في مدينة نيويورك في الفترة من 27 أبريل حتي 22 مايو المقبل، مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي الذي يعقد بصفة دورية كل خمس سنوات لبحث ما تحقق من إنجازات في تنفيذ بنود المعاهدة، وما فشل المجتمع الدولي في إنجازه بشأن نزع السلاح النووي، وضبط عملية انتشاره بما يهدد البشرية في كافة أنحاء المعمورة. مؤتمر نيويورك، ينعقد في الوقت الذي تعاني فيه منطقة الشرق الأوسط من تصاعد القلق، والتوتر، واندلاع العديد من بؤر الصراع، وفي ظل استمرار تعنت إسرائيل بالتمسك بالسلاح النووي، وعدم الانضمام لمعاهدة منع الانتشار، فضلا عن مشاعر القلق التي تساور دول المنطقة من جراء ما قد يطرأ من تداعيات لوثيقة إعلان المبادئ التي تم توقيعها بين إيران والقوي الغربية وروسيا والصين أي مجموعة خمسة +1 في لوزان بشأن تسوية الملف النووي الإيراني تمهيدا لتوقيع الاتفاق النهائي بين الطرفين في أواخر يونيو المقبل، وماقد يتبع ذلك من رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران بما يسمح للأخيرة بالسعي لتمديد نفوذها في المنطقة والذي بدأت تظهر ملامحه من الآن في دول مثل اليمن والعراق وسوريا بما قد يهدد الأمن القومي العربي. في هذا الإطار، دار الحوار مع الدكتور محمد شاكر، رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، الخبير في شئون نزع السلاح وضبط التسلح النووي، عضو الوفد المصري لمنظمات المجتمع المدني المشارك في مؤتمر نيويورك لمراجعة معاهدة منع الانتشار. مصر تسعي للحصول علي مباركة القوي الكبري للاستخدام السلمي للطاقة النووية الخليج يخشي المد الشيعي في المنطقة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل أهم ملفات مؤتمر نيويورك ما رأيك في اتفاق لوزان بين إيران ومجموعة (خمسة +1)؟ وثيقة لوزان لم تكن هي الأولي من نوعها بين إيران ومجموعة خمسة +1 بل سبقها اتفاق مرحلي منذ أكثر من عام تم التوقيع عليه لكنه رحل الكثير من الأمور لبحثها في اتفاق لوزان الأخير ومن ثم فإن وثيقة لوزان التي تم التوصل إليها بين إيران والقوي الغربية وروسيا والصين قد حددت بعض المبادئ الحاكمة والهامة جدا بالنسبة لاستثمار إيران في الطاقة النووية حيث منحتها حق إثراء اليورانيوم بنسبة تصل إلي 3% وهذه النسبة صالحة للاستخدام السلمي للطاقة النووية مثل توليد الكهرباء وغيرها وهذا مع العلم أن رفع نسبة الإثراء إلي مراتب عليا تمكن الدولة من استخدامها في إنتاج سلاح نووي. وإن تم إتفاق لوزان يمنع إيران من استخدام مفاعل آراك للأبحاث النووية لديها الذي يتم من خلالها توليد البلوتونيوم من الوقود المستنفذ من اليورانيوم الطبيعي في سبيل الاستخدام العسكري للذرة. وهنا لابد أن نوضح أن الاستخدام العسكري للذرة يتم عن طريقين أولهما تخصيب اليورانيوم وإثراؤه بدرجة مرتفعة تصل إلي 09% فيما فوق والاستخدام الثاني يكون عن طريق استخدام البلوتونيوم من الوقود المستنفذ من المفاعلات وكانت إيران تسير في الاتجاهين وبمقتضي اتفاق لوزان تم إغلاق المسار الثاني وتقييد نسبة إثراء اليورانيوم في المسار الأول بحيث لاتتعدي 3% بما لايسمح لإيران باستخدام الذرة في السلاح النووي. وفي حقيقة الأمر، فإن هذا الاتفاق يمثل بالنسبة لإيران مكسبا كبيرا لأنه منحها الحق في إثراء اليورانيوم ومن وجهة نظري هذا معناه أن غيرها من الدول لها الحق في ذلك وهناك بعض الدول الأوروبية تقوم بعملية إثراء اليورانيوم ولكن دون استخدامها في تصنيع الأسلحة النووية. ماذا بشأن الموقف الأمريكي من رغبة بعض الدول في التسابق حول إثراء اليورانيوم بما قد يهدد السلم والأمن الدوليين؟ الولاياتالمتحدة وغيرها من دول العالم يتخوفون من السماح للدول غير الحائزة علي تكنولوجيا الإثراء النووي لأن معني التوصل إلي نسبة الإثراء حتي لو 3% فإنه يمكنهم رفع هذه النسبة بما يهدد الأمن الدولي وبالتالي فإن موافقة الولاياتالمتحدةلطهران علي إثراء اليورانيوم بحدود دنيا تصل إلي 3% ولا أكثر من ذلك معناه أن ذلك قد يصبح حقا لكل الدول التي تسعي لمثل هذا الإثراء مستقبلا. وهذا الاتفاق قد يكون مصدر قلق خاصة بالنسبة لمنطقة الخليج حيث يتم حاليا استثارة النزاعات الطائفية والمذهبية بين السُنة والشيعة وعلي كافة الأحوال فمازال هناك بعض الجدل الدائر بين إيران والقوي الغربية قبل توقيع الاتفاق النهائي في أواخر يونيو القادم حيث تطالب إيران هذه القوي برفع العقوبات الاقتصادية عنها حتي تلتزم ببنود الاتفاق ولكن علينا أن ندرك بأن هناك تقييدا لنسبة إثراء اليورانيوم لإيران وسوف تخضع مفاعلات إيران لرقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من درجة الالتزام طالما أن نسبة الإثراء لا تتعدي الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وأود أن أشير هنا إلي أن دولة مثل الامارات العربية المتحدة قد أعلنت منذ البداية وهي تمتلك أربعة مفاعلات نووية بأنها لاترغب في إثراء اليورانيوم وإنها سوف تستورد الوقود النووي المخصب دون إثرائه. هل من حق دول هامة في المنطقة مثل مصر اتخاذ قرار بشأن إثراء اليورانيوم للاستخدام السلمي للطاقة النووية؟ اتخاذ دولة ما قرارا بإثراء اليورانيوم يثير ضجة كبري لدي القوي الكبري في العالم وقرار الإثراء هذا يحتاج إلي قرار سياسي مدروس فهل نحن في مصر علي استعداد لخوض معركة سياسية للحصول علي مثل هذا الحق لأن هذا القرار قد يدخلنا في معركة قوية ويثير العديد من التكهنات وكلنا شهدنا الزوبعة التي تعرضت لها إيران في علاقاتها مع الغرب جراء اتخاذها هذا القرار. كيف يمكن التعامل مع الواقع الجديد عقب اتفاق إيران وقوي الغربية علي تسوية الملف النووي؟ لدي اقتراح في هذا الشأن قد لايكون مجالا للترحيب به في الوقت الحالي الذي تثار فيه الخلافات بين السُنة والشيعة في المنطقة وهو يتعلق بإيجاد تعاون نووي عربي مع إيران من خلال الدخول معها في شراكة لإنتاج اليورانيوم المثري بنسبة 3% هذا التعاون الفني مع طهران سوف ينشئ مصالح قوية بين إيران والعرب وسوف يمكن ذلك من إيجاد رقابة متبادلة بين الطرفين العربي والإيراني وإدارة كاملة للمشروع من كافة الدول المتعاونة مع إيران في إدارة الوقود النووي ولدي أمل أن يكون هذا الاقتراح محل ترحيب من الطرفين العربي والإيراني في المستقبل القريب. بصفتك من المشاركين في اجتماعات نيويورك المقبلة، ما أهم القضايا المطروحة علي مائدة الحوار والمراجعة خلال المؤتمر؟ أهم موضوع سيطرح للنقاش في مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي في نيويورك الذي تبدأ اجتماعاته يوم 72 من إبريل الحالي هو قضية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وهذه القضية تعد بمثابة القنبلة الموقوتة في المؤتمر لأنه بعد مرور خمس سنوات علي المؤتمر الأخير عام 0102 الذي تم الاتفاق خلاله علي عقد مؤتمر في فلندا لبحث إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي وبالتالي أسلحة الدمار الشامل في عام 2102 وحتي الآن وبعد مرور ثلاث سنوات علي التاريخ المقترح لم يتم عقد المؤتمر ومن ثم سوف نطالب بإحياء مشروع انعقاده لأنه في حالة الإصرار علي عدم انعقاده هذا يعني التشكيك في شرعية المد اللانهائي لمعاهدة منع الانتشار النووي. أما القضية الأخري التي سوف تسيطر علي المؤتمر وسوف تكون محل نقاش فهي موضوع الاتفاق الإيراني مع الغرب ولاسيما أن مؤتمر المراجعة ينعقد قبل التوقيع علي الاتفاق النهائي بين طهران ومجموعة خمسة +1 في يونيو القادم ومن ثم فإن إيران سوف تستغل الساحة للترويج لمبادئها وسياستها في إطار هذا الموضوع وبالتالي فإن هاتين القضيتين الملف الإيراني وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل هما موضوعان رئيسيان وعلي أساس كل منهما سوف يترتب إنجاح أو إفشال مؤتمر المراجعة هذه الدورة. ومصر أيضا يهمها في نطاق مداولات المؤتمر أن تنال الترحيب من الدول الغربية والقوي الكبري بتشجيع ومباركة مشروعات الدول النامية في إنتاج الطاقة الكهربائية من محطات الطاقة النووية ذات الاستخدامات السلمية وفقا لتنفيذ المادة الرابعة من معاهدة منع الانتشار لاسيما أن مصر بصدد إقامة محطة للطاقة النورية في الضبعة لمثل هذه الاستخدامات السلمية. ومن ناحية أخري، فإن مسألة نزع السلاح النووي لم يتم إحراز أي تقدم فيها علي الإطلاق منذ التوصل للاتفاقية الشاملة لوقف التجارب النووية عام 1996 ومازال مؤتمر نزع السلاح بسفرائه وخبرائه الأفذاذ يجتمعون علي مدار ما يقرب من عشرين عاما دون إحداث أي تقدم ملموس علي الأرض لاسيما أن الهدف الأسمي لمعاهدة منع الانتشار هو التوصل إلي نزع سلاح نووي شامل لكل دول العالم وهذا أيضا موضوع هام سوف يكون محل نقاش في اجتماعات نيويورك. ما مدي توافر التنسيق بين المواقف العربية قبل الذهاب إلي مؤتمر نيويورك؟ لقد بادرت الجامعة العربية بفتح أبوابها خلال شهر فبراير الماضي للمجتمع المدني العربي لبحث قضايا الأمن الإقليمي والتحديات التي تواجهها المنطقة العربية وقد تم رفع توصيات المؤتمر أمام القمة العربية التي انعقدت برئاسة مصر في مدينة شرم الشيخ أواخر مارس الماضي.. وقد تم التركيز خلال المؤتمر الذي انعقد تحت مظلة الجامعة العربية وبمشاركة منظمات المجتمع المدني العربي علي موضوعين رئيسيين يمثلان تهديدا للأمن القومي العربي أولهما الإرهاب وثانيهما قضية نزع السلاح وبصفة خاصة السلاح النووي وأهمية إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط حيث تم التأكيد علي أهمية دعوة الدول العربية للتصدي الفاعل للمنظمات الإرهابية من خلال منظور استراتيجي متعدد الأبعاد والحيلولة دون حيازة المنظمات الإرهابية للأسلحة بجميع أنواعها وعلي نحو خاص الأسلحة الثقيلة وأسلحة الدمار الشامل وتجفيف منابع التمويل والإمداد لهذه المنظمات. وفي إطار تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك من أجل صيانة الأمن القومي العربي.. أشار المشاركون في مؤتمر تحديات الأمن الإقليمي الذي انعقد بالجامعة العربية إلي أن مثل هذه الخطوات تساعد علي إيجاد تسوية سياسية لبؤر التوتر والنزاع في اليمن وسوريا والعراق وليبيا. وفيما يتعلق بالتحديات المتعلقة بانتشار السلاح النووي بمنطقة الشرق الأوسط.. أكد المشاركون في مؤتمر الجامعة العربية أهمية إنشاء شبكة دولية لنزع السلاح النووي التام والشامل عالميا وتحقيق عالم خال من أسلحة الدمار الشامل لتجنيب دول العالم مخاطر الإبادة الجماعية. وأكد المشاركون أهمية إخضاع جميع المرافق النووية لدول منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إيران لنظام الضمانات الشامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية وأعلن المشاركون رفضهم للمماطلة في عقد مؤتمر حول إنشاء المنطقة الخالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل الذي كان ينتظر انعقاده في هلسنكي عام 2012 لأن هذا يهدد مستقبل معاهدة منع الانتشار ذاتها والتأكيد علي ضرورة انضمام إسرائيل لمعاهدة منع الانتشار النووي والدعوة لإيجاد دورة وقود نووي في الشرق الأوسط في مجالات الاستخدام السلمي للطاقة النووية وغيرها من التوصيات الهامة، وقد قام المجلس المصري للشئون الخارجية بإرسال نسخة من توصيات هذا المؤتمر الهام إلي مندوب مصر الدائم في نيويورك السفير عمرو أبوالعطا ليتم توزيع نسخ منها علي المشاركين في مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار للإلمام بالموقف العربي من القضايا المثارة أمام المؤتمر.