ظهر الثلاثاء الماضى مررت على الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق للسلام عليه والاستماع إلى آرائه القيمة كما تعودت ان أفعل منذ حوالى عامين تقريبا. الرجل خارج السلطة الآن وبالتالى لا توجد شبهة نفاق فى الحديث عنه، هو يذوب فعلا عشقا فى مصر، ولديه تصورات وحلول متكاملة لمعظم مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية. هو لا يبخل على أى شخص أو جهة بالنصيحة وعندما سألته هل ستقدم استشاراتك للحكومة المقبلة أجابنى بسؤال استنكارى إذا كنت قد فعلت ذلك مع الإخوان، ألن أفعله مع النظام الذى اعتقد انه سيخرج المصريين من مشاكلهم؟!. لا ينشغل الجنزورى بمن يجلس على كرسى الحكم أو المسئولية، الأهم بالنسبة إليه ان يعمل لأجل البلد، ورغم كل ما تعرض له الرجل من إساءات من حسنى مبارك وبعض رجال نظامه، ورغم الطريقة غير اللائقة التى خرج بها فى 5 أكتوبر 1999، فانه لم يكن يتحرج من رفع سماعة التليفون والاتصال بالمسئولين ليقدم لهم آراء وحلولا بشأن بعض المشاكل العاجلة، الرجل لم يحب الفهلوة والبهرجة والمظاهر ولذلك وجد نفسه فى مواجهة مع الشخصيات التى تنتمى لهذه الفئة إضافة إلى الفاسدين والمفسدين. فى مكتب الدكتور كمال الجنزورى الموجود قرب ميدان العباسية لا يمر يوم إلا وتجد وزيرا أو مسئولا أو صحفيا وإعلاميا يذهب اليه للاستفادة من علمه وخبرته. وبمناسبة الصحافة فالرجل اتخذ على نفسه عهدا ألا يظهر فى الإعلام، ويكتفى بأن يسدى النصيحة إذا وجدت إلى من يهمه الأمر. التجرد والانتماء والعمل المضنى والعقل المرتب جعل الجنزورى مرشحا دائما لمناصب كثيرة وهو الوحيد ربما منذ ثورة 1952 الذى عاد ليتولى منصب رئيس الوزراء بعد خروجه منه. هذا الرجل تعرض للظلم الكثير والتشويه المتعمد، لكن أعتقد ان عددا من الذين فعلوا ذلك بدأوا يدركون حقيقة شخصيته وينصفونه وهذا امر محمود حتى لو متأخرا واكثر ما يسع الجنزورى هو حب البسطاء له. وقبل شهور اتصل به أحد القيادات الإخوانية ليقول له: «لقد ظلمناك وكنت أتمنى أن تستمر» بعض شباب الثورة الذين اعترضوا على توليه منصب رئيس الوزراء عاد بعضهم ليعتذر له ويؤكد انهم أخطأوا فى حقه. لا يعنى كل ما سبق ان الرجل بلا أخطاء، كل من يعمل بالعمل العام وبالسياسة يخطئ ويصيب والبعض ينتقد سياساته، لكن ما يشغلنى اليوم هو ان نشجع مثل هذه الشخصيات التى نست نفسها وأسرتها وكل شىء وانشغلت فقط بقضية مصر وتقدمها. مصر تحتاج فعلا إلى نوعية الدكتور كمال الجنزورى فى مجالات كثيرة، ليس شرطا ان يكون فى منصب تنفيذى، بل المهم ان يستفيد المجتمع من خبرته وآرائه بأى طريقة ممكنة. هل يعود الجنزورى لمناصب تنفيذية مرة أخرى؟. لا اعتقد ذلك والرجل يدرك جيدا عامل السن ودوره الحاكم فى العمل العام. تحية إلى الدكتور الجنزورى وإلى أمثاله الذين نسوا أنفسهم وتذكروا الوطن فقط.