تعد البطالة من أكثر المشكلات التي تواجه الشباب والمجتمع وهي كابوس يؤرق الكثير منهم، في حين أن هناك الكثير من المهن التي يتجنبها قطاع عريض من الشباب من باب الحفاظ علي "البرستيج" أو الوجاهة الاجتماعية، فهناك إهمال واضح للمهن الحرفية واليدوية بالمجتمع سواء الاهتمام بها بداية من التعليم الفني أو حتي نظرة المجتمع الدونية لها. صناعة السجاد والخيامية وصناعة الأخشاب وصناعة الشنط اليدوية والأحذية والسباكة جميعها مهن حرفية ويدوية غابت عنها الأيدي العاملة، نظراً لاستعلاء الكثير من الشباب علي هذه المهن واستنكارهم لها، واستنفارهم من التعليم الفني وهو ما ينذر بكارثة اقتصادية واجتماعية نتيجة لقرب انقراض الكثير من هذه المهن وهو ما يسبب ركودا اقتصاديا وفكرا اجتماعيا خاطئا تحكمه النظرة التطلعية. "آخر ساعة" قامت بجولة بين هذه المهن التي غاب عن معظمها الشباب وتكدس بها الكبار وأصحاب الخبرة نظرا لتفضيل الشباب البعد عن امتهان هذه المهن نتيجة للركود الذي تعانيه تارة علي حد قولهم، وتارة أخري بسبب أنها لم تحقق لهم المكانة الاجتماعية التي يتطلعون إليها، وكانت البداية من منطقة "الخيامية" التي تفوح منها رائحة التراث في شارع المعز، حيث تنتشر هناك الصناعات الحرفية واليدوية، إلا أن الصناعة لم تعد كما كانت في السابق فمعظم المنطقة أصبحت تجارة وتسويقا فقط دون تصنيع، باستثناء واحد منهم مازال يصنع السجاد والأقمشة المطعمة بالرسوم والألوان، في حين اعتمد الباقون علي الشغل اليدوي لربات البيوت في الأقاليم. هذا ما أكده الحاج سيد من أقدم تجار السجاد اليدوي بالخيامية، وقال إن مهنة صناعة السجاد اليدوي أصبحت تتلاشي نظراً لأنه لم يعد أحد يتعلمها كالسابق سوي مجموعة قليلة من ستات البيوت، وهن بالطبع لم يتعلمن أصول الصنعة، لكن فقط ما يجعلهن قادرات علي صناعة ما يكسبهن لقمة العيش، أما بالنسبة للشباب فقد أصبحوا يبحثون عن مهن أخري توفر لهم الدخل المرجو والمكانة الاجتماعية التي يتمنونها، مشيرا إلي أنه قام بإلحاق ابنه طه (20 عاماً) بالتعليم الفني من أجل أن يضيف للمهنة من خلال تعليمه بالإضافة إلي تعليمه الشخصي هو لابنه سر وأصول الصنعة، إلا أن التعليم الفني لم يحقق لهم ما يرجوه فهو تعليم علي ورق فاكتسابهم للمهنة أباً عن جد جعلهم حرفيين بها علي حد قوله. أما عن صناعة الأحذية والشنط اليدوية فيوضح الحاج مجدي توفيق أنها لا تختلف حالاً عن باقي الحرف والمهن اليدوية قائلا: أعمل بالمهنة منذ صغري أنا وأخي، وكان والدي وأعمامي أيضاً يعملون بها، إلي أن توليت أمور المحل أنا وشقيقي والآن نصنع الشنط يدوياً أما عن أبنائي فهم جميعا خريجو جماعات لا يوجد منهم أحد يعمل بالمهنة أو حتي علي علم بتفاصيلها، وهذا ما فضلوه وفضلته أنا أيضاً، حيث إن التحديات التي تواجهها المهنة الآن كبيرة مثل قلة العمالة وعدم اهتمام الدولة بها، بما يهدد هذه الصنعة بالاندثار قريباً. وعن صناعة الخيامية والرسومات اليدوية يوضح محمد محمود أنها فن تراثي تعتمد بالأساس علي صناعة الإبرة وتختلف الرسوم ما بين إسلامية أو تراثية عموماً مثل رسوم التنورة، أو معاصرة، إلا أنها لم تعد مثلما كانت عليه في السابق، بسبب قلة العمالة الماهرة، ولذا دعا إلي اهتمام الدولة بعمل دورات لتعليم الشباب هذه الحرف اليدوية لتغيير نظرة الشباب إليها. أما عن باقي المهن كالنجارة والسباكة فلم يختلف الحال بل كان أكثر سوءاً، فالشباب في إعراض تام عنها علي الرغم من أنها قد توفر أرباحا مرتفعة قد لا توفرها مهن أخري يفضلها الشباب كمهنة الدليفري علي سبيل المثال فيفضل الشاب أن يكون طيار "دليفري" علي أن يكون سباكا أو نجارا كما يقول إبراهيم محمد - نجار - إنه عاني الأمرين مع ولديه الاثنين من أجل أن يساعده أحدهما في عمله بجانب الدراسة التي لم يمنعها عنهما لأنه يأمل أن يكونوا في أعلي المراكز إلا أنهما لم يقبلا يوماً متعللين بأنها لم تقدم لهما ما يطمحان إليه والأفضل لهما التركيز في الدراسة ومجال مختلف تماما. وعلي الجانب الآخر أكد خالد عبدالعزيز، وزير الشباب والرياضة في تصريح له، أن 95% من الشباب يرفضون ذلك النوع من العمل داخل الشركات، وهو ما يعكس نظرة الشباب للعمل الفني سواء داخل الشركات أو بالمهن الحرفية أو اليدوية، وباستطلاع آراء الشباب أكدوا إن الكثير من الناس لا يعطون أصحاب هذه المهن أهمية في حين أن خريج الجامعة أو المسميات المهنية هي التي تجعل للشاب شأنا كما يقول أحمد جمال - طالب جامعي - أن ثقافة المجتمع المصري مبنية علي العديد من المفاهيم الخاطئة فمثلا عامل النظافة في الدول الأخري يعامل باحترام وبشكل راق وهو مثله مثل أي موظف آخر بالدولة في حين نجد أن الثقافة وخاصة بالدول العربية تختلف ولا قدسية للمهن فهو زبال وكذلك الحال مع المهن الأخري كالسباكة وغيرها وبالطبع تلك النظرة الضئيلة لهذه المهن وأصحابها تجعل الكثير من الشباب يتجنبونها. من جانبه يقول محمد أحمد (طالب): يجب الانتباه إلي أنه ليس جميع الشباب يرفضون العمل الفني وإن كانت الأغلبية العظمي بالفعل يرفضون المهن الحرفية، وذلك يرجع إلي المجتمع وحب النفوذ والمكانة الاجتماعية العالية، إلا أن هناك بعض الشباب في حاجة إلي فرصة عمل حتي وإن كانت ضئيلة وعلي المستويين فذلك يقع علي عاتق الدولة من خلال التوعية بالعمل الفني وأهميته والاهتمام به وتوفير فرص العمل للشباب. من جانبها تقول د. شادية قناوي أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس، أن هناك عدة مستويات يجب الاهتمام بها لتغيير مفهوم المجتمع ونظرة الناس للمهن الحرفية، حيث يجب أن يكون هناك اهتمام رسمي من جانب الدولة، من خلال الاهتمام بالتعليم الفني وتطويره، ورصد ميزانية مناسبة في موازنة الدولة لهذا الغرض مثلما هو الحال في الدول المتقدمة، وكذلك هناك دور اجتماعي خاص بالمجتمع علي مستوي الفرد والأسرة، لتغيير نظرتهم إلي المهن الحرفية وهذا بطبيعة الحال يتحقق حين يشعر المجتمع باهتمام الدولة بهذه المهن، وبالتالي لا يتأفف الشباب من العمل فيها. وتؤكد أن العمل الفني والمهن الحرفية واليدوية هامة جداً لتنمية المجتمع والنهوض به، وهي لا تقل أهمية عن أي من المهن الأخري، مشيرة إلي ضرورة أن تكون هناك عمالة مدربة وعلي كفاءة عالية ودراية بالمهن الحرفية كمجال صناعة الأخشاب والمعادن وغيرها ، وبذلك يمكن القضاء علي النظرة الدونية من المجتمع لمهن هامة مثل المهن الحرفية. وانتقد وائل غانم رئيس المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إهمال المهن الحرفية، موضحاَ أنها يمكن أن تكون نقطة قوة للاقتصاد، وكما أنها تؤثر تأثيرا إيجابيا فهي أيضاً لها تأثير سلبي وهو ما يحدث الآن حيث نقص العمالة الماهرة وقلة المنتج والمعروض مما يلقي بظلاله السيئة علي المشروعات التنموية والقضاء علي حركة الإنتاج وبالتالي يؤثر ذلك بدوره علي دخل الفرد واقتصاد المجتمع، مضيفاً أنه يمكن استعادة هذه الحرف وإفادتها للاقتصاد والمجتمع من جديد من خلال إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة من قبل الدولة وإقامة المعارض لعرض منتجاتها، وهو ما يعود بنفعه علي اقتصاد الدولة ودخل الفرد.