجديد، بعدما طالب الأزهر بثورة لتجديد الخطاب الديني مطلع العام الجاري. وتعد قضية مواكبة التطورات المعاصرة أهم القضايا المتعلقة بتجديد الخطاب الديني لكي يواكب التطورات التي تشهدها المجتمعات المسلمة في العالم كله، ما يتطلب إعادة النظر في المنظومة الفقهية الموروثة منذ أكثر من ألف عام، وتعاني من ترهل واحتوائها علي عدد من الأفكار المتشددة، التي تستند عليها جماعات تكفيرية لترويج أفكارها المتشددة، مع تعالي الأصوات المطالبة بضرورة إعادة النظر في منظومة الحديث النبوي، لتنقيتها مما لحق بها من أحاديث تتعارض مع صحيح الدين وتعارض العقل والمنطق، خاصة في بعض القضايا الجدلية مثل زواج الفتاة في عمر التاسعة، أو أكل لحوم البشر، وتطبيق حق الردة، وغيرها من الفتاوي الغريبة التي تمتلئ بها بعض كتب الفقه القديمة. ورصد الإمام الأكبر، أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في الندوة التحضيرية لمؤتمر "تجديد الفكر والعلوم الإسلامية"، المزمع عقده قبل نهاية العام الجاري، أزمة تجديد الخطاب الديني قائلاً إن موضوع تجديد الخطاب الديني "يزداد غموضًا وإبهامًا والتباسًا من كثرة ما تناولته وسائل الإعلام، بغير إعداد علمي كاف لبيان فيه مفهوم التجديد، وتحديد ما هو الخطاب الذي يُراد له التجديد، وهل صحيح أن ما سموه بالخطاب الديني كان هو وحده أصل الأزمات التي يُعاني منها العالم العربي أمنيًا وسياسيًا، وكذلك التحديات التي تقف عائقًا أمام نهضته وتقدمه". وأكد الطيب أن أهم القضايا التي يجب أن تحظي بالأولوية في إطار قضايا تجديد الخطاب، تلك المتعلقة ب"مبادئ اعتقادية عند جماعات التكفير والعنف والإرهاب المسلح، وهي علي سبيل المثال لا الحصر قضايا: الجهاد ، والخلافة، والتكفير، والولاء والبراء، وغيرها...وأري أن يكون الاجتهاد في توضيح هذه المسائل اجتهادًا جماعيًّا وليس فرديًّا، فالاجتهاد الفردي فات أوانه، ولَمْ يَعُد مُمْكِنًا الآن لتشتت الاختصاصات العلمية، وتشابك القضايا بين علوم عدة". الدكتور عباس شومان، وكيل شيخ الأزهر، أكد أن من أهم خصائص العلوم الشرعية مرونتها وقابليتها للتجديد والتحديث، وإخراج كل ما هو جديد خاصة علم الفقه الذي يعد أكثر العلوم قابلية للتجديد في المسائل المختلفة وفقا للمستجدات العصرية، بعكس بعض العلوم الشرعية الأخري مثل العقيدة والتوحيد، مشددًا علي أن التجديد في العلوم الشرعية وخاصة الفقه لا يمكن أن يقوم به إلا عالم متمكن يستطيع أن يستنبط الأحكام التي تواكب المستجدات وفقا للضوابط الشرعية. من جهته، شدد الدكتور سعد الدين هلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ل"آخر ساعة" علي ضرورة تركيز الخطاب الديني علي الأمور الحياتية وما ينفع الناس، بعيدا عن الدخول في قضايا جدلية لا تغني ولا تثمن من جوع، داعياً الجميع بالتجديد في إطار تصحيح المسار والبعد عن الغلو والتزام النقل الصحيح فيما توارثناه من علوم الأوائل. في السياق، قال المستشار أحمد عبده ماهر، المفكر الإسلامي، إن الخطاب الديني الحالي في حاجة إلي تبديل لا تطوير، مؤكدًا ل"آخر ساعة" أن الخطاب الحالي الذي يقوده علماء الأزهر بات طائفياً يحرض علي الكراهية ويدعو إلي قيم تكفيرية مع إغلاق باب الاجتهاد والاكتفاء بتدريس الشروح والكتب الصفراء التي عفي عليها الزمن. وحذر ماهر من خطورة تأجيل اطلاق الخطاب الديني الجديد القائم علي إعمال العقل والبعد عن التقليد، والتمسك بكتب فقهية انتهت صلاحيتها منذ قرون، سيؤدي هذا كله إلي شيوع الإلحاد بين الشباب، أو الارتماء في أحضان التيارات المتشددة مثل داعش ومن لف لفها، مطالبا بضرورة ضم المفكرين وأساتذة الجامعات من مختلف التخصصات والشخصيات العامة بجوار رجال الأزهر، من أجل التأسيس لخطاب يحترم عقلنا ويشتبك مع واقعنا، لا خطاب يحل أكل لحوم البشر. من جانبه، أكد الدكتور محمود إسماعيل، المفكر وأستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس، ل"آخر ساعة"، إن تجديد الخطاب لابد أن يكون واضحا أنه لا يعني التجديد في العقائد، باعتبارها لا تمس، وإنما التجديد يعني التعاطي مع الأحكام الفقهية المتغيرة بروح العصر، مطالبا برفع يد الدولة عن ملف تجديد الخطاب لكي يأتي معبرًا عن احتياجات المجتمع الأصلية لا أن يفرض من أعلي.