استقرار أسعار الأسماك وارتفاع الجمبري في أسواق الإسكندرية اليوم    رئيس الوزراء: مستعدون لتقديم أي دعم مُمكن لزيادة صادرات الصناعات الغذائية    توريد 587 ألف طن قمح لشون وصوامع الشرقية    وزير التنمية المحلية: مشروعات الرصف والتطوير بالغربية تحقق رضا المواطن    إنفوجراف| تعرف على أنشطة مديريات الزراعة والطب البيطري خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: نحذر من استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا من رفح إلى جنين    بعد تحقق توقعاته عن زلازل إيطاليا.. العالم الهولندي يحذر العالم من أخطر 48 ساعة    حزب الله يستهدف جنودا إسرائيليين عند موقع الراهب بالأسلحة الصاروخية والقذائف المدفعية    تطورات بيان «كاف» عن نهائي الكونفدرالية.. إيقاف لاعب الزمالك وعضو المجلس | عاجل    شوبير يكشف موعد عودة علي معلول إلى الملاعب.. مفاجأة كبرى ل الأهلي    وكيل «تعليم مطروح» يشكل لجنة لمراجعة ترجمة امتحان العلوم للشهادة الإعدادية    تحرير 121 محضرا مخالفا خلال حملات تموينية وتفتيشية بمراكز المنيا    مدير «القومية للحج» يوضح تفاصيل تفويج حجاج الجمعيات الأهلية (فيديو)    إصابة مواطنين في حادث تصادم بين سيارتين بالفيوم    الإعدام لعامل والمؤبد والسجن لآخرين في قضية قتل سيدة وتقطيع جسدها في الإسكندرية    فيلم السرب يواصل صعوده في شباك التذاكر.. وإيراداته تتجاوز 31 مليون جنيه    الليلة.. أبطال وصناع فيلم "بنقدر ظروفك" يحتفلون بالعرض الخاص    أخصائي أمراض الجهاز الهضمي يوضح الفرق بين الإجهاد الحراري وضربات الشمس    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية رسلان غدا.. تضم 8 تخصصات    محافظ جنوب سيناء ومنسق المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء يتفقدان مبنى الرصد الأمني بشرم الشيخ    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    إستراليا ونيوزيلندا ترسلان طائرات إلى كاليدونيا الجديدة في ظل الاضطرابات    صباح الكورة.. 7 لاعبين مهددون بالرحيل عن الهلال وبنزيما يقرر الرحيل عن اتحاد جدة وميسي يفاجئ تركي آل الشيخ    كيف تستعد وزارة الصحة لأشهر فصل الصيف؟    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    أخبار الأهلي : قلق داخل الأهلي قبل نهائي دوري أبطال أفريقيا    لمواليد برج الحمل.. توقعات الأسبوع الأخير من مايو 2024 (تفاصيل)    رئيس الإذاعة: المولى عز وجل قدّر للرئيس السيسي أن يكون حارسا للقرآن وأهله    الموعد والقناة الناقلة لقمة اليد بين الأهلي والزمالك بدوري كرة اليد    أخبار الأهلي : هجوم ناري من شوبير على الرابطة بسبب الأهلي والزمالك.. وكارثة منتظرة    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    بالتزامن مع فصل الصيف.. توجيهات عاجلة من وزير الصحة    في يومه العالمي.. طبيب يكشف فوائد الشاي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    تاريخ المسرح والسينما ضمن ورش أهل مصر لأطفال المحافظات الحدودية بالإسكندرية    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    طلب تحريات حول انتحار فتاة سودانية صماء بعين شمس    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    الثلاثاء 21 مايو 2024.. نشرة أسعار الأسماك اليوم بسوق العبور للجملة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    استشهاد رئيس قسم الجراحة بمستشفى جنين    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    حسم اللقب أم اللجوء للمواجهة الثالثة.. موعد قمة الأهلي والزمالك في نهائي دوري اليد    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    حسام المندوه: الكونفدرالية جاءت للزمالك في وقت صعب.. وهذا ما سيحقق المزيد من الإنجازات    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    المقاومة الفلسطينية تستهدف قوات الاحتلال قرب مفترق بلدة طمون جنوب مدينة طوباس    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    عمرو أديب عن وفاة الرئيس الإيراني في حادث الطائرة: «إهمال وغباء» (فيديو)    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روايات موضوعة وباطلة تتهم النساء بالخيانة
نشر في شباب مصر يوم 09 - 04 - 2014

قال أبو هريرة عن النبي-صلى الله عليه و سلم-أنه قال: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها.(متفق عليه البخاري ومسلم)
اللافت للنظر أن كل غاريب صحيحي البخاري ومسلم في الاعتقاد والتصورات قد رويت من طريق أبي هريرة الذي كان يروى عن كتب أهل الكتاب وممن أسلام من اليهود وأحبارهم؛أمثال كعب الأحبار وغيره، مما حمل بعض علماء الحديث التنبيه والإشارة إلى ذلك وإن بطريقة خجولة،فقد أشار بعضهم إلى أبي هريرة أنه كان يروى الإسرائيليات عن كعب ولكنه لا يصرح ولا يبن ذلك؛ كما في حديثه الذي رواه مسلم في صحيحة ، قال أبو هريرة: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة. فقد صرح البخاري ووافقه فيما بعد ابن تيمية وابن كثير وغيرهم: إن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار لأن هذا الحديث يخالف نص القرآن في أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام.علما بأن البخاري وغيره لم يلتزموا نقد الرواية عبر منطق الوحي ووحي المنطق وجعلوا ذلك قاعدة مضطرة في كل الروايات وإن صح إسنادها، حيث روى البخاري أحاديث كثيرة تخالف القرآن في الاعتقاد وغيره كهذا الحديث، لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها. وحديث نزول عيسى ابن مريم آخر الزمان، وحديث الدجال ، وغيرها من الأحاديث التي سوف تناول عرضها على القرآن في رسائل مستقلة.
وقد لفت نظر ابن خزيمة عدم تصريح أبي هريرة فيما ينقله عن كعب الاحبار في حديثه الذي قال فيه:خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أسكن الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة.قال قلت له:-أي سلمه-أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال بل شيء حدثناه كعب. لكن لقداسة فكرة تعديل الصحابة التي سيطرة على عقل المحدث منعت ابن خزيمة أن يسجل ملاحظاته ونقده حول هذه الروايات الإسرائيلية.
وقد جاء بعده السخاوي في فتح المغيث ووقف على حجم هذه الروايات الإسرائيلية لكنه تناولها بطريقة تمجيدية صرفة مادامت هذه الروايات صحيحة الإسناد حيث تم رفع هذه الروايات إلى مرتبة المسند والحديث المرفوع، فقال، قال أبو عمرو الداني:قد يحكي الصحابي قولا يوقفه على نفسه فيخرجه أهل الحديث في المسند لامتناع ان يكون الصحابي قاله بلا توقيف،كحديث أبي صالح السمان عن أبي هريرة انه قال: نساء كاسيات عاريات مميلات. فمثل هذا لا يقال من قبل الرأي فيكون من جملة المسند .ثم قال السخاوي:ومن الأدلة للأظهر"أي الحكم بالرفع" أن أبا هريرة رضي الله عنه حدث كعب الأحبار بحديث فقدت امة من بني إسرائيل لا يدرى ما فعلت فقال له كعب أأنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله فقال له أبو هريرة نعم وتكرر ذلك مرارا فقال له أبو هريرة افاقرا التوراة.وهذا نص الرواية كما رواها البخاري، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله:فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدري ما فعلت، وإني لا أراها إلا الفأر، إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب، وإذا وضع لها ألبان الشاة شربت. فحدثت كعبا فقال: أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله؟ قلت: نعم ، قال لي مرارا، فقلت: أفأقرأ التوراة ؟ وجاء في صحيح مسلم من رواية إسحاق عن أبي هريرة.لا ندري ما فعلت الفأرة مسخ وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه، فقال له كعب أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفأنزلت عليه التوراة. وحدثني أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال الفأرة مسخ وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه فقال له كعب أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفأنزلت علي التوراة .
يبدو أن العقل التمجيدي لا يجد حرجا في الدفاع عن مدونات الأحاديث وإن كان ذلك على حساب تشويه صورة الرسول والرسالة الخاتمة؛ فيمكنك أن تتأمل دلالات هذه العبارات...أفأنزلت عليه التوراة...أفاقرأ التوراة ، ناهيك عن متون هذه الاحاديث الخرافية(فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدري ما فعلت، وإني لا أراها إلا الفأر)،التي تخالف القرآن والعقل وسنن الاجتماع !!
وأحسب أنه من المناسب بعد هذه المقدمة أن نتناول الحديث تناولا نقديا بما يناسب المقام عبر ثلاثة محاور،المحور الأول الحديث في عيون آئمة الحديث.المحور الثاني الحديث عند المفسرين. المحور الثالث مفردات الحديث في العهد القديم والجديد.
المحور الأول: الحديث في عيون آئمة الحديث:
لا يخفى أن حديث أبو هريرة لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها. من الأحاديث المتفق عليها،قد تناوله جمع من شراح السنن بالشرح والتأويل بطريقة تقديسية تمجيدية ركزوا فيها على شرح مفردات الحديث وذكر ما يستفد من هذا الحديث من لطائف وإرشادات بنمطية كلاسيكية ذكورية، فمثلا هذا الحافظ ابن حجر شارح صحيح البخاري في كتابه فتح الباري، قال في شرحه لهذا الحديث: قوله لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم يخنز بفتح أوله وسكون الخاء وكسر النون وبفتحها أيضا بعدها زاي أي ينتن والخنز التغير والنتن قيل أصله أن بني إسرائيل ادخروا لحم السلوى وكانوا نهوا عن ذلك فعوقبوا بذلك حكاه القرطبي وذكره غيره عن قتادة.وقال بعضهم معناه لولا أن بني إسرائيل سنوا ادخار اللحم حتى أنتن لما ادخر فلم ينتن.وروى أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال في بعض الكتب لولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنه الأغنياء عن الفقراء.انتهى شرح ابن حجر للشطر الأول من الحديث ويبدو أن ابن حجر لم يكن معنيا بما ينقله عن القرطبي أو قتاده أو وهب بن منبه من كلام يناقض سنن الكون وناموس الحياة، ويخالف منطق الوحي ومنطق العقل.
ثم انتقل ابن حجر لشرح الشطر الثاني من الحديث بقوله: قوله ولولا حواء أي امرأة آدم وهي بالمد، قيل سميت بذلك لأنها أم كل حي، وسيأتي صفة خلقها في الحديث الذي بعده. وقوله لم تخن أنثى زوجها؛ فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك.فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهها بالولادة ونزع العرق فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول، وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له،وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها، وقريب من هذا حديث جحد آدم فجحدت ذريته. وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور، وينبغي لهن أن لا يتمكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن والله المستعان. (فتح الباري)ولعل اللطيفة المستفاد من هذا الحديث كما قال ابن حجر هي تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم وأن ذلك من طبعهن، ويبدو ابن حجر في تقريره لهذه المسلمة ينطلق من أرضية تلك الروايات االذكورية المخالفة للقرآن وقصديته، والمناقضة لمنطق العقل والواقع؛ كرواية المرأة خلقت من ضلع أعوج،ورواية النساء ناقصات عقل ودين وهلم جرا.
ولم يبعد شارح صحيح مسلم الإمام النووي عن شرح ابن حجر من حيث التفكير والمسار والمنطق الذكوري المحكوم بإكراهات المجتمع العربي وبيئات قضايا الشرف والعار،حيث قال: وقوله صلى الله عليه وسلم: لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر.أي لم تخنه أبدا،وحواء بالمد روينا عن بن عباس قال سميت حواء لأنها أم كل حي قيل إنها ولدت لآدم أربعين ولداً في عشرين بطناً في كل بطن ذكر وأنثى،واختلفوا متى خلقت من ضلع آدم فقيل قبل دخولها الجنة فدخلاها وقيل في الجنة.قال القاضي ومعنى هذا الحديث أنها أم بنات آدم فأشبهنها ونزع العرق لما جرى لها في قصة الشجرة مع إبليس فزين لها أكل الشجرة فأغواها فأخبرت آدم بالشجرة فأكل منها. قوله صلى الله عليه وسلم لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم هو بفتح الياء والنون وبكسر النون والماضي منه خنز بكسر النون وفتحها ومصدره الخنز والخنوز وهو إذا تغير وأنتن قال العلماء معناه أن بني إسرائيل لما أنزل الله عليهم المن والسلوى نهوا عن ادخارهما فادخروا ففسد وأنتن واستمر من ذلك الوقت والله أعلم .
والملاحظ أن رواية مسلم جاء فيها زيادة مفردة الدهر(لم تخن أنثى زوجها الدهر) أي بمعنى أن الخيانة في الأنثى مضروبة عليها ضرب لازب كما أشار النووي في شرحه لمفردة الدهر حيث قال(لم تخنه أبدا) ومعنى هذا الحديث أنها أم بنات آدم فأشبهنها ونزع العرق والعرق دساس.واللافت للنظر أن النووي يذهب إلى أن فسد اللحم لازال مستمرا حتى لحظته حيث نقل عن علمائه نقلا بعقل تمجيد لا يفرق بين الواقع والخيال،ولا بين العلم والتخملات،فقال:قال العلماء معناه أن بني إسرائيل لما أنزل الله عليهم المن والسلوى نهوا عن ادخارهما فادخروا ففسد وأنتن واستمر من ذلك الوقت والله أعلم ،وأحسب أن هذا الزعم يبدده الواقع جملة. ولعل النووي في ذلك قد تخيل اللحوم في زمانه بأنها فاسدة وذلك من باب إقناع العقل بمنطق هذه الرواية المخالفة للوحي والعقل والواقع!!
المحور الثاني: الحديث عند المفسرين
ينبغي التنبيه هنا بأننا لا نريد الوقوف عند الشطر الأول من الحديث ( لولا بنوا إسرائيل لم يخنز اللحم) حيث تكفي الإشارة السالفة لهذا الشطر من أن فساد اللحم وعفانته لا علاقة له بدين ولا بجهة ولا بلون وإنما تخضع لعوامل قررها العلم الحديث من بكتيريا وفيروسات وغير ذلك مما هو مقرر عند علماء العلوم الحديث، ولعل شطر هذه الرواية منتج من منتجات العنصرية الدينية والملية، لأن رائحة التدافع الملي بين المسلمين وغيرهم خاصة اليهود واضحة وجلية فيه.والذي يهمنا في هذا المقام الوقوف عند الشطر الثاني من الرواية (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر) بغية معرفة حجم اعتداءات المفسر على النظم القرآني لصالح هذه الرواية، وما أفرزه من ثقافة ذكورية تحتقر الأنثى وتزدريها بمنطق الدين والإيمان لدرجة إقتناع الأنثى ذاتها بتلك الثقافة الذكورية (العنصرية الذكورية) المخالفة لمنطق الوحي وقصديته.فنأخذ لذلك عينة تفسيرية تثبت مدى الترابط بين ما قاله المفسر في القديم وما نقله عن المفسر الحديث عنه على الرغم من تغير السياق التاريخي والمساق الثقافي والاجتماعي، وذلك من خلال تفسير ابن جرير الطبري وتفسير فتح القدير للشوكاني عفي الله عنهما.
العينة الأولى: تفسير ابن جرير الطبري
يبدو أن ابن جرير الطبري نظر إلى تفسير آيات البقرة التي تناولت قصة آدم وحواء وكيفية إستزلال الشيطان لهما من خلال روايات كعب وابن المنبه ومن روى عنهما، حيث نقلا عن كتب أهل الكتاب في العهدين حكايات إغواء الشيطان لحواء وما نالها من عقاب من الله سبحانه. والملحظ أن ابن جرير لم يجد حرجا في نقل تلك الحكايات والقصص وما هو مسطور في العهدين القديم والجديد من كتب أهل الكتاب،ولكنه أضاف لتلك الحكايات الإسرائيلية أسانيد تسندها لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سواء في قصة دخول إبليس إلى الجنة عبر الحية بطريقة درامية، أو في قصة تزينه لآدم وحواء الأكل من الشجرة، أو في قصة تعري آدم واختفائه من الله سبحانه، أو في طريقة مخاطبة الله له بطريقة درامية، أو في قصة إنزال العقوبة على حواء وبنات حواء وذلك بالحيض والنفاس والإكراه في الحمل والوضع، وأخيرا بوصف الخيانة المستمرة لحواء وبناتها. وهذا يعني أن المفسر للآي القرآني كان خاضعا لسلطة الإسناد والرواية وإن كانت شاذة المتن ومخالفة لصريح الوحي وصحيح العقل، مما حمله ذلك تمزيق نسيج النظم القرآني وقطع سريان قصديته بانتساب وتناغم باعتبار التكامل بين السابق واللحاق في إطار الوعي بالسياق التاريخي والمساق الاجتماعي والثقافي والسياسي. وإليك بعض العينات لما سبق تقريره من تفسير ابن جرير الطبري خاصة فيما يدين المرأة ويلقي عليها ثوب الخيانة الدائم.
- كيف كان استزلال إبليس آدم وحواء: قال ابن جرير فإن قال لنا قائل: وكيف كان استزلال إبليس آدم وزوجته حتى أضيف إليه إخراجهما من الجنة؟ قيل: قد قالت العلماء في ذلك أقوالاً سنذكر بعضها. فحكي عن وهب بن منبه في ذلك ما:حدثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مُهرب، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لما أسكن الله آدم وذرّيته، أو زوجته، الشك من أبي جعفر، وهو في أصل كتابه: وذرّيته ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته!!
- القصة الدرامية لدخول إبليس الجنة: فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل في جوف الحية، وكانت للحية أربع قوائم كأنها بُخْتية من أحسن دابة خلقها الله. فلما دخلت الحية الجنة، خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حوّاء، فقال: انظري إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها فأخذت حوّاء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها فأكل منها آدم، فبدت لهما سوآتهما..
- إبليس يخطط لاختراق الجنة: وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ليث بن أبي سليم، عن طاوس اليماني، عن ابن عباس، قال: إن عدوّ الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض أنها تحمله حتى يدخل الجنة معها، ويكلم آدم وزوجته، فكلم الدوابّ أبى ذلك عليه، حتى كلم الحية فقال لها: أمنعك من ابن آدم، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني الجنة، فجعلته بين نابين من أنيابها، ثم دخلت به، فكلمهما من فيها، وكانت كاسية تمشي على أربع قوائم، فأعراها الله، وجعلها تمشي على بطنها. قال: يقول ابن عباس: اقتلوها حيث وجدتموها، اخفروا ذمة عدوّ الله فيها.
- مشهد خيالي درامي حواري بين إبليس والملائكة: يقول ابن جرير: حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لما قال الله لآدم:{ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شئْتُما وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ }أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة فمنعته الخزنة، فأتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير، وهي كأحسن الدوابّ، فكلمها أن تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم، فأدخلته في فمها، فمرّت الحية على الخزنة فدخلت ولا يعلمون لما أراد الله من الأمر، فكلمه من فمها فلم يبال بكلامه، فخرج إليه فقال:{ يا آدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى }.يقول: هل أدلك على شجرة إن أكلت منها كنت ملكا مثل الله عزّ وجل، أو تكونا من الخالدين فلا تموتان أبدا.
- قصة اختفاء آدم من ربه: فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب، قال: ألا تخرج: قال: أستحيي منك يا ربّ، قال: ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة يتحوّل ثمرها شوكا.قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح والسدر.
- إبليس يتابع قراءة كتب الملائكة في صورة درامية:...وحلف لهما بالله{ إني لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ }وإنما أراد بذلك ليبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما بهتك لباسهما.وكان قد علم أن لهما سوأة لما كان يقرأ من كتب الملائكة، ولم يكن آدم يعلم ذلك، وكان لباسهما الظفر.
- القرآن يقول فعصى آدم ربه فغوى: وابن جرير يقول: فأبى آدم أن يأكل منها، فتقدمت حوّاء فأكلت، ثم قالت: يا آدم كل فإني قد أكلت فلم يضرّني. فلما أكل آدم بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهما وَطَفِقَا يَخْصِفانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ }.
- مشهد إغواء آدم في ثوب سهرة إنسية: وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسوس الشيطان إلى حوّاء في الشجرة حتى أتى بها إليها، ثم حسّنها في عين آدم. قال: فدعاها آدم لحاجته، قالت: لا، إلا أن تأتي ههنا. فلما أتى قالت: لا، إلا أن تأكل من هذه الشجرة، قال: فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما. وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن سعيد بن المسيب، قال: سمعته يحلف بالله ما يستثني ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل، ولكن حوّاء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته إليها فأكل.
- حواء تتحمل معصية آدم: ثم قال الرب: يا حوّاء أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملاً إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا.
- العقوبة السرمدية لحواء وبناتها بنقصان العقل والدين: قال: وذهب آدم هارباً في الجنة، فناداه ربه: يا آدم أمني تفرّ؟ قال: لا يا ربّ، ولكن حياءً منك. قال: يا آدم أنَّى أُتيت؟ قال: من قبل حوّاء أي ربّ. فقال الله: فإن لها عليّ أن أدميها في كل شهر مرة كما أدميت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة، فقد كنت خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها، فقد كنت جعلتها تحمل يسراً وتضع يسراً. قال ابن زيد: ولولا البلية التي أصابت حوّاء لكان نساء الدنيا لا يحضن، ولكنّ حليمات، وكن يحملن يُسْراويضعن يُسْرا.
- إشراك الحية في عقوبة حواء: وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غرّ عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحوّل قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب، أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك.قال عمر: قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء.ورُوي عن ابن عباس نحو هذه القصة.
ويختم ابن جرير حكاياته هذه بنقد من لا يصدق بهذه القصص الخيالية،والتي لا يعلم علمها وتفاصيلها إلا الله سبحانه وتعالى، والتي لم يذكر منها شيء في وحي الله سبحانه. فقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: وأهل التوراة يدرسون: إنما كلّم آدم الحية، ولم يفسروا كتفسير ابن عباس. ثم قال: وقد رويت هذه الأخبار عمن رويناها عنه من الصحابة والتابعين وغيرهم في صفة استزلال إبليس عدوّ الله آدم وزوجته حتى أخرجهما من الجنة. وأولى ذلك بالحقّ عندنا، ما كان لكتاب الله موافقا، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن إبليس أنه وسوس لآدم وزوجته ليبدي لهما ما وورى عنهما من سوآتهما...الدليل الواضح على أنه قد باشر خطابهما بنفسه، إما ظاهراً لأعينهما، وإما مستجنًّا في غيره. وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقال: قاسم فلان فلاناً في كذا وكذا، إذا سبب له سبباً وصل به إليه دون أن يحلف له. والحلف لا يكون بتسبب السبب، فكذلك قوله: فوسوس إليه الشيطان، لو كان ذلك كان منه إلى آدم على نحو الذي منه إلى ذريته من تزيين أكل ما نهى الله آدم عن أكله من الشجرة بغير مباشرة خطابه إياه بما استزله به من القول والحيل، لما قال جل ثناؤه. فأما سبب وصوله إلى الجنة حتى كلم آدم بعد أن أخرجه الله منها وطرده عنها، فليس فيما رُوي عن ابن عباس ووهب بن منبه في ذلك معنى يجوز لذي فهم مدافعته، إذ كان ذلك قولاً لا يدفعه عقلٌ ولا خبرٌ يلزم تصديقه من حجة بخلافه، وهو من الأمور الممكنة. والقول في ذلك أنه قد وصل إلى خطابهما على ما أخبرنا الله جل ثناؤه، وممكن أن يكون وصل إلى ذلك بنحو الذي قاله المتأوّلون بل ذلك إن شاء الله كذلك لتتابع أقوال أهل التأويل على تصحيح ذلك.... ثم قال أبو جعفر: وليس في يقين ابن إسحاق لو كان قد أيقن في نفسه أن إبليس لم يخلص إلى آدم وزوجته بالمخاطبة بما أخبر الله عنه أنه قال لهما وخاطبهما به ما يجوز لذي فهم الاعتراض به على ما ورد من القول مستفيضاً من أهل العلم مع دلالة الكتاب على صحة ما استفاض من ذلك بينهم، فكيف بشكه؟ والله نسأل التوفيق.(انظر:ابن جرير الطبري،تفسير آيات البقرة)
العينة الثانية: تفسير فتح القدير:
لخص الشوكاني ما قاله ابن جرير الطبري بزيادة بعض الأسانيد والمتون الأسطورية، فقال في تفسيره فتح القدير:وقد أخرج قصة الحية، ودخول إبليس معها، عبد الرزاق، وابن جرير، عن ابن عباس.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن عساكر من طرق، عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهى الله عنها آدم السنبلة وفي لفظ: البرّ. وأخرج ابن منيع، وابن المنذر، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب، عن ابن عباس. قال: قال الله لآدم: ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: يا ربّ زينته لي حوّاء، قال: فإني عاقبتها بألا تحمل إلا كرهاً، ولا تضع إلا كرهاً، وأدميتها في كل شهر مرتين.
وربط الشوكاني تلك القصص بحديث الباب بطريقة تمجيدية، حيث قال وأخرج البخاري، والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها. وقد ثبتت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين، وغيرهما في محاجة آدم، وموسى، وحجّ آدم موسى بقوله: أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن أخلق؟(انظر:فتح القدير للشوكاني تفسير آيات البقرة)
واللافت للنظر أن الشوكاني ومن صار على نهجه في نقل تلك الأسانيد والمتون المخالفة لمنطق العقل والوحي يؤسسون بذلك فكرة تحويل العقل من أداة فهم إلى مستودع حفظ،ومن آلة استكشاف إلى آلة استذكار،كذلك ينشرون ثقافة العنصرية الذكورية باسم الدين والتي تمارس عمليات الاضطهاد والازدراء للأنثى على كافة مراتبها.
المحور الثالث: خيانة حواء في العهد القديم.
يبدو لي أن متابعة قصة الحديث خاصة الشطر الثاني (...لولا حواء لم تخن أنثى زوجها) من خلال العهد القديم(التوارة) والعهد الجديد(الاناجيل) يمكن أن تساعدنا على فهم مصدر صناعة هذا الحديث وإنتاجه، خاصة أن ثمة روايات منسوبة لرسول الله تحث الناس على الرواية عن أهل الكتاب ولا حرج، وتحت مظلة حدثوا عن أهل الكتاب ولا حرج وجدت روايات العهد القديم والجديد المخالفة للقرآن سوقا نافقا خاصة منها التي تدين المرأة وتحقرها وتحملها مسؤولية معصية آدم وخيانته وخروجه من الجنة، لأن البيئة العربية بيئة ذكورية حيث كانت تفرح بالفرس وتدفن الأنثى (وإذا الموؤدة سئلت)، فهي لذلك تميل إلى ثقافة إدانة المرأة جملة سواء أكان ذلك عبر نصوص دينية أو من خلال قواعد عرفية محكمة. ويبدو أن هذه البيئة والثقافة لم تجد حرجا في صناعة حزمة من الاسانيد لمرويات العهد القديم التي تحط من قيمة المرأة منذ أن خلقت من ضلع أعوج،وانتهاء بنقصان عقلها ودينها، وبالضرورة تجريم ولايتها وقيادتها. والآن يمكننا عقد مقارنة بين ما جاء في الحديث من تخوين المرأة وتحميلها نتائج معصية آدم وما ذكره شراح الأحاديث والمفسرون وبين ما جاء في العهد القديم والجديد من سردية خيالية في ثوب اسطوري.
قصة حواء::حَوَاء:اسم عبري معناه(حياة) الاسم الذي اعطاه آدم للمرأة الأولى لأنها أم كل حي (تكوين 20: 3). حالاً بعد خلقه، أُحضرت إليه لكي تكون معيناً نظيره. وقد تكونت حوّاء من جنب آدم، وهذا يشير إلى وحدة المرأة مع الرجل في الطبيعة والحقوق والإمتيازات، مع أنه يسود عليها وهي تخضع له كما للرب في العلاقات الزوجية وشؤون الحياة العامة.وقد وضعهما الله في جنة عدن، ولكي يمتحن طاعتهما منعهما من أن يمسا أو يذوقا شجرة معينة. لكن الحية تحت تأثير شيطاني قادت حوّاء إلى الشك في صلاح الله، ثم إلى أكل الثمرة المحرمة. وبعد ذلك الحّت على آدم أن يأكل،(فسمع لقولها)،وشاركها ذنبها. وكانت النتيجة سقوط الإنسان(تكوين 1: 3_24). وبعد طرد الزوجين المذنبين من الجنة، صارت حوّاء على التوالي أم قايين، وهابيل، وشيث وبنين وبنات آخرين(تكوين1: 4 و2 و25 و26 و1: 5_5).ويشير الرسول بولس في 2 كو 3: 11 و1 تيمو 13: 2 و14 الى حواء والالى حواء والسقوط).
قصة الحية:الحية:حيوان يزحف على بطنه(تكوين1: 3 و14)لها رأس وذنب (تكوين15: 3 وخروج 4: 4)، لكن ليس لها أطراف. تسمى اسماً شاملاً في العبرية نحاش(قارن، العبرية، حنش)،(قارن تكوين13: 3 مع 2 كورنثوش 3: 11 وعدد 9: 21 مع يوحنا 14: 3).واذ تتلوى في سيرها، يكون فمها معرضاً للاحتكاك بالتراب، الذي تلحسه(ميخا 17: 7 وقارن تكوين 14: 3).ولغة بعض انواعها تصب سماً مميتاً في الجرح(عدد 6: 21 ومزمور 4: 58 وامثال 32: 23).وبعضها يمكن ان يرقى(جامعة 11: 10).والحية موجودة في البرية والمناطق المأهولة، وعلى الطرق، وفي السياجات، وعلى الصخور، وفي الجدران(تكوين 17: 49 وعدد 6: 21 وامثال 19: 30 وجامعة 8: 10 وعاموس 19: 5).
والحيات المحرقة التي لدغت بني إسرائيل في البرية وسببت الموت كانت نوعاً من الحيات الموجودة في الصحراء العربية وفي غيرها تحدث لدغته ألماً نارياً محرقاً من الالتهاب والعطش(عدد 6: 21 وتثنية 15: 8) . أية 15: 8). انظر(حية النحاس). وحية التجربة كانت في المظهر كحّية عادية ولكنها تفوق وحوش البرية في المكر والدهاء. وبعد ما تورطت في تجربة الإنسان، لعنت بين الوحوش(تكوين 1: 3 و14).
-علاقة حواء بالحية:وربما لم تبصر حواء شيئاً أكثر من حّية، لكن الشيطان كان في هذه الحية، كما كانت الأرواح النجسة فيما بعد في الناس وفي الخنازير، تقودها، وتعيرها دهاء خارقاً، وتستخدمها كوسيلة بها تقترب إلى حواء(رومية 20: 16 و2 كورنثوس 3: 11 ورؤيا 9: 12)، انظر(شيطان).وقد وقع عليه القصاص،كما وقع على الحيوان البريء عندما استخدم آلة للخطية(لاويين 15: 20 و16).وقد جعلت طريقة زحفها على الأرض ذكرى لانحطاطها وعلامة على دينونتها. وهي مكروهة جداً من الإنسان، الذي يهم بقتلها كلما رآها. وكلما أدرك الإنسان بوضوح أن الروح الشرير كان سيد الحية، حول عداوته إلى العدو الأكبر.
وجاء في سفر التكوين:وكانت الحية أَحيل جميع حيوانات البَرِية التي عمِلها الربُ الإِله، فقالت للمَرْأَة: «أَحقا قال اللهُ لاَ تَأْكُلا منْ كُل شَجَر الجَنَّة؟» فقالَت الْمَرْأَةُ لِلحية: « منْ ثَمرِ شَجر الجَنة نَأْكل، وأَمَّا ثَمَرُ الشجَرَة التي فِي وسط الجَنة فقال اللهُ: لاَ تَأْكُلا منْه ولاَ تمسَّاه لئَلاَّ تَموتا».
-حوار بين حواء والحية:فقالت الحية للمرأة: «لن تموتَا! بل الله عالم أَنه يوم تَأْكلان منهُ تنفتحُ أَعينكما وتَكونان كالله عارفينِ الخْير والشَّر». فرأَت الْمرأَةُ أَنَّ الشَّجرَة جيدة للأَكْل، وأَنّها بهجة لِلْعيون، وأَنّ الشجرة شهيَّة للنَّظر. فَأَخذت منْ ثَمرها وأَكلتْ، وأَعطت رجلها أَيْضًا معها فَأَكل.فَانفتحتْ أَعينهما وعلما أَنهما عُرْيانان. فخاطا أَوراق تِين وصنعا لأَنْفُسهما مَآزر.
-اختبأ آدم وحواء: وسمِعا صوت الرَّبِّ الإِله ماشِيًا في الْجنَّة عند هُبُوبِ ريح النَّهَار، فاختبأَ آدَم وامرأَته من وجه الرَّبِّ الإِله في وسط شَجر الْجنَّة. فنادى الرَّبُّ الإِلهُ آدم وقَال لَه: «أَين أَنْت؟». فقال: «سمِعت صوتك في الْجنَّة فخَشيت، لأَنِّي عريان فاختبأْت». فقال: «من أَعلمك أنَك عُرْيان؟ هل أَكلت من الشَّجرة التي أَوصيتك أَن لا تَأْكل منها؟»
- آدم يتهم حواء مباشرة: فقال آدم: « المرأة التي جعلتها معي هي أعطتْني من الشجرة فَأكَلت ».
-حواء ترمي باللائمة على الحية: فقال الرب الإِله للمرأة: «ما هذا الذي فعلت؟» فقالت المَرْأَة: «الحَيَة غرَتني فَأَكلت».
-معاقبة الحية:فقال الرب الإِله للحية: « لأنك فعلت هذا، ملعونة أَنت من جميع الْبهائِم ومن جميع وحوش البَرِّيَّة. على بطنك تسْعين وترَابا تَأكلينَ كل أَيَّام حياتك.وأضع عداوة بيْنك وبين المرأَة، وبين نسلك ونسلِها. هو يسحق رأْسك، وأَنت تسحقِين عقبَه».
-معاقبة المرأة بالأوجاع وسيادة الرجل عليها:وقال للمرأَة: «تكثِيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا. وإِلى رجلك يكون اشتِياقك وهو يسود عليك».
-تعزير مخافة لآدم من أجل سماعه كلام امرأته: وقال لآدم: «لأنّك سمعت لقوْل امرأَتك وأَكلت من الشّجرة التي أوصيْتك قائلا: لاَ تَأْكل منها، ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تَأكل منها كل أيَام حياتك.وشوكا وحسكا تنبت لك، وتَأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تَأْكل خبزا حتى تعود إِلى الأرض التي أخذت منها. لأنك تراب، وإِلى تراب تعود».
-تسمية آدم امرأته: ودعا آدم اسم امرأته «حوَّاء» لأنَها أمُّ كل حيٍّ. وصنع الرَّبُّ الإِله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما.
وهكذا يبدو التوافق والتناغم بين متن الحديث بشرحه، مع ما جاء في العهد القديم والجديد، من ناحية المفردات المستعملة، والسبك القصصي، والأرضية الثقافية المنتجة، والنفس الذكوري الصانع والمسيطر على زمام الأمور جملة.علما بأن هذا التناغم بين الرواية والعهدين لا يقره القرآن الكريم من حيث الأسلوب الأسطوري القصصية، ولا من حيث إسناد الاستجابة لغواية الشيطان. فالقرآن ينسب فعل المعصية إلى آدم وحواء معا(فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما)، (فأزلهما الشيطان عنها)، والتوبة كانت من آدم(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه).(*)
الميزان الذي ينبغي محاكمة الروايات إليه هو ميزان العقل والوحي والواقع فما كان مخالفا لمنطق العقل والوحي وحقائق الواقع فهي رواية شاذة لأنها مخالفة للعقل والوحي والواقع،وهذه القاعدة مع اعتبار الفارق الجوهري تشبه حكم الرواية الشاذة عند أهل الحديث حيث رواية الثقة المخالفة لرواية الثقاة.ويبدو أن العقل الكلاسيكي قبل بقاعدة رد الرواية الشاذة صحيحة الإسناد لمخالفتها للثقاة إلا أنه رفض رد الرواية المخالفة للعقل والوحي والواقع، وهذا تحكم واضطراب لا يستقم ومنطق عقلنة الإيمان وقصديته.
-القرآن ومفردة الخيانة:وردت مفردة (خائن)ومشتقاتها في القرآن الكريم قرابة أثنى عشرة مرة وبمستويات مختلفة في الدلالة، فهكذا وردت( ولا تكن للخائنين خصيما... وإما تخافن من قوم خيانة فأنبذ إليهم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين.... ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب،وأن الله لا يهدي كيد الخائنين..... إن الله لا يحب كل خوان كفور.... ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح... وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل.... يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا... علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ...يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون).
وأصل الخيانة النقض أو النقص كما قال الرازي في تفسيره: وأصل الخيانة النقص، وخان واختان وتخون بمعنى واحد كقولهم: كسب واكتسب وتكسب.(تفسير الكبير) أي أن مفردة الخيانة بمشتقاتها تأتي بمعاني النقض أو النقص بمستوياته المتعددة والمتنوعة كنقص الأخلاق ونقض الإيمان والأيمان،فمثلا ولو أردنا قراءة هذه المفردة حسب سياقاتها القرآنية وترتيب مستوياتها الدلالية في معاني النقض والنقص لوجدناها على هذا النحو،مستوى إيماني(الجانب الاعتقادي): يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون...ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.ومستوى عدلي(الجانب القضائي):ولا تكن للخائنين خصيما.ومستوى إبرام العهود والمواثيق(الجانب السياسي): وإما تخافن من قوم خيانة.. وإن يريدوا خيانتك.ومستوى شخصي أسري(الجانب الأخلاقي): ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب...ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا... علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم.ومستوى دافعي(الجانب العسكري): إن الله لا يحب كل خوان كفور.
وأحسب أن هذه المفردة بمشتقاتها المتنوعة ومستوياتها الدلالية المتعددة لم تصبغ الذين نزلت عليهم وقت التنزيل بصبغة الخيانة؛ ولم تجعل وصف الخيانة لهم وصفا دائما يلحق كبيرهم وصغيرهم من الأولاد والأحفاد كما صبغت الرواية المزعومة الأنثى بالخيانة الدائمة(فالعرق دساس على حد زعم النووي). بل المعروف من المصادر الإسلامية أن جل الذين نزلت عليهم تلك الآيات قد صاروا فيما بعد من الذين رضي الله عنهم وأرضاهم،والسؤال فإذا كان ذلك كذلك فلماذا تضرب على الأنثى أينما وجدت صفة الخيانة الدائمة والمستمرة لمجرد جنسها حتى ولو كانت حواء؟!
-الواقع ومفردة الخيانة.يبدو أن الخيانة بمستوياتها المتعددة والمتنوعة؛خيانة العهد والمواثيق،وخيانة الأمانة،وخيانة الصديق والزوج والأب والمسئول، ظاهرة بشرية قائمة في كل المجتمعات الإنسانية حيث ترتفع نسبتها وتقل بحسب الثقافة السائدة ومستوى الوعي والاحترام المتبادل بين أبناء ذلك المجتمع من كل الأجناس والأعراق والديانات. فمثلا لو أخذنا مستوى مؤشر الخيانة الجنسية بين الذكور والإناث في دول الغرب كمقياس لمعرفة نسبة الخيانة الجنسية بين الرجال والنساء من حيث القلة والكثرة لوجدنا أن نسبة الرجال أكثر خيانة من نسبة النساء، وهذا كما أشارت إليه بعض الدراسات الميدانية التي قامت بها المراكز المختصة لرصد نسبة الخيانة بين الرجال والنساء في الغرب، حيث أثبت بعض الدراسات أن النسب متقاربة، وفي بعضها الآخر أثبت أن ارتفاع نسبة الخيانة بين الرجال أكثر منه بين النساء.ففي أمريكا مثلاالاحصائيات والدراسات في هذا المجال تشير إلى نسبة الخيانة بين الرجال60% بينما بين النساء 40% فقط.ويقال في ألمانيا أن نسبة معكوسة كما قالت د. بتينا شورلمر أخصائية العلاج النفسي للعلاقات الزوجية حيث ذكرت أن نسبة الخيانة الزوجية بين النساء تصل الى 60% من الحالات وهكذا فإن النسبة بين الرجال تكون بحدود 40%:.وللأسف فإن مجتمعاتنا لم تفكر في إجراء شيئا من دراسات ميدانية بهذا المستوى لأن ثقافة مجتمعنا تؤمن بأن الخيانة تكون من طرف واحد وهو الأنثى،فلذلك تستحق التمتع مفردة صفة الخيانة لوحدها؛ لأن خيانتها عار وزنا،بينما خيانة الرجل ليست بخيانة وإنما نزوة وشهوة،وأحسب أن هذه الثقافة مخالفة لمبادئ وأخلاقيات القرآن الكريم الذي وصف الخيانة الجنسية للرجل والمرأة بوصف واحد ألا وهي صفة الزنا(الزانية والزاني...).وعلى ذات المنوال جاءت الرواية بتعميم وصف الزنا لكل جارحة في الإنسان دون تمييز بين ذكر وأنثى،كما قال الراوي عن رسول الله:العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السماع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها الخطى، والقلب يتمنى ويهوى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
ومعلوم من الواقع بالضرورة أن الرجال أكثر خداعا من النساء حيث كشفت دراسة حديثة قام بها علماء مختصون باستجواب 203 أزواج بخصوص الخيانة الزوجية، عبر استبيانات سرية، فجدوا أنه على الرغم من زيادة نسبة الخداع عند الرجال بنسبة 29% اعترفوا بعلاقة غرامية واحدة على الأقل إلى 18.5% عند النساء .(انظر مقال الرجل أقدر على كشاف الخيانة، إعداد: محمد جمّول عن (ذا إندبندنت، موقع أوان) وقريب من ذلك أشار استطلاع جديد حول الحياة الجنسية للفرنسيين بأن الخيانة الزوجية هامشية والمقبّلات الجنسية ازدادت بشكل ملحوظ، كما وأشارت الدراسة إلى أن الجنس في فرنسا يرتبط بالحب بالنسبة لأغلبية النساء ويرتبط بالحاجات الطبيعية واللذة بالنسبة لمعظم الرجال(انظر مقال بيار عقل المنشور في موقع شفاف الشرق الأوسط)
-العقل ومفردة الخيانة: لا يخفى أن ثمة أزمة عند العقل الكلاسيكي مع مفردة العقل فبمجرد سماعها يذهب به عقله إلى ما قاله الأسلاف ضد المعتزلة وخطورة استعمال العقل في فهم النص حتى صار استعماله في الفهم تأويلا وتنزيلا جريمة لا تغتفر،علما بأن العقل هو مناط التكليف وبدونه لا يوجد تكليف .والغريب أن هذا المذهب المناؤى للعقل لمن يكن سائدة عند فقهاء الصحابة من أمثال عمر وعلي وعائشة وغيرهم، لأن هؤلاء الأخيار كانوا يستخدمون عقولهم في فهم النص تأويلا وتنزيلا، ولا يقبلون رواية إلا بعد عرضها على القرآن ومنطق العقل وهذا المنهج العقلاني لم يكن مدانا إلا في عهد تدوين المصنفات وبداية التوظيف السياسي للرواية.
ومن المناسب هنا ذكر نموذجا على عقلانية أولئك الأخيار في قبول ورد الرواية من خلال عرض منهج السيدة عائشة زوج رسول الله صلى عليه وسلم في قبول رواية الصحابة حيث لم يكن لديها حرج في عرض الرواية على العقل والقرآن فإن وافقت العقل والقرآن قبلت وإلا ردت وإن كان قائلها من أكثر الناس ديانة، فمثلا عندما سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله أن امرأة عذبت بالنار من جرى هرة لا هي أطعمتها ولا سقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض شيئا حتى ماتت.(أخرجه البخاري ومسلم وأحمد) فردت عائشة عليه بقولها:المؤمن أكرم عند الله من أن يعذبه من جرى هرة ،أي أن المرأة مع ذلك كانت كافرة؛ يا أبا هريرة إذا حدثت عن رسول الله فانظر كيف تحدث !!(انظر:الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة،للزركشي)
كذلك عندما بلغها أن أبا هريرة يقول:إن رسول الله قال:لأن أقنع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا،وأن ولد الزنا شر الثلاثة، وإن الميت يعذب ببكاء الحي .فقالت عائشة:رحم الله أبا هريرة أساء سمعا فأساء إجابة. أما قوله:لآن أقنع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا،فإنها لما نزلت(فلا أقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة، فك رقبة)قيل: يا رسول الله ما عندنا ما نعتق، إلا أن أحدنا له الجارية السوداء تخدمه وتسعى عليه،فلو أمرنا فزنين فجئن بأولاد فأعتقناهم، فقال رسول الله:لأن أقنع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن آمر بالزنى ثم أعتق الولد. وأما قوله:ولد الزنا شر الثلاثة. فلم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله فقال:من يعذرني من فلان؟ قيل له يا رسول الله إنه ما ما به ولد زنى. فقال: هو شر الثلاثة، والله تعالى يقول: لا تزر وزارة وزر أخرى. وأما قوله:إن الميت يعذب ببكاء الحي. فلم يكن الحديث على هذا ولكن رسول الله مر بدار رجل من اليهود قد مات وأهله يبكون عليه، فقال:إنهم ليبكون عليه وإنه ليعذب . والله يقول: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.(قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأخرجه البيهقي)
يبدو أن ميزان السيدة عائشة في قبول الرواية جد محكم فما خالف قصدية القرآن ومنطق العقل رفضتها وإن كان القائل به جمهور الناس فالعبرة عندها ليست كثرة الرواة وعدو ليتهم، ولكن بقبول القرآن والعقل لما يرويه الراوي ولو كان راويا واحدة. وبذات الميزان والمنهج العائشي يمكننا وزن حديث أبي هريرة: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها.والقول فيه بأنه حديث لا يستقم ومنطق الوحي والعقل بل مخالفته ظاهرة وصريحة،فالله سبحانه وتعالى يقول(ولا تزر وزارة وزر أخرى)ويقول(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)فإذا كان ذلك كذلك فكيف تحمل حواء معصية آدم(فعصى آدم ربه فغوى)،وكيف تعاقب بنات حواء بالحيض والنفاس،والكره في الحمل والوضع، وكيف تصبغ الأنثى بصبغة الخيانة الدهر كله،والله يقول(من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها)،ومن عدله سبحانه (ألا تزو وزارة وزر أخرى،وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى)،ومن قانونه(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)،ومن رحمته سبحانه قال(أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.