التعليم العالي تجيب عن 13 سؤالا بشأن اختبارات القدرات لطلاب الثانوية    بعد غلق باب التقديم، أسماء مرشحي القائمة الوطنية في انتخابات الشيوخ    محافظ الفيوم: إضافة 3000 فرصة جديدة إلى سوق العمل    وزيرا الخارجية والإسكان يبحثان جهود الترويج للفرص الاستثمارية بمصر    نادٍ جديد يتحرك لضم وسام أبو علي من الأهلي    الداخلية تكشف تفاصيل مقتل فني ألوميتال على يد تاجر بالإسكندرية    نقابة الصحفيين توقّع بروتوكول تعاون مع أكاديمية دبي للإعلام.. الأحد المقبل    "بيتكوين" تواصل الصعود قرب أعلى مستوى تاريخى وسط تحذيرات جمركية أمريكية    فرانشيسكا ألبانيز ترد على عقوبات واشنطن: سأظل واقفة إلى جانب العدالة رغم الضغوط    وكالة الأنباء المغربية: إعادة فتح سفارة المملكة المغربية في دمشق    من واشنطن: عاصفة باريسية تضرب ريال مدريد في نيويورك    فيديو.. صحة غزة: مستشفى شهداء الأقصى على وشك الخروج عن الخدمة    4 ماكينات طوارئ لتأمين التغذية الكهربائية لأهالى شبرمنت بعد حريق كشك 1 ميجا    شيكو بانزا يخضع للكشف الطبي ويشارك في جلسة تصوير تمهيدًا لانضمامه الرسمي للزمالك    كفرالشيخ تكرّم أبطالها البارالمبيين بعد التتويج ببطولة إفريقيا للطائرة في كينيا    الاتحاد المنستيري يمهل الزمالك أسبوعًا لسداد مستحقات الجفالي ويغلق الباب أمام عودته    تحالف بيئي - إغاثي بين وزارتي البيئة والتضامن.. توقيع مذكرة تفاهم لإدارة المخلفات وتحقيق استدامة آمنة    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى المريوطية    طقس الجمعة.. شديد الحرارة رطب وشبورة والعظمى بالقاهرة 35 درجة    الإعدام لمتهم قتل شابا تدخل لفض خلاف مع صديقه في الإسكندرية    أحمد عصام السيد يترقب طرح فيلمي الشاطر وابن مين فيهم.. ومغامرة جديدة تنتظره على نتفلكس    فيديو.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يشارك في مراسم غسل الكعبة    فيلم "أحمد وأحمد" يتصدر المركز الأول    محافظ الغربية: الثقافة ركيزة لبناء الإنسان.. والمسرح القومي يُرسّخ العدالة الثقافية من قلب طنطا    محافظ الإسماعيلية: 450 ألف خدمة طبية بمستشفى القصاصين واعتماد دولي لجودة الرعاية    لتجنب الأزمات القلبية.. أفضل نمط حياة للحفاظ على صحة قلبك    الإحصاء: القاهرة أكبر محافظات الجمهورية من حيث عدد السكان بإجمالي 10.4 مليون نسمة    كييف تعلن إسقاط 14 صاروخا و164 مسيرة روسية    لماذا طردت حكومة بنغازي وفدًا وزاريًا أوروبيًا استقبلته طرابلس؟    رئيس مجلس أمناء جامعة بنها الأهلية يترأس لجنة تقييم القيادات الأكاديمية والإدارية    ضبط 1296 قضية نقل و3850 سرقة تيار كهربي في يوم    جهود "حماية المستهلك" خلال يونيو: 682 حملة رقابية و1605 مخالفة في 24 محافظة    الجريدة الرسمية تنشر قرارين جمهوريين للرئيس السيسي - تفاصيل    الضويني يتفقد رواق القرآن الكريم بالجامع الأزهر    غلق باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ    "من حق بيراميدز".. تعليق ناري من نجم الأهلي السابق على "كوبري" إبراهيم عادل    مها الصغير في محطة جديدة بقطار السرقات بسبب «كلام كبير» ل هبة قطب    الموسم الجديد ل«واحد من الناس».. فقرات جديدة ومفاجآت للمشاهدين    عن موت الأشياء    هل منع الأهلي انتقال حامد حمدان للزمالك؟.. إعلامي يفجرها    "مش عارف أقولها إزاى".. مهيب يفجر مفاجأة حول إمام عاشور بسبب زيزو    تصل للفشل الكبدي والأورام.. دليلك للوقاية من مضاعفات الكبد الدهني    3 تحذيرات جديدة من أدوية مغشوشة.. كيف تتعرف عليها؟    وزارة التعليم تنفى تسريب امتحانات الثانوية العامة: أسئلة قديمة    انتخاب رئيس جهاز حماية المنافسة المصري لمنصب نائب رئيس الدورة التاسعة لمؤتمر الأمم المتحدة للمنافسة    الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تُعلن تضامنها مع "الأرمنية": انتهاك حرمة الكنائس مرفوض    في حالة توتر وترقب، انتظار أولياء أمور الطلاب الثانوية العامة أمام لجان الامتحان (صور)    الوداع الأخير.. المطرب محمد عواد في عزاء أحمد عامر ثم يلحق به اليوم فجأة    ما حكم الوضوء بماء البحر وهل الصلاة بعده صحيحة؟.. أمين الفتوى يحسم (فيديو)    رابط الاستعلام عن نتيجة التظلمات في مسابقة 20 ألف وظيفة معلم مساعد    لولا دا سيلفا ردا على رسوم ترامب الجمركية: البرازيل دولة ذات سيادة ولن نقبل الإهانة    سعر سبائك الذهب في مصر اليوم الخميس 10 يوليو 2025.. «بكام سبيكة ال10 جرام»    وفاة المخرج سامح عيد العزيز بعد تعرضه لوعكة صحية والجنازة من مسجد الشرطة    الولايات المتحدة تشهد أسوأ تفش للحصبة منذ أكثر من 30 عاما    ترامب: سنعمل على تيسير السلام في السودان وليبيا    ما أحكام صندوق الزمالة من الناحية الشرعية؟.. أمين الفتوى يوضح    عصام السباعي يكتب: الأهرام المقدسة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 10-7-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف ليلة وليلة.. في السينما
حياة متجددة لأحلام لا تموت
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 05 - 2010

في مقدمة فيلمه "زهرة ألف ليلة وليلة" يورد المخرج والمؤلف الإيطالي الشهير "بيير باولو بازوليني" عبارة _ يقول أنه اقتبسها من "ألف ليلة" تقول: "الحقيقة لا يمكن أن تتكشف من خلال حلم واحد، ولكن عبر مجموعة من الأحلام".
سوف أعود إلي فيلم بازوليني في موضع آخر من هذا المقال، ولكني أذكر هذه العبارة كمدخل للكلام عن الأفلام التي صنعت عن كتاب "ألف ليلة وليلة" لأنها في مجملها، وليس من خلال فيلم واحد منها، تكشف عن المحتوي الثقافي العميق لهذا الكتاب المعجزة، الذي يشعرعدد كبير، إن لم يكن الغالبية الساحقة منا، بالخجل من محتواه والرغبة في دفنه حيا.
لماذا نخجل كلما ظهرت طبعة جديدة منه، ولماذا نتعامل معه ككتاب سري بورنوجرافي بعد أن كان الكتاب الشعبي الأول في حياتنا علي مدار قرون؟
لماذا يحتفي به الآخرون وينهلون منه خيالا وابداعا لكل الأعمار والعقول، من هوليوود إلي فرنسا وألمانيا وايطاليا واليابان والهند وغيرها من بلاد الله وخلق الله، في حين نواصل وبدأب نحسد عليه علي تجريف وتجفيف منابع خيالنا وأرواحنا خوفا وخجلا من الوقوع في غواية "ألف ليلة" وسحرها؟
في قصيدته "المدينة التي لا تنام" يكتب الشاعر الأسباني فيدريكو جارثيا لوركا: "سوف تأتي زواحف الإيجوانا الحية ، وتلتهم الرجال الذين لا يحلمون".
"ألف ليلة" ليست مجرد كتاب. الكتب عادة تحفظ أفكار مؤلفيها والنخبة التي ينتمي إليها الكاتب. أما "ألف ليلة" فهي صندوق يحفظ أحلام ملايين البشر العاديين، الذين جاءوا وذهبوا عبر العصور ولم يبق منهم سوي هذه القصص الخيالية الساذجة.
من المستحيل أن نرصد تأثير "ألف ليلة" علي السينما العالمية في مقال أو حتي كتاب واحد...ذلك أن التأثير لا يقتصر بالطبع علي الأعمال المأخوذة بشكل مباشر ومعلن عن الكتاب، ولكن كل الأدب والسينما الخيالية _ الفانتازية _ تأثرت بطريقة أو أخري بالكتاب. و"ألف ليلة" نفسها عبارة عن جمع من الأحلام لشعوب وأجيال وثقافات مختلفة من الشرق والغرب كانت تتناقل شفهيا عبر الأماكن والأزمنة قبل أن تستقر وتعثر علي موطن لها بين دفتي كتاب.
منذ البدايات الأولي لإختراع السينما أدرك عدد من صناع الأفلام أن قصص "ألف ليلة" مادة صالحة ومناسبة جدا للوسيط الجديد، الذي كان يبدو هو نفسه وكأنه جني عملاق يخرج من آلة العرض لينبض بالحياة والوعود علي الشاشة البيضاء.

وإذا كانت الخيالات البدائية هي بذور الاختراعات العلمية، كما يقول علماء الأنثروبولوجي، فإن "ألف ليلة" قد مهدت بخيالاتها لإختراع الطائرة والهاتف والكهرباء والسينما أيضا...هذه القدرة المذهلة لشهرزاد علي بث الحياة في القصص التي تحكيها، والتأثير الطاغي الذي تمارسه الحكايات علي مستمعيها، ثم هذه القدرة علي القطع _ المونتاج _ والإنتقال عبر المكان والزمان ونفخ الحياة في الصور الجامدة كما في قصة مدينة النحاس وغيرها...كما أن هذه العلاقة الوثيقة بين القصص الخيالية والتكنولوجيا نجدها بوضوح في الأفلام المأخوذة من "ألف ليلة" التي تعتمد علي المؤثرات الخاصة وتقنيات التصوير والتحريك الحديثة.
منذ البداية لجأ السينمائيون إلي الأدب الخيالي الشعبي لإستلهامه، خاصة بعد أن أصبح واضحا أن السينما هي الوريث الأول للفنون الشعبية بأنواعها: الحكي والغناء والرقص والإحتفالات والشعائر والمهرجانات وعروض الشارع وغير ذلك من الفنون والوسائط التي سلمت نفسها لفن السينما وأصبحت جزءا منه.
أول فيلم يصنع عن "ألف ليلة" هو "الموت المتعب" للمخرج الألماني الكبير فريتز لانج، أحد مؤسسي حركة "التعبيرية الألمانية" التي أحدثت ثورة في تقنيات وجماليات السينما، وصاحب الكلاسيكيات الخالدة مثل "م" و"الدكتور مابوزي" وغيرها.
"الموت المتعب"، وفقا لإسمه الأصلي بالألمانية، أو "المصير"، وفقا لترجمته الإنجليزية وطبعة الدي في دي الحديثة التي صدرت منذ عدة سنوات.
في إطار خيالي يعتمد علي المؤثرات الخاصة واللعب بالظلال وزوايا الكاميرا الغريبة يروي الفيلم قصة امرأة تمنح ثلاث فرص لإنقاذ حياة الشاب الذي تحبه، وكل فرصة تحتوي علي قصة في زمن ومكان مختلفين. القصة الأولي منها تدور في ايران وهي مقتبسة من بعض مغامرات ألف ليلة، بينما الثانية تدور في أوروبا عصر النهضة والثالثة في الصين!
"مغامرات الأمير أحمد" هو ثاني فيلم يصنع عن "ألف ليلة" عام 1926، وهو ألماني أيضا، كما أنه أقدم فيلم تحريك طويل في تاريخ السينما، وهو من اخراج امرأة هي فنانة التحريك لوته راينيجر،وقد فقدت نسخ الفيلم منذ زمن طويل، ولكن تم العثور مؤخرا علي نسخة "بوزيتيف" تم ترميمها وطبع نسخة "نيجاتيف" منها، وتم إصدار نسخة دي في دي منه كانت حدثا في ألمانيا منذ عدة سنوات، حيث كنت هناك بالصدفة واشتريت نسخة منه.
العجيب في فيلم "مغامرات الأمير أحمد" أنه يعتمد علي تقنية خيال الظل الشرقية، أو "السيلويت"، كما أنه يحتوي علي بعض المشاهد الملونة باليد.
تفتح "ألف ليلة" بخيالها العجائبي أبوابا للإبداع لدي الفنانين أصحاب الخيال الجامح سواء علي مستوي السرد أو الصورة السينمائية، كما نري في الفيلمين السابقين، اللذين يبدو صناعها وكانهم يريدون أن يسبقوا الزمن ويتخطون الحواجز.
مبكرا أيضا التفتت هوليوود إلي ثراء "الف ليلة" وصنعت فيلمها الأول عن الكتاب "لص بغداد" (اخراج راول وولش 1926 ) الذي لعب بطولته نجم الحركة والأكروبات دوجلاس فيربانكس...وهو فيلم ساهم في تشكيل الصورة التي أصبحت عليها معظم أفلام "الف ليلة" اللاحقة مثل الجن الضخم الأصلع ذو الحواجب الغليظة الذي يخرج من المصباح والسجادة السحرية الطائرة والمطاردات في الأسواق وعلي أسطح البيوت إلي آخره.
إلي الآن نتحدث عن السينما الصامتة بالأبيض والأسود. ومع ظهور الصوت والألوان جاءت نسخة بريطانية من "لص بغداد" شارك في اخراجها خمسة مخرجين منهم المخرج الكبير مايكل باول، وتحت اشراف المنتج والمخرج ألكسندر كوردا، وهو واحد من أفضل الأفلام التي صنعت عن "الف ليلة" من ناحية التقنيات المبهرة والمبهجة والطابع الترفيهي الشعبي للمغامرات، وقد تصدرت أفيش الفيلم عبارة "تقنيات التلوين العملاقة" وتحتها صورة الجن العملاق يحمل علاء الدين علي كفه!

هوليوود انتبهت مبكرا أيضا إلي صلاحية "ألف ليلة" للأفلام الموجهة للأطفال وأفلام التحريك، فمع آواخر الثلاثينات قامت شركة بارامونت بتمويل صنع ثلاثة أفلام تحريك ملونة قصيرة من مغامرات البحار بوباي، مقتبسة عن "الف ليلة" وهي "البحار بوباي يلتقي البحار سندباد" و"البحار بوباي يلتقي علي بابا والأربعين حرامي" و"علاء الدين والمصباح السحري".
مع نجاح "لص بغداد" البريطاني وأفلام بوباي قررت هوليوود الدخول بقوة علي "الف ليلة" وانتجت فيلم "الليالي العربية" _ الإسم الذي تعرف به في الغرب منذ ظهور أول ترجمة لبعض قصص الكتاب بالإنجليزية.
"الليالي العربية" الذي أخرجه جون رولينز عام 1942 طور التقنيات التي ظهرت في "لص بغداد" كما استعان بالممثل الكوميدي صغير الحجم "سابو" الذي ظهر في الفيلم البريطاني.
في "الليالي العربية" تظهر شهرزاد لأول مرة في السينما، ولكنها
تختلف عن شهرزاد الكتاب، فهي ليست زوجة شهريار راوية القصص، ولكنها راقصة تحاول الإطاحة بالسلطان هارون الرشيد والزواج من أخيه، وعندما تفشل محاولتها يتم بيعها كجارية، وقد لعبت الدور الجميلة من أصل أسباني ماريا مونتيز، وبدا واضحا أن هوليوود تنوي استثمار نجاح "الف ليلة" في سلسلة من الأفلام، كان أولها "علي بابا والأربعين حرامي" 1944 الذي شارك في بطولته ماريا مونتيز وجون هال بطلا فيلم "الليالي العربية"، ثم "السيف الذهبي، هارون الرشيد" الذي لعب بطولته روك هدسون، ويضم أيضا القصة التقليدية للملك الطيب هارون الرشيد ووزيره الشرير جعفر البرمكي والفارس الذي يحرر البلاد من قبضة الوزير الشرير ويفوز بقلب الأميرة الجميلة...وهي القصة التي تم إعادتها في فيلم التحريك الشهير "علاء الدين" عام 1992، والذي يعد أنجح فيلم صنع عن "الف ليلة" علي الإطلاق، وقد أعقبه سلسلة أخري من أفلام التحريك الموجهة للأطفال بالأساس.
من أشهر الأفلام الهوليوودية التي صنعت عن "الف ليلة" فيلم "رحلات السندباد السبعة" الذي ظهر عام 1958، وقام بصنع المؤثرات الخاصة فيه رائد التحريك راي هاريهاوزن، والذي شارك بعد ذلك في صنع فيلمين آخرين عن "الف ليلة" هما "رحلة السندباد الذهبية" عام 1974 و"السندباد وعين النمر" عام 1977...وقد تخلل هذه الفترة ظهور عدة أفلام أخري عن "الف ليلة" منها فيلم التحريك "السيد ماجو" عام 1959 و"زهرة ألف ليلة وليلة" الإيطالي للمخرج بيير باولو بازوليني الذي أشرت إليه في المقدمة.
المحتوي الجنسي الصريح في "الف ليلة" كان يتم الإشارة إليه بشكل مهذب منقح علي طريقة الطبعات "المهذبة" للكتاب، وحتي الترجمات الإنجليزية الشهيرة له كانت دائما ما تمارس وصايتها علي الليالي، ولم تظهر بالإنجليزية طبعة كاملة إلا منذ عامين فقط عندما قام مالكوم واورسولا ليونز بترجمة الطبعة الهندية، التي صدرت عن سلسلة "الذخائر" منذ حوالي عشر سنوات، في عدة أجزاء ثمنها 125 جنيه استرليني عن دار نشر "بنجوين" الشهيرة.
كنت أقول أن المحتوي الجنسي الصريح ل"ألف ليلة" لم يظهر في السينما سوي في فيلم "زهرة ألف ليلة وليلة" الذي كتبه وأخرجه بازوليني عام 1974 وهو فيلم جرئ وغريب لا يجرؤ أحد علي صنع مثله الآن، وقد صنعه بازوليني كجزء ثالث وأخير من ثلاثيته التي أطلق عليها "ثلاثية الحياة" والتي سعي من خلالها إلي "أفلمة" ثلاثة من أشهر الكتب الشعبية الخيالية وهي "الديكاميرون" الإيطالية و"حكايات كانتربري" الإنجليزية و"ليالي ألف ليلة" العربية.

بازوليني الذي كان شاعرا وروائيا وصانع أفلام وشيوعيا ومثليا جنسيا ومتمرد كبير لقي حتفه بطريقة وحشية علي يد قوي الرجعية في ظروف لا تزال غامضة عام 1975، وذلك بعد عام واحد من فيلمه المأخوذ عن "ألف ليلة".
أدرك بازوليني، أكثر من أي صانع أفلام آخر، الطاقة التحريرية التي تعج بها الليالي والكتب الخيالية الشعبية الأخري، بإعتبارها وسيلة تمرد وتخريب للأنظمة الفكرية والسياسية الرجعية والمستبدة، وفي فيلمه لا يقوم بازوليني فقط بتحرير السينما من رجعيتها علي مستوي الصورة، إذ يحتوي فيلمه علي مشاهد عارية كثيرة ولكنها لا تنتمي إطلاقا للبورنوجرافية، ولكنه أيضا يحرر فيلمه علي مستوي السرد، ويحافظ علي الطابع السردي "الفوضوي" و"السيريالي" للكتاب الأصلي، فيدخل بنا من حكاية لحكاية ومن الحكاية الثانية لحكاية ثالثة وهكذا، في سلسلة شبه لانهائية من القصص التي تعبر عن مدي الغني والعنف والرومانسية وكل التناقضات التي تمتلئ بها الحياة.
خارج هوليوود تأتي السينما الهندية "البوليوودية" بإعتبارها أكثر السينمات اقتباسا لقصص "ألف ليلة" في عشرات الأفلام، رغم أن معظمها متأثر بقوة بالأفلام الهوليوودية سواء في القصص المختارة _ علاء الدين والمصباح والسندباد ولص بغداد...- أو علي مستوي الصورة والمؤثرات.
محطات التليفزيون انتبهت أيضا إلي امكانية صنع مسلسلات مشوقة عن قصص ألف ليلة وظهرت مسلسلات عديدة في أمريكا والهند وغيرهما معظمها عن رحلات السندباد ومغامراته، لعل من أشهرها المسلسل الذي أنتجته محطتا "ايه بي سي" الأمريكية "و"بي بي سي" البريطانية في التسعينيات، والمسلسل الهندي الذيي حمل اسم "الف ليلة" بالعربية واستمر عرضه لمدة خمس سنوات من 2000 إلي 2005 وتضمن 143 حلقة!
وفي معظم البلاد ظهرت أعمال سينمائية وتليفزيونية عن الليالي، في وايطاليا واليابان وحتي الإتحاد السوفيتي في عز قوته وشيوعيته عام 1966 قام بصنع فيلم عن علاء الدين ومصباحه السحري، وفي فرنسا التي صنعت عدة أفلام منها "علاء الدين والمصباح" و"1001 ليلة" الذي انتج عام 1990 ولعبت فيه الممثلة الناشئة في ذلك الوقت كاثرين زيتا جونز دور شهرزاد في أول أدوارها.
...أما السينما المصرية فقد تعاملت مع "ألف ليلة" بإزدراء لا يليق بالبلد الذي خرجت منه ككتاب متكامل لأول مرة، ولا نجد سوي حفنة تعد علي أصابع اليد من الأفلام المتواضعة مثل "نور الدين والبحارة الثلاثة" اخراج توجو مزراحي عام 1944 و"ألف ليلة وليلة" اخراج حسن الإمام عام 1964 " و"الفانوس السحري" لفطين عبد الوهاب عام 1960...وكلها تشعر أنها مقتبسة برداءة عن الأفلام الهوليوودية بصريا وسرديا.
إلي الآن لا يوجد عمل سينمائي مصري يرقي إلي مستوي الكتاب الخالد أو إلي مستوي الرواية الساحرة "ليالي ألف ليلة" التي كتبها نجيب محفوظ عن الليالي.
الليالي العربية لم تعد ليالينا بفضل قوي التخلف والرجعية...ولكن الحياة التي ينبض بها الكتاب لا يمكن أن تموت حتي لو صادروه وحتي لو قتلوا بازوليني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.