هجوم إيراني واسع بالصواريخ على إسرائيل.. وإصابات وانفجارات تهز تل أبيب    في الجولة الثانية.. ما هي الفرق التي قد تتأهل إلى دور ال16 بكأس العالم للأندية؟    بعد انتهاء الجولة الأولى ترتيب مجموعات كأس العالم للأندية 2025    25 صورة من مران الأهلى الختامي استعداداً لصدام بالميراس    ترقبوا.. موعد ورابط نتيجة الشهادة الإعدادية في البحيرة 2025 برقم الجلوس    القاهرة الإخبارية: فرق الإنقاذ هرعت بجميع الأنحاء وسط وشمال تل أبيب    بوتين يٌبدي استعداده للقاء زيلينسكي لكنه يشكك في شرعيته    الحماية المدنية تسيطر على حريق اندلع في مصنع زيوت بأسيوط    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الخميس 19 يونيو 2025    فصل التيار الكهربائي وإزالة السقف الصاج للسيطرة على حريق مستودع الزيوت في أسيوط (فيديو وصور)    أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 19 يونيو 2025    طرح البرومو التشويقي الأول لمسلسل «220 يوم» (فيديو)    السيطرة على حريق شب داخل شقة سكنية بالسيدة زينب    لم تنجح إلا طالبة واحدة.. رسوب جماعي لطلاب الشهادة الإعدادية في مدرسة ببني سويف    تزمنًا مع ضربات إيران وإسرائيل.. العراق ترفع جاهزية قواتها تحسبًا لأي طارئ    زيزو يوضح حقيقة الخلاف حول ركلة جزاء تريزيجيه    أحمد الجنايني ينفي شائعة زواجه من آيتن عامر ويتوعد مروجيها    أنباء عن سماع دوى انفجار فى مدينة كاشان وسط إيران    إسرائيل: منظومات الدفاع الجوي الأمريكية اعترضت موجة الصواريخ الإيرانية الأخيرة    متحدث الحكومة: الأوضاع في الداخل مستقرة ولا توجد أية أزمات في السلع الأساسية    الدولار ب50.50 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 19-6-2025    بدء صرف مرتبات يونيو 2025.. والحد الأدنى للأجور يرتفع إلى 7 آلاف جنيه الشهر المقبل    بعد فشل القبة الإسرائيلية.. الدفاعات الأمريكية تعترض الموجة الإيرانية على إسرائيل    ملف يلا كورة.. ثنائي يغيب عن الأهلي.. مدير رياضي في الزمالك.. وتحقيق مع حمدي    محمد رمضان وهيفاء وهبي في حفل مشترك ببيروت.. وديو غنائي مرتقب مع عايض    فواكه تساعد على طرد السموم من الكبد والكلى    بين الاعتراض على الفتوى وحرية الرأي!    تعرف على موعد حفل محمد رمضان وهيفاء وهبي في لبنان    تموين الإسماعيلية تكثف حملات المرور على المطاعم (صور)    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    بنهاشم: تسديد 12 كرة على المرمى يؤكد اختراق الوداد دفاعات مانشستر سيتي    من قال (لا) في وجه من قالوا (نعم)؟!    إعلام لبناني: غارة إسرائيلية على جنوبي لبنان أسفرت عن اغتيال عنصر من حزب الله وإصابة آخر    دور الإعلام في نشر ودعم الثقافة في لقاء حواري بالفيوم.. صور    سماوي: مهرجان جرش في موعده وشعلته لن تنطفئ    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    تصعيد غير مسبوق: حاملة الطائرات الأمريكية الثالثة تتمركز قرب إيران    5 جرامات تكفي.. تحذير رسمي من «الملح»!    «الزاوية الخضرا».. ديكور «الواحة الداخلية» في منزلك    الصحة تحذر من 5 شائعات عن استخدام اللولب النحاسي كوسيلة لتنظيم الأسرة    المغرب 7,57م.. أوقات الصلاة في المنيا والمحافظات الخميس 19 يونيو    ريبيرو: بالميراس يمتلك لاعبين مميزين ولديه دفاع قوى.. وزيزو لاعب جيد    17 صورة من حفل زفاف ماهيتاب ابنة ماجد المصري    أحدث جلسة تصوير ل بوسي تخطف بها الأنظار.. والجمهور يعلق    حفار بترول قديم ومتوقف عن العمل يسقط فى رأس غارب دون إصابات    ما حكم سماع القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    السفير السعودي بالقاهرة يلتقي نظيره الإيراني لبحث التطورات الإقليمية    «مصر للطيران للأسواق الحرة» توقع بروتوكول تعاون مع «النيل للطيران»    كوريا الشمالية عن الهجمات الإسرائيلية على إيران: تصرف غير قانوني.. وجريمة ضد الإنسانية    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 19 يونيو 2025    بالأسماء.. إصابة 11 شخصًا بحادث تصادم في البحيرة    ملفات تقنين الأراضي| تفاصيل اجتماع رؤساء الوحدات المحلية بقنا    احتفالية لرسم البهجة على وجوه ذوي الهمم بالفيوم.. صور    حسام صلاح عميد طب القاهرة ل«الشروق»: انتهاء الدراسات الفنية والمالية لمشروع قصر العينى الجديد    هل يجوز للزوجة زيارة والدتها المريضة رغم رفض الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: «داري على شمعتك تِقيد» متفق مع صحيح العقيدة فالحسد مدمر (فيديو)    جامعة الأزهر ضمن أفضل 300 جامعة بالعالم وفقًا لتصنيف US NEWS الأمريكي    الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اهانة المرآة ارث قديم
هكذا وصفتها كتب التراث شيطانة.. وحذاء.. وأسيرة لزوجها
نشر في آخر ساعة يوم 13 - 04 - 2015

يتساءل البعض عن سبب إهانة المرأة وشقائها في عالمنا العربي.. تعذيبها.. التحرش بها.. تهميشها، لكن التنقيب في كتب التراث وما يُقدم حتي الآن في شكل قصص للأطفال يحمل الإجابة، فتلك حالة ثقافية تضرب بجذورها في التاريخ تعرضت فيها المرأة لحالة من "الاستشهاد الطويل" في كتابات ونصوص ازدحمت بالصفات الذكورية، وساوت بين المرأة والحذاء، واعتبرتها شيطاناً، وأسيرة زوجها الذي يحق له أن يقهرها، وذهبت إلي أن تعليمها الكتابة مصيبة بل إن الجهل والعمي أنفع لها.
في هذا الملف الصادم تكشف "آخرساعة" الأسباب التاريخية الخافية وراء محاولات طمس المرأة وتكريس دونيتها.. هي محاولة متواضعة لإماطة اللثام عن سر شقاء النساء، علها تزيح الغشاوة عن أعين من يتصدون للكتابة عن حواء، ويردون لها حقها المسلوب بين دفات الكتب وطيات التاريخ.
كثيراً ما يستشهد رجال الدين ومن يأخذون عنهم بقوله تعالي: "إن كيدكن عظيم" (يوسف: 28) لتأكيد أن المرأة تشكل الخطيئة بالإضافة إلي اللعنة، بل تتم المقارنة دائماً بالشيطان وكيده في قوله تعالي: "إن كيد الشيطان كان ضعيفاً". (النساء:76) لإبراز أن كيدها أعظم من كيد الشيطان.
ويورد الإمام القرطبي كيف أُسيء تأويل الآيات السابقة واستئصالها من إطارها التاريخي للحط من كرامة المرأة: قوله تعالي "إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم" قيل: قال لها ذلك العزيز عند قولها "قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً"، وقيل قال لها الشاهد، فهذا القول- إذن ورد علي لسان الشاهد أو علي لسان العزيز وجاء تعليقاً منه علي واقعة عين صدرت من امرأته، ومن ثم لم يرد هذا القول علي لسان الحق سبحانه وتعالي حتي يعتبر حكماً إلهياً قاطعاً محدداً لطبيعة النساء كل النساء في كل زمان ومكان.
ابن القيم: الزوج قاهر لزوجته وهي تحت سلطانه وحكمه
والمثير للدهشة والتساؤل: لماذا لم يُسأ تأويل الآيات التي تشير إلي كيد إخوة يوسف له وكيف احتالوا لتنفيذ كيدهم، ولم تستأصل من إطارها التاريخي ومن المناسبة التاريخية التي قيلت فيها لتعميم الكيد وسوء الظن بكل الرجال علي النهج نفسه الذي خص المرأة؟ ولكنها الأيديولوجيا المشحونة حتي النخاع بفكرة الخطيئة الأولي.
ومن أعجب المقارنات تلك التي يجريها صاحب "عرائس المجالس - في قصص الأنبياء" للشيخ أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعالبي النيسابوري (توفي 427 ه - 1035 م) بين المادة التي صنع منها الرجل وتلك التي صنعت منها المرأة، "وقيل: الحكمة في أن الرجال يزيدون علي مرور الأيام والأعوام حسناً وجمالاً، لأنهم خلقوا من التراب والطين يزداد كل يوم جدة وجمالاً، والنساء يزددن علي مرور الأيام قبحاً لأنهن خلقن من اللحم، واللحم يزداد علي مرور الأيام فساداً".
بينما عبر ابن القيم، عن واقع عصره العصر المملوكي فقال: "إن السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، ملك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها وهي تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير"، وهنا يبدو أن المرأة وفق هذا التراجع الحضاري أسيرة لدي الرجال وأن النساء أسري عند الرجال، وأن القوامة هي لون من القهر لأولئك النساء الأسيرات، وهذا الفهم لمعني القوامة وعلاقة الزوج بزوجه، يمثل انقلاباً جذرياً علي إنجازات الإسلام في علاقة الأزواج بالزوجات، انقلاب العادات والتقاليد الجاهلية التي ارتدت تغالب الإسلام في تحرير المرأة ومساواة النساء بالرجال.
وفي العام 1898 كتب خير الدين نعمان بن الثناء الألوسي في واحدة من مخطوطاته بعنوان" الإصابة في منع النساء من الكتابة" ما يلي: "فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله، إذ لا أري شيئاً أضر منه لهن، فإنهن لما كن مجبولات علي الغدر، كان حصولهن علي هذه الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد، وأما الكتابة، فأول ما تقدر المرأة علي تأليف كلام بها، فإنه يكون رسالة إلي زيد ورقعة إلي عمر، وبيتاً من الشعر عزبا وشيئاً آخر إلي آخر، فمثل النساء والكتب والكتابة، كمثل شرير سفيه تهدي إليه سيفاً أو سكير تعطيه زجاجة خمر، فاللبيب من الرجال من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمي فهو أصلح لهن وأنفع".
إن هذا التحذير الذي وجهه الألوسي يعكس تماماً النظرة التقليدية المتخلفة التي كان يحملها الرجل عن المرأة، لذا فلا يسمح لها بأن تخرج من البيت إلا مرتين، مرة إلي بيت زوجها وأخري إلي قبرها، وليس عجيباً أن نقرأ في كتاب "تاج العروس" تأليف الزبيدي - نقلاً عن أبي المطرز قوله: "الحذاء: الزوجة، لأنها موطوءة كالنعل".. وفي موازاة ذلك فإن التراث العربي والعالمي عموماً يزدحم بالأمثلة الشعبية التي تحط من قدر المرأة وتصورها شيطاناً وتحملها مسؤولية الخطيئة الأولي، ومن بين هذه الأمثلة ما يلي:
النساء صاحبات الشيطان. (مثل عربي)
النساء حبائل الشيطان. (مثل صومالي)
المرأة تغلب الشيطان. (مثل مغربي)
الأكل مع المرأة كالأكل مع ساحرة. (مثل من الكونغو)
الباحث الدكتور محمد عبدالتواب يكشف:
200 قصة في أدب الطفل تهين المرأة!
أكثر من مائتي قصة في أدب الطفل تطبع سنوياً آلاف النسخ في مصر، تشوه المرأة وتهينها وتحط من قدرها. هذا ما أكده الباحث الدكتور محمد سيد عبدالتواب، الأستاذ الزائر في الجامعة الوطنية الأوكرانية، في رسالة الدكتوراه التي حصل عليها مؤخراً، وصدرت في كتاب بعنوان "صورة المرأة في أدب الأطفال"، كاشفاً عن أهوال وتفاصيل صادمة في قصص يشتريها المصريون ليقرأوها لصغارهم دون أن يدركوا خطورة ما تحتوي عليه من حكايات تشوه صورة المرأة في عقولهم.
تشوي أحفادها وتأكلهم في "الجميلة النائمة" وتخون زوجها في "خوفو والسحرة" وتُدفن حية في "السندباء البحري"
يقول الدكتور محمد عبدالتواب ل"آخرساعة": عنوان هذا الكتاب هو ذاته عنوان رسالتي للدكتوراه. استغرقت عملية البحث والتنقيب في هذا الإطار أكثر من ست سنوات بدأتها في العام 2008 قبل حصولي علي درجة الدكتوراه قبل أشهر، وتخللت عملية البحث تلك قراءة وتحليلاً لكل قصص الأطفال بداية من "السندباد البحري" التي هي أول قصة للأطفال في العالم العربي صدرت عام 1927 وحتي العصر الحديث.
ثمة أسباب دفعت عبدالتواب لخوض هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر بين طيات الكتب وسطور النصوص القديمة والمعاصرة، حيث يقول: دفعني إلي ذلك إحساسي أن هناك ظلماً كبيراً وقع علي المرأة، من خلال قراءاتي للرائدات في مجال الرواية، وقد لاحظت أنه تم تهميش كل الأعمال الروائية النسائية لصالح الرجل، وهذا دفعني إلي تأسيس سلسلة "رائدات الرواية العربية" التي تصدر عن الهيئة العامة للكتاب وأتولي رئاسة تحريرها، وفيها نعيد نشر الأعمال الرائدة للكاتبات العربيات.
يتابع: طالما يطلب مني أبنائي قبل النوم أن أقرأ لهم قصصاً للأطفال، فكنت أشتري بعض هذه القصص وأقرأ لهم، وهالني ما قرأته من صور مهينة للمرأة في كل ما قرأت، ومن هنا دفعني هذا إلي إعادة قراءة كل قصص الأطفال في مصر من أجل اكتشاف ما فيها من أفخاخ تدمر الأجيال القادمة، كون الكثير منها يساوي بين المرأة والحيوان، ورصدت أكثر من 200 قصة للأطفال في فترات زمنية مختلفة تشوه صورة المرأة، مؤكداً أن هذه القصص تدمر الأجيال القادمة، بينما نحتاج إلي أدب أطفال جديد يتعامل مع المرأة والرجل باعتبارهما ندين في الحياة، ولا أفضلية لأيهما علي الآخر.. وعلي سبيل المثال هناك كتاب شهير بعنوان "الجميلة النائمة" صادر عن دار المعارف عام 2012 في طبعته الخامسة عشرة، نجد أن هذه القصة لمؤلفها عادل الغضبان مدمرة لأن المرأة فيها تأكل الأطفال، وتقدم القصة صورة الأم التي تغار من زوجة ابنها لدرجة أن تفكر في التخلص من الزوجة وولديها بعد سفر الابن، حيث يجيء في سياق القصة نصاً: "وبينما كان الملك في أوج سعادته، عكر عليه صفاء عيشه (...) ووكل الحكم إلي أمه وأوصاها خيراً بعروسه وولديه وهو خائف من غريزتها، فرطبت خاطره ووعدته بأن ترعاهم في غيابه (...)، وخلا الجو لأم الملك فعولت أن تثأر لنفسها من الولدين وأمهما، وأن تستجيب لغريزتها الوحشية التي تحثها علي أكل الأطفال، واستدعت في المساء رئيس الخدم وقالت له أريد أن أتغذي غداً بالطفلة (فجر) فعليك أن تذبحها وتقدمها للطباخ ليصنع منها شواء لذيذاً".
وتلك الصورة التي قدمت بها الأم/المرأة في تلك القصة التي كانت رائجة بشكل كبير، فقد طبعت خمس عشرة طبعة والنموذج السابق من الطبعة الرابعة، ويبدو أن الكاتب قد علم ببشاعة المضمون الذي قدمه للأطفال عن تلك المرأة التي تحب أكل الأطفال حسب غريزتها، فغير في الطبعات التالية كملة "غريزتها" إلي "غيرتها" وبدلاً من أكل الأطفال كانت تأمر الجنود بقتلهم في الصحراء وإحضار غزال لتأكله فرحاً بمقتل الأطفال.
نماذج أخري لقصص تحتوي علي صور مهينة للمرأة وإظهارها دائماً بأنها في حاجة إلي مساعدة الرجل، وهو ما رصده الباحث محمد عبدالتواب، ففي قصة "سندريلا" المشهورة عالمياً، تظل البطلة "سندريلا" ساكنة في شقاء تفعل كل ما تأمرها بها به زوجة أبيها وتنتظر ما ينقذها من الهوان، حتي تظهر لها الحورية التي تغيّر حياتها ويكون طموحها وهدفها الأسمي حضور حفل الأمير.. وهذا يعبر عن قمة الاستكانة !
وفي قصة "بدر البدور" صُورت المرأة/الفتاة أنها شخص في حاجة دائمة إلي مساندة ودعم من الآخرين، وأنها تتوقع دائماً هذا العون من الرجل/الفتي، حيث يقول النص: "ومازالت تجري حتي وصلت إلي الغابة وهي تبكي سوء حظها، وكان الأمير الصغير لحسن حظ الفتاة كان عائداً من الصيد".
وفي الجميلة النائمة: "فاقترب الأمير من سرير الأميرة، فاستيقظت وفتحت عينيها وقالت له: "بوركت يا أميري وأهلاً بك ومرحباً، فأنت سيدي ومنقذي ولست أدري كيف أشكر فضلك العميم".
وفي قصة "حسناء المرعي" ينقذها الملك من الموت: "أما الطفلة الثانية فقد عثر عليها ملك في إحدي رحلات صيده تحت الشجرة الكبيرة تحيط بها الأزهار... فخرج أحد الملوك للصيد وبينما هو سائر، إذ وجد هذه الفتاة جالسة في بيتها الذي أعدته لنفسها وكانت جميلة الطلعة.. ظهر الأمير شهاب، ونزل عن ظهر جواده وأمسك بذراع حسناء المرعي، وأركبها خلفه".
وفي ضوء ما ورد في هذه القصص يوضح الباحث: تعتمد الأنثي علي الذكر، فالأميرة تنتظر عادة الأمير الآتي علي حصانه الأبيض حتي المرأة العاملة التي تظهر في بعض القصص تبقي معتمدة مادياً علي عمل الرجل، كل هذا علي الرغم من التطور الخاص في المجتمعات العربية، حيث تعمل المرأة في وظائف متعددة وتشكل 18% من القوي العاملة، فقصص الأطفال لا تعكس حتي هذا التغير الحاصل في المجتمع، وتجدر الإشارة إلي أن هذه النظرة ظلت مسيطرة علي كل كتابات قصص الأطفال حتي نهاية التسعينيات، والمثير للدهشة أن نجد بعض الكتابات المعاصرة مازالت تنظر إلي المرأة بتلك النظرة المهمشة، فمثلاً في قصة "بنت السلطان والمعطف الأبيض" لمصطفي غنايم تنتظر الأميرة من يخلصها ويعالجها وبالطبع تكون الجائزة هي الأميرة نفسها.
أما في قصة "السندباد البحري" لكامل الكيلاني، التي تعتبر أول قصة للأطفال في عالمنا العربي، فقد كتبت سنة 1927 وصدرت عن دار المعارف، وكما هو معلوم أنها مستوحاة من "ألف ليلة وليلة"، من المثير للدهشة أن تحضر المرأة علي مدي رحلات السندباد السبع كي تدفن حية بعد موت زوجها كعادة بعض القبائل التي مر بها السندباد باعتبار أن زوجها سر بقائها.
ويزيد الباحث من البيت شعراً حين يقول: عندما قرأت مقدمة "حكايات الفرعون" التي أعدها الشاعر أحمد سويلم، وصدرت عن دار الشروق عام 2007 وكيف أنه عكف علي إعادة النظر في صفحات الأدب المصري القديم يقول: فوجدتني أمام كنز من كنوز المعرفة الأصيلة (...) وقد حاولت في هذه الحكايات أن أعيد تقديم ما تخيرته من النصوص القصصية للناشئين بلغة بسيطة، وقد قصدت من ذلك العمل أن يزهو كل مصري بهذا التراث العظيم.
والمقدمة السابقة تشي بأن الحكايات المختارة من القصص الفرعوني القديم تجعل كل مصري يزهو بهذا التراث حسب تعبير سويلم، لكن المفارقة المثيرة للدهشة عندما يتأمل القارئ القصص المختارة، ففي قصة "خوفو والسحرة" يشعر خوفو بالضيق والكآبة، فجمع أبناءه ليسمع من كل واحد حكاية تذهب عنه الحزن، بدأ الأمير خفرع يتكلم "يتكلم.. فقال: دعني يا أبت أقص علي جلالتك أعجوبة حدثت في عهد الملك (نب كا) حينما ذهب إلي معبد (بتاح) في منف، حيث اكتشف الكاهن أن زوجته تخونه مع شاب من منف، التي كانت تستدعيه حينما يخرج الكاهن من البيت فيقضي معها اليوم في بيتها ويسبحان في ماء البحيرة، ثم يسرع بالانصراف قبل عودة زوجها الكاهن (...) ولما علم الملك بذلك أمر بأشد العقاب للزوجة والشاب.. وهذه القصة التي تكرس مفهوم "الخيانة" لدي المرأة هي التي اختارها "أحمد سويلم" لتكون نموذجاً للأدب الفرعوني، إنها الخطيئة الأولي لحواء ثم لذريتها من بعدها، نفس العقلية الذكورية التي تبني الأساطير ثم تصدقها !
وفي القصة الثانية من حكايات الفرعون، يقول أحمد سويلم "إن الملك شعر بضيق وحزن شديدين فأخبره الكاهن (زازا): "عليك يا مولاي أن تخرج إلي بحيرة القصر الكبيرة وتركب قارباً يجدف فيه عدد من أجمل الفتيات وسوف ينشرح قلبك وأنت تري الفتيات الجميلات... سُر الملك من هذه الفكرة وأمر بإحضار قارب له عشرون مجدافاً من الأبنوس مرصعة بالذهب.. ثم بدأ بإحضار عشرين فتاة من فتيات القصر الجميلات".
وهكذا فصورة المرأة في القصص التي اختارها سويلم في "حكايات الفرعون الصغير" التي بلغت ثماني قصص إما خائنة، وإما جميلة تبعث السرور والسعادة، وإما زوجة شريرة تعامل زوجها معاملة سيئة، ولم يتوقف الكاتب عند النماذج المشرقة في التاريخ الفرعوني القديم مثل إيزيس وحتشبسوت وكليوباترا وإياح حتب التي شجعت زوجها "سقنن رع" أحد أمراء مدينة طيبة علي الكفاح ضد الهكسوس لكنه استشهد في حرب التحرير وكان أول شهيد مصري في سبيل تحرير وطنه، وتكمل إياح محب تشجيعها لابنها الأكبر من أجل تحرير الوطن، لكنه استشهد في الحرب ليأتي الابن الأصغر "أحمس" وبمساعدة إياح محب ينجح في طرد الهكسوس خارج البلاد، فهذه الأدوار التاريخية للمرأة الفرعونية هي التي يجب أن نقدمها لأطفالنا.. وبنبرة حزن يقول الباحث محمدعبدالتواب: قرأت كتب اللغة العربية المقدمة للمرحلة الابتدائية فوجدت أن الموضوعات المختارة لنصوص القراءة تهمش المرأة وتجعلها بلا دور، ولذا هناك ضرورة لتقديم النماذج العظيمة المشرفة للمرأة في تراثنا العربي والإسلامي والفرعوني، وقال: المرأة كان لها دور كبير في حياتي، لذا أشكر زوجتي رحاب التي غيرت حياتي وأولادي آدم ونور وعمر الذين أحيا بهم.
"لسان العرب" يسب المرأة
أشهر معاجم اللغة العربية يعتبر الأنثي أحط من الحيوان
يزخر كتاب "صورة المرأة في أدب الطفل" لمؤلفه الدكتور محمد سيد عبدالتواب بتفاصيل غريبة تكشف عن مدي التأصيل لفكرة استلاب المرأة حقوقها و"استشهادها الطويل" في كتب التراث وما فيها من تفاسير إسلامية لما ورد في نصوص القرآن، بعضها برؤية قاصرة، وبعضها الآخر اعتمد فيه مفسرون ودعاة علي أساطير لا أصل لها في النص القرآني بل كان مردها في بعض الأحيان ما ورد في التوراة، التي حطت من قدر المرأة واعتبرت أن حواء سبب الخطيئة الأولي وأنها خلقت من ضلع أعوج في آدم.
وبحسب الكتاب، فإن هذه الجريمة الثقافية لها جذور بعيدة، فمن هذه المصائب ما جاء علي لسان ابن منظور (620 711 ه) في كتابه "لسان العرب"، أحد أهم معاجم اللغة العربية ويعدّ من أشملها وأكبرها، حيث يقول: "ويقال للموات الذي هو من غير الحيوان: الإناث" (المجلد الأول صفحة 146 صادر عن دار المعارف في القاهرة)، وهنا يتضح أن الخطاب المنتج حول المرأة في العالم العربي خطاب في مجمله طائفي عنصري، بمعني أنه خطاب يتحدث عن مطلق المرأة/الأنثي، ويضعها في علاقة مقارنة مع مطلق الرجل/الذكر.
مساواة الاسم العربي المؤنث في التصريف مع الأعجمي تمييز عنصري
ابن منظور يصف
الأنثي بأنها أي ميت غير الحيوان
يقول مؤلف الكتاب: أما إذا وقفنا عند مادة (أَنَث) في اللسان فسنجد "الأنثي: خلاف الذكر من كل شيء والجمع إناثُ وأُنُث. وفي القرآن: "إن يدعون من دونه إلا إناثاً" (النساء:117). قيل: أراد إلا مواتاً، مثل: الحجر والخشب والشجر والموات كلها يُخبر عنها كما يُخبر عن المؤنث. ويُقال للموات الذي هو من غير الحيوان: الإناث.
وتعليقاً علي ما أورده ابن منظور يقول المؤلف: لا أعلم علي وجه اليقين من أين استقي ابن منظور تأويله لهذه الآية، وتحديداً تأويله لكلمة (إناثاً) بالموات! وهو هنا يتجاوز النص القرآني نفسه الذي يذكر بعض آلهة العرب: "أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَي". (النجم: 19 20) التي تدل علي عبادة العرب آلهة إناثاً ليتأول الإناث بالموات.
ولا تقف أيديولوجية اللغة عند حدود التمييز المشار إليه، بل تمتد لتشكل العالم بكل مفرداته، من خلال ثنائية المذكر/ المؤنث. فكما هو معلوم أن اللغة تفرق بين الاسم العربي والاسم الأعجمي بعلامة يطلق عليها في علم اللغة "التنوين" أو التصريف وهي "نون" صوتية تلحق آخر الأسماء العربية علي مستوي النطق وليس الكتابة، فيقال مثلاً عليُّ رجلُ (في حالة الرفع) وكذلك في حالتي النصب والجر، لكن هذه النون لا تلحق الأسماء غير العربية فيقال إبراهيمُ وآدمُ.. إلخ، وعلينا أن نلاحظ بالإضافة إلي ذلك أن إطلاق اسم "العجم" أو "الأعاجم" علي غير العرب بما يحيل إليه من دلالة عدم القدرة علي النطق التي تعد صفة من صفات الحيوانات "العجماوات" هو من قبيل التصنيف القيمي الذي يعطي العرب المكانة والتفوق، وهذا التمييز بين العربي وغير العربي علي مستوي بنية اللغة وعلي مستوي دلالتها ينبع منه تمييز آخر بين "المذكر" و"المؤنث" في الأسماء العربية، وهو تمييز يجعل من الاسم العربي المؤنث مساوياً للاسم الأعجمي من حيث القيمة التصنيفية.
فبالإضافة إلي تاء التأنيث التي تميز بين المذكر والمؤنث علي مستوي البنية الصرفية، يُمنع التنوين علي اسم العلم المؤنث العربي، كما يُمنع عن اسم العلم الأعجمي سواء بسواء، وفي هذه التسوية بين المؤنث العربي والمذكر الأعجمي نلاحظ أن اللغة تمارس نوعاً من الطائفية العنصرية.
ويكشف المؤلف زيف ما يردده بعض رجال الدين الإسلامي عن أن حواء خُلقت من ضلع آدم، ويعتبر أن هذا محض أسطورة، لا أصل لها في القرآن الكريم، وأن مردها الوحيد إلي التوراة، وهو ما نص عليه الإصحاح الثاني من سفر التكوين: "وقال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأضع له معيناً نظيره". ويوضح الإصحاح ذاته كيف خلق الإله الرب لآدم هذا النظير في حواء: "فأوقع الرب الإله سباتاً علي آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً، وبني الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلي آدم (...) ودعا آدم امرأته حواء لأنها أم كل حي".
وقد علقت الكاتبة خديجة صبار علي هذا الإصحاح في كتابها "المرأة بين الميثولوجيا والحداثة" بقولها: "المرأة الضلع التي خلقت أساساً للتسلية وتخفيف الوحشة عن آدم في صياغة الأسطورة التوراتية، نقلها المفسرون والمؤولون المسلمون بتفاصيل ومواقف أسطورية رسخت في الذاكرة الشعبية كحقيقة مطلقة، فالمرأة عوجاء، لأنها خلقت من أعوج وهو الضلع".
فيما يقول مؤلف كتاب "صورة المرأة في أدب الأطفال" محمد عبدالتواب إن الحديث عن أن حواء هي التي أغوت آدم للأكل من الشجرة المحرمة وبالتالي هي صاحبة الخطيئة الأولي غير صحيح، بل إن هذه الرواية جاءت في التوراة في سفر التكوين: لكن الله سأله ومن أخبرك أنك عريان؟ وهل أكلت من ثمرة الشجرة المحرمة، أجابه آدم (أعطتني حواء من ثمرة الشجرة فأكلت، التفت الله إلي حواء وقال "واحسرتاه أيتها المرأة، ماذا فعلت، فجرت حواء حسرة وقالت أغرتني الحية، فقال الرب للحية لأنك فعلت هذا، ملعونة أنت، علي بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين تلك ونسلها (...) وقال للمرأة: تكثيراً أكثر أتعابك في حملك، بالوجع تلدين أولاداً وإلي رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك.. وهنا يتضح أن قصة خروج آدم من الجنة في صياغتها التوراتية تحمل المرأة وحدها مسؤولية السقوط.
بينما في القرآن الكريم: "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَي حِينٍ". (البقرة: 36 37).
وفي سورة طه: "فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَي، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَي، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَي، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَي شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَي، فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ، وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَي".
وفي الآيات السابقة يحرر القرآن الكريم المرأة لأول مرة من عقدة الذنب التي ظلت تلاحقها من بدء الخليقة، من اللعنة التي ظلت تطاردها جيلاً بعد جيل، من الخطيئة المزعومة، التي تتهمها بأنها بدأت حياتها بالغواية: غواية آدم وإخراجه من الجنة، وبرأت ذمتها من هذه اللغة، فليس في القرآن ما يجعل المرأة مسؤولة عن خطيئة آدم، بل إذا تمعنا قوله تعالي: " وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَي"، وقوله تعالي: " وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَي آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا"، أي أن آدم عليه السلام نسي نهي الله له عن اقترابه من الشجرة، سنجد أن المسؤولية الأولي لآدم، وإذا كان الوضع كذلك فلماذا يكون النص التوراتي معتمداً وحصرياً، بل هو النص المشع تاريخياً، إلا لكونه يلقي صدي مرغوباً فيه وتجاوباً من الذين يبتغون قهر المرأة انطلاقاً من سلطة مرجعية مقدسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.