أكثر من عشر سنوات وعزة سلطان تمارس الكتابة القصصية والإعداد التليفزيوني, ونشر الأبحاث النقدية والدراسات المكتبية دون أن تعثر فيما يبدو حتي الآن علي الوسيط الذهبي القادر علي استقطاب طاقتها الإبداعية, وتجسيد حلمها في التواصل الجمالي مع القراء والمشاهدين. وتلك خاصية متكررة مع عشرات الشباب الموهوبين في حياتنا الثقافية, يجربون أشكالا فنية عديدة, ثم لا يحسمون أمرهم في اختيار الإطار الذي يستوعب قدراتهم الخلاقة. وها هي الكاتبة تنشر مجموعاته القصصية الثالثة بعنوان لافت تماما كما يحدث في السينما فتصدق في التعبير عن هذا التراوح المضني بين الوسائط الحديثة, وكأنها هي الأصل, بينما الحياة هي مجرد تقليد لها, عندئذ تشرع الكتابة في تطعيم أسلوبها السردي ببعض ملامح التقنيات السينمائية وهي تري الحياة بمنظور الراوي العليم مرة وبعين الكاميرا المخترقة للمشاعر مرة أخري. علي أن هناك مجموعة من السمات التي تعطي كتاباتها مذاقا مائزا عن نظرائها أبناء جيلها, حيث تقع في قلب منطقة غائمة تمتد من الحداثة إلي ما بعدها دون تحديد, إذ لا تتم في قصصها القصيرة أية حكاية بأكملها, بل تنتزع أطرافا منها لتحفر عبرها أفكار الشخصية بشجاعة ملحوظة. كما أنها تفكرعادة بطريقة بصرية تستحيل فيها الجمل إلي مشاهد, وتبدو القصص, كأنها مشروعاتسيناريو موسوعة في بعض الاحيان بمصطلحات التصوير مثل كلمةقطع وغيرها. تعرض مثلا تجربة رجل مثقف تحيط به خمس نساءيقفن في ترقب لنظرة منه, يستطرد هو في حديث طويل نعرف منه فيما بعد أنها محاضرة, وأن هناك مشاهدين من كل أنحاء العالم, هذه المحاضرة تدور حول نشأة شهرزاد وصباها, حيث يراها طفلة ولدت لأم متسلطة تجيد تحريك والدها بمكر ودهاء وتوظيف لكيد النساء, من هنا يروق أن تربي ابنتها بذكاء واقتدار بحيث تستطيع إدارة الرجال, إلي جانب أنها جميلة نظرا لاختلاط جيناتها بعناصر متعددة, تجعل شهريار ينسي خيانة زوجته السابقة, وتلهيه بالحكايات, وإن كان التاريخ لم يتتبع علاقتهما الزوجية وهل أنجبا أطفالا أم حرما من الإنجاب لكن القصة بدورها لا يتركز علي هذا التأويل الجديد لألف ليلة وليلة بقدرما تسلط الضوء علي موقف النساء من الرجل ونظرتهن إليه وقياس مدي فحولته وإمكاناته. الولع بالحس إذا كانت قصص عزة سلطان تتولد من أفكار مباشرة, تتجسد في مشاهد ذات طابع سينمائي فإنها بذلك تكتسب مسحة حسية تمنحها شعرية دافئة مرهفة حينا وجارحة حينا آخر, ففي قصتها القصيرة التي تعطي للمجموعة عنوانهاتماما مثلما يحدث في السينما تتناول قصة علاقة ثلاثية مرتبكة, فتستحضر طبيعة الرجل والمرأة منذ بدء الخليقة يأتي صوته باردا مبتسما, تشوبه لمسة من الحنو, لكنه في آخر الأمر بعيد جدا, هذه الهواتف التي جعلت كلا منا يلامس الآخر, يعرفه, يتذوق ابتسامته, كيف لنا أن نتعامل مع كل هذه التطورات, وآدم ما زال يخفي سوأته بورق الشجر حتي وقت قريب, آدم الذي خرج من الجنة يريد أن يلقي باللوم علي آخرين حتي يبرر لذريته خطاه في حقهم, ودفعهم إلي الشقاء في هذااللوكيشن الكبير المسمي الدنيا, وكانت حواء والشيطان يجهزان للخطيئة, ولكن أحدا لم يفكر في أن سيناريو الخطيئة لزمه شيء من الدراماتيكية ليتعاطف الأبناء مع أبيهم, فكان الهاتف اختراعا قديما جدا تمثل في الوسوسة التي حاول محاكاتها اليوم, هاتف الشيطان آدم وحدثه عن المتعة, دله علي الطريق, لكن آدم المتخاذل كثيرا لم يستطع التقدم فأغوي حواء فنشطت وحفزته ليأكلا فإذا تغاضينا عن غلبة مصطلحات التصوير والتقابلات الملموسة بين الأشياء والاوضاع والوظائف في القديم والحديث فإن تأويل التاريخ وتفسير الموروث ينحو دائما لتعزيز الرؤية الحسية للعالم, ويتوافق مع المنظورالفرويدي صراحة عندما تقول الراوية إن الدنيا مثل فيلم جنس من تلك النوعية التي تقوم علي الحكاية, نحن جميعا نشاهده ونعلم أنه فيلم جنس لكننا بصورة أو اخري نتواطأ مع الحكاية المجهدة دائما لإقامة علاقة حسية مباشرة بين الأطراف المشاركين ومع أن كثيرا من تفاصيل القصص التي توردها الكاتبة تدور حول ما يسمي الآن بكتابة الجسد فإنها تخرج في قصص أخري عن هذا الإطار لتشارف آفاقا مغايرة, بعضها عبثي مأساوي, شديد التركيز علي توهمات النساء في علاقاتهن بالرجال, مثل هذه القصة المثيرةجملة اعتراضية التي تستعصي علي النسيان, وفيها تتصور الراوية نفسها وهي مسحوقة مفتتة إلي نثار من الاعضاء البشرية تحت عجلات السيارات المسرعة عند مدخل نفق العجوزة, فيصعب علي المارة تجميع أشلائها أو التعرف علي شخصيتها, بينما تداخل زوجها الشكوك في اسباب تأخيرها في العودة, فإذا ما تم إبلاغه بالحادثة يجمع فتاتها ويقرر الاحتفاظ بها بشكل غير معقول معه في الشقة, ومثل تلك القصة الأخري التي تجسدها حالة الفضول المجتمعي وتعدي العيون المفتوحة لخصوصيةالناس, حتي تستحيل أحلام الشباب إلي كوابيس يبحثون خلالها عن مبررات لغلق العيونإلي غير ذلك من القصص التي تقدمسيناريوهات لعدد من الأفكار الحميمة المرتبطة بهموم الشباب وتطلعاتهم للحرية والتحقق, في مجتمع يدفعهم للإحباط والحياة الكابوسية, وهي قصص مثيرة وفاتنة لكاتبة متعددة المواهب والإمكانات الإبداعية.