مازلنا في ملف العلاقات المصرية السوفيتية بعد نكسة 67.. ومن مفكرة الفريق أول محمد فوزي وزير الدفاع الذي أعاد تجميع وبناء الجيش بعد حرب الأيام الستة.. يذكر أن الاتحاد السوفيتي سارع إلي إمداد مصر بالأسلحة والمعدات ابتداء من يوم 9 يونيو 1967 أي في اليوم الرابع لبدء الحرب وكانت بداية ذلك الدعم 31 طائرة ميج 21 و93 طائرة ميج 17 منقولة عن طريق يوغسلافيا.. واستمر ذلك الدعم عن طريق النقل الجوي بطائرات الأنتينوف 22 وعن طريق النقل البحري.. فقد وصلت خلال الشهر الأول بعد الهزيمة إلي 544 رحلة جوية، و15 باخرة نقل بحري كونت 48 ألف طن أسلحة ومعدات عسكرية تعويضا عن خسائر القوات المسلحة، ولم يطالب الاتحاد السوفيتي بثمن المعدات والأسلحة. ويشهد الفريق أول محمد فوزي في مذكراته أن السوفييت لم يستغلوا حاجتنا الملحة إليهم بعد حرب 67 ليحصلوا علي مزايا أو تنازلات أيديولوجية من الرئيس عبدالناصر. وفي اللقاء الأول الذي عقد عقب الهزيمة في القاهرة في 21/6/1967 وشمل تقديم الدعم العاجل الذي أشرنا إليه.. شهد أيضا مناقشة الوضع الاقتصادي بعد الهزيمة وقد عرضه مفصلا زكريا محيي الدين نائب الرئيس وأمكن تحديد مدي التعاون والدعم الاقتصادي مع الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية.. وفي الاجتماع الأول نفسه طلب الرئيس عبد الناصر بحث مسألة إمدادنا بطائرات مقاتلة قاذفة بعيدة المدي حتي يمكن ردع إسرائيل، كما طلب عقد اجتماع متخصص بين زخاروف وفوزي لتحديد مطالب القوات المسلحة العاجلة بالتفصيل مع مناقشة حجم وتنظيم القوات المسلحة اللازمة لتحقيق الأهداف العسكرية التي تحددت سياسيا في أول جلسة.. كما أكد ضرورة تحديد زمن وصول الأسلحة والمعدات المطلوبة. ويمضي الفريق أول فوزي قائلا إنه عقد اجتماعا مع زخاروف استغرق أربع ساعات شارك فيه رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية ورؤساء هيئات القيادة العامة وقادة الأسلحة.. وأسفر الاجتماع عن كشف كبير جدا من الأسلحة والمعدات الحديثة وأمام كل نوع ميعاد التوريد.. وفي اليوم التالي أبلغ زخاروف الرئيس عبدالناصر بقرارات القيادة السوفيتية واستجابتها لكافة مطالب مصر بالنسبة لاحتياجات جميع فروع القوات المسلحة التي تسلمها الرئيس بودجورني أو التي اتفق عليها مع زخاروف ومن بينها 40 طائرة ميج 21 المتطورة.. وإيفاد 1200مستشار سوفيتي في كافة التخصصات العسكرية، و120طيارا لتدريب طيارينا علي الطائرات الجديدة.. ودعم القوات الجوية بطائرات السوخوي الجديدة. ثلاثة اتجاهات ويذكر الفريق فوزي أن الرئيس عبدالناصر استمر يقود ويدفع ثلاثة اتجاهات رئيسية بجهد شخصي خارق بمعدل 16 - 18 ساعة عمل يوميا في شئون القوات المسلحة، وصراعها في البناء وقتال العدو في وقت واحد.. وفي السياسة الخارجية، وفي العمل الداخلي والشعبي خاصة في التنمية والاستثمار.. وكان هذا الجهد مثلا في المثابرة والقدوة الحسنة لجميع القيادات العسكرية والسياسية والشعبية مضحيا بصحته التي بدأت تتأثر نتيجة لهذا الجهد.. بالإضافة إلي التأثير النفسي الذي ظل ملازما له حتي النهاية. ومع بداية عام 1968.. وبعد النجاح الذي حققته خطة إعادة تنظيم وبناء القوات المسلحة خلال الشهور القليلة التي أعقبت هزيمة يونيو 1967، أخذ هدف تحرير الأرض يكتسب قوة دفع أكبر في كافة المجالات.. وزاد تدفق الأسلحة والمعدات السوفيتية الجديدة حتي بلغ ذروته عام 1969، ففي ذلك العام وحده - كما يقول الفريق فوزي - تلقينا أسلحة ومعدات سوفيتية تعادل مجموع ما ورّده إلينا الاتحاد السوفيتي خلال اثني عشر عاما (1955 - 1967).. كما تزايد نشاط القوات المسلحة الإيجابي سواء في استكمال حجم تشكيلاتها الميدانية وتدريبها تدريبا عنيفا وعمليا بمعاونة المستشارين السوفييت أو في قتال العدو علي الجانب الشرقي في سيناء بعمليات دوريات قتالية جريئة نتج عنها خسائر في الأفراد والمعدات وخفض معنويات العدو.. وتصاعدت عمليات الجبهة.. وعمليات القوات الجوية وعمليات القوات الخاصة في إسرائيل. اللقاء الثالث في موسكو وفي أواخر عام 1969 قدم الفريق فوزي تقريره الذي أشار فيه إلي التطور الذي طرأ علي القوات المسلحة وعلي الموقف برمته.. ثم أشار إلي عدم استكمال قوات الدفاع الجوي والقوات الجوية لتغطية مطالب الخطة حتي ذلك الوقت.. ومن ثم كان اللقاء الثالث في موسكو نهاية العام نفسه.. وفيه تحدث الرئيس السوفييتي بريجنيف مؤكدا مساعدة الاتحاد السوفيتي للجيش المصري ليصبح قادرا علي تحرير سيناء.. كما أبدي اهتماما كبيرا بما جاء في تقرير فوزي واستعداد بلاده لتدريب أعداد كبيرة من الطيارين المصريين في الاتحاد السوفيتي مع إرسال 60 طيارا سوفيتيا إلي مصر كخبراء.. وبالنسبة لضعف الدفاع الجوي تقرر إرسال مجموعة كبيرة من الصواريخ الحديثة سام3 ومعها أطقمها الكاملة لتدريب الجنود المصريين عليها.. كما أكد استعداد موسكو لتدريب أطقم صواريخ سام3 التي تحتاج إلي 6شهور.. كما تقرر إرسال صواريخ سام3 الكافية للدفاع عن المدن الرئيسية في عمق مصر ترافقها أطقم سوفيتية في حدود 100 جندي سوفيتي لتشغيلها في المرحلة الأولي من عملها. غارات إسرائيلية في العمق ومع بدايات عام 1970 ومازال الفريق فوزي يتحدث بدأت الغارات الإسرائيلية تهدد العمق المصري عن طريق الطيران المنخفض والتسلل من ثغرات شبكة الرادار العامة.. واستهدفت تلك الغارات أهدافا عسكرية واقتصادية ومدنية في عمق مصر.. في التل الكبير وحلوان والمعادي ودهشور وأبوزعبل والخانكة وشرق القاهرة ورغم خسائرها البسيطة إلا أن التأثير النفسي كان كبيرا.. وقرر الرئيس عبدالناصر السفر إلي موسكو للقاء القمة الرابع في 22يناير 1970.. وفي ذلك اللقاء حصلت مصر علي الإمدادات التالية: 32 كتيبة صواريخ سام3 كاملة بأجهزتها ومعداتها وأطقمها السوفيتية مكونة فرقة دفاع جوي كاملة. 85 طائرة ميج 21 معدلة جديدة بأجهزتها ومعداتها بطياريها السوفييت مكونه 3 لواءات جوية كاملة. 10 طائرات ميج تدريب. 4 أجهزة رادار «ب 15» للعمل ضد الطيران المنخفض. 50 موتورا جديدا «511» لطائرات الميج 21 الموجودة في مصر تطوير للطائرة ميج 21. كانت الصفقة تمثل دعما لم يقدم مثله الاتحاد السوفيتي لأحد وكان التواجد السوفيتي علي هذه الصورة ردعا سياسيا وعسكريا لكل من إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية.. وإشارة إلي أن البلطجة الإسرائيلية المدعومة من أمريكا يجب أن تتوقف فلن يصبح العمق المصري مستباحا بعد اليوم وتأكد كل ذلك عندما حدث اعتراض جوي يوم 18 أبريل 1970 في منطقة عتاقة جنوبالسويس لتشكيل جوي إسرائيلي كان متجها لضرب أهداف في العمق المصري.. وقد اكتشف أن اعترضه تشكيل جوي سوفيتي تم تمييزه من سماع اللغة الروسية.. فلم يحاول التشكيل الإسرائيلي الاشتباك.. وعاد من حيث أتي.. وأوقفت إسرائيل خطط ضرب أهداف في العمق المصري من وقتها.. وبدأت حملة دعائية هستيرية ضد الوجود السوفيتي في مصر.. إسرائيل تتوعد كانت الخطوة ضرورية.. بعد وصول الصواريخ سام 3 والطائرات الجديدة ميج 12 المعدلة.. والدعم الجوي.. وحماية العمق المصري.. وكانت تلك البداية في بناء شبكة الدفاع الجوي في جبهة القتال لحماية الجيشين الثاني والثالث خاصة بعد قرارهما تصعيد العمليات العسكرية ضد إسرائيل.. والتي ستكون غطاء منيعا للغاية ضد الطيران الإسرائيلي عندما يحين الوقت لعبور قواتنا لقناة السويس وتحرير الأرض.. وأعلن آلون نائب رئيس وزراء إسرائيل أنهم لن يسمحوا بذلك لأنه سوف يقلب موازين القوي.. وأن إسرائيل سوف تبذل كل ما لديها لمنع إقامة شبكة الدفاع الجوي المصري سام 3 في غرب القناة.. وبالفعل تفرغ الطيران الإسرائيلي للعمل ضد مواقع الصواريخ وتحول الصراع إلي معارك عنيفة لا تتوقف بين إرادتين: مصرية مصممة علي بناء قواعد الصواريخ مهما كلفها ذلك من جهد وتضحيات.. وإسرائيلية منع قيام حائط الصواريخ غرب القناة.. وبدأ سقوط الفاتنوم والسكاي هوك وأسر الطيارين. اللقاء الأخير ومن خبرة تلك المعارك لوحظ أن طائرات العدو مزودة بأجهزة إليكترونية ضد صواريخنا مما يلزم معه إطلاق عدد كبير من الصواريخ ضد طائرة معادية واحدة.. كما لوحظ وجود نظام إليكتروني لدي إسرائيل للتشويش والإعاقة ضد وسائل دفاعنا الجوي وقواتنا الجوية مما يعني تفوق العدو علينا في ذلك المجال.. خاصة مع اقتراب استكمال استعداد قواتنا تنفيذ خطة تحرير الأرض.. وقرر الرئيس عبدالناصر السفر إلي موسكو في لقاء خامس يبدأ من 29/6/1970 قبل رحيله يرحمه الله بثلاثة أشهر وكان يرافقه وفد تم اختياره بدقة.. يضم: علي صبري، محمود رياض، محمد فوزي، ومحمد حسنين هيكل.. وكان اللقاء الخامس أهم تلك اللقاءات وأكثرها حسما.. وبدأ بعرض الموقف العسكري أكد فيه الرئيس تعرض قواتنا علي الجبهة لغارات كثيفة جدا من طائرات الفانتوم الأمريكية المجهزة بمعدات إليكترونية متطورة للغاية.. ورغم الخسائر الكبيرة إلا أن الروح المعنوية عالية جدا.. والثقة في قدرتنا لا حدود لها موضحا أن القوات المصرية حاليا ثلاثة أرباع المليون مقاتل سوف ترتفع أواخر عام 1970 إلي المليون.. ومشكلتنا الآن في تلك الأجهزة الإلكترونية.. كما أن طائرات الميج 21 لا يمكنها البقاء في الجو مدة طويلة مثل طائرات الفانتوم. وكانت مطالب عبدالناصر واضحة ومحددة: إمدادنا بأجهزة الحرب الإلكترونية المتطورة، والقاذفات الثقيلة.. واستكمال شبكة الدفاع الجوي بالصواريخ عن صعيد مصر خاصة أسوان لحماية السد العالي.. بالإضافة إلي بعض المعدات والتجهيزات التي سوف يقررها الماريشال جريشكو مع الفريق أول محمد فوزي.