«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب : يحيى العظام وهى رميم
نشر في الفجر يوم 01 - 12 - 2011

الجنزورى خطط من أجل الحصول على المنصب منذ شهور.. وكلامه عن صلاة استخارة لعب بالدين لا مبرر له

وكأنه استرد كل ما ضاع من سنوات عمره بعيدا عن السلطة - أكثر من 13 عاما كاملة - وكأنه لم يخرج طريدا ذليلا فى صراع على النفوذ ودرجة القرب من مبارك.. وكأنه لم يعان من برد الوحدة ووحشة النبذ وغدر الصحاب وقسوة الزمن.. وكأنه لم يغادر كرسيه إلا دقائق.. عاد بعدها إلى حيويته وإشراقه وحماسه.

هلّ الجنزورى علينا بنفس روحه القديمة.. آلة تردد الأرقام مهما كانت تافهة - اهتم كثيرا بأن يقول لعمرو الليثى فى برنامجه 90 دقيقة أنه إلتقى ب«100 من شباب الثورة» وأجرى 13 مداخلة هاتفية مع الفضائيات، فما الذى يمكن أن يغيره.. فالرجل تم تصنيعه بالكامل على كتالوج مبارك.. ولن يكون غريبا أن يفكر بنفس طريقته القديمة.. حتى لو تحدث باسم الثورة وغازل الثوار.. فلن يخدعنا الرجل بشعر الحداثة الذى يردده.. لأن الروح لا تزال جاهلية.

جديد الجنزورى أنه وضع الله بيننا وبينه، يعرف أن المصريين يؤثرهم من يتحدثون باسم الله.. ومن يقدم نفسه لهم على أنه راهب فى محرابه، فهو لم يقبل تكليفه برئاسة الوزراء فى هذه المرحلة الصعبة إلا بعد أن لجأ إلى الله، وصلى صلاة استخارة، وجد قلبه بعدها منشرحا للمهمة الوطنية التى ساقها المجلس العسكرى فى طريقه.

هل أراد الجنزورى أن يقول إنه زاهد فى المنصب؟.. يبدو أنه أراد أن يفعل ذلك.. أن يقدم نفسه على أنه مناضل تحمل المسئولية وهو يعرف أنها ثقيلة.. قبل المنصب وهو يعلم أنه مغرم لا مغنم.. وهنا لن يملك المصريون له إلا الدعاء بأن يوفقه الله فيما هو مقدم عليه.

1- طالب الولاية لا يولي.. والطامع فى المنصب لا يستأمن عليه.

لم يكن الجنزورى صادقا عندما حاول أن يبدو وكأنه زاهد سلطة، فالرجل كان طامعا فيها بل سعى إليها، وقد تنبهت إلى ذلك مبكرا، ونشرت تقريرا كان هذا نصه: «تقارير الجنزورى السرية لاصطياد منصب رئيس وزراء مصر مرة أخرى بعد الثورة».

كشفت فى هذا التقرير أن الدكتور كمال الجنزورى يتحرك بنبوءة حاكمة أسرت له بها السيدة والدته، وهو لايزال طفلا صغيرا، قالت إنها رأت فى منامها أنه سيكون أهم رجل فى مصر، ورغم أنه كان بالفعل الرجل الثانى فى مصر عندما كان رئيسا لوزرائها ( 4يناير 1996 وحتى 5 أكتوبر 1999) ورغم أنه يبلغ من العمر 77 عاما فهو من مواليد يناير 1934 إلا أنه لا يزال يحلم بأن يصعد إلى العرش.

وحتى يعود الجنزورى إلى العرش الذى أقصاه مبارك بعيدا عنه، كان لابد له من التخطيط، ولأنه أستاذ فيه، فقد نجح فى مساعيه تماما.

الخطوة الأولى كانت من خلال وضع نفسه فى دائرة الأحداث، كان الرجل بعد الثورة مجرد مسئول سابق، يقال إنه وقف فى وجه مبارك ولذلك أبعده، لديه أسطورة نعم.. لكنها ومثل كل الأساطير تضاءلت وهزلت مقارنة بأسطورة ثورة 25 يناير الكبري.

أعلن الجنزورى أنه يفكر فى ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية فى الانتخابات القادمة، ليس رغبة منه فى المنصب، ولكن لأن هناك من بين فئات الشعب من طالبه وألح عليه فى ذلك.. لكنه بعد ذلك لا حس ولا خبر، فلم يكن هناك من طالبه بأن يرشح نفسه، بل كان ماقاله مجرد بالون اختبار، ولما لم يسفر عن شيء انسحب من الساحة تماما، بعد أن أجرى عدة حوارات تليفزيونية وصحفية، حاول من خلالها أن يتطهر.. ويغسل يديه من عصر مبارك بشكل كامل.

كان الجنزورى يعرف أن المجلس العسكرى وقبل أن يستقر على عصام شرف رئيسا للوزراء، تحدث بعض أعضاء المجلس عن استحقاق الجنزورى للمنصب.. لكن يبدو أن ضغط ميدان التحرير وقتها جعل تفضيل رئيس وزراء قيل إنه شارك فى الثورة ونزل الميدان أمرا حتميا.. فخضع الجميع لاختيار عصام شرف.

أمسك الجنزورى بانحياز بعض الجنرالات له.. كان المشير طنطاوى على رأسهم بالطبع.. وأمسك أيضا فى رغبة المجلس فى الاستفادة من خبراته وتحديدا الاقتصادية، فقد وجد الرجل نفسه مدعوا ولأكثر من مرة فى اجتماعات للمجلس العسكرى مع مرشحى الرئاسة المحتملين، وهو ما جعله يشعر أن القادة الجدد يحتاجون إليه.. وأنهم حتما سيصلون إلى شاطئه.

خلال الأشهر التى أعقبت اختيار عصام شرف لرئاسة الوزراء، اجتهد الدكتور الجنزورى فى تقديم نفسه، كان يبعث برسائل للمجلس العسكرى بأنه موجود وفى الخدمة، كان الرجل يمد المجلس العسكرى بتقارير قد تكون شبه يومية عن جميع المشكلات المطروحة على الساحة وعن رأيه فيها وعن سبل حلها وطرق الخروج منها، وهى تقارير كان يرسلها للمجلس بطريقة سرية، فهى فى النهاية ليست رسمية.. لكنه ضمن أن هناك من سيرى أنه المنقذ والمخلص لمصر فى المرحلة القادمة.

لقد ختمت هذا التقرير وقتها بأن هناك فيما يبدو غزلاً عفيفًا بين المجلس العسكرى وكمال الجنزورى، وكل ما نتمناه ألا يتحول هذا الغزل إلى زواج رسمى، ندفع ثمنه جميعا، فالجنزورى فى النهاية كان أحد رجال مبارك، وسجله السياسى لا يمكن أن يجعله رئيسا لوزراء مصر الثورة.

لكن ولأن كل ما يتمناه المرء لا يمكن أن يدركه - أنا أعرف ما تعنيه هذه العبارة جيدا - فقد أصبح ما بين الجنزورى والمجلس العسكرى زواجا بالفعل.. وهو زواج يصر عليه الطرفان، ولن يرجعهما أحد عنه، مهما كان الثمن.. ومهما كانت التضحيات.

يقولون إن طالب الولاية لا يولي.. لأنه يكون طامعا فيها.. راغبا فى مكاسبها.. والجنزورى طالب ولاية، سعى إلى السلطة وخطط لاقتناصها.. لأنه كان يريد رد اعتباره.. إنه يتحدث كثيرا الآن عن أنه الوحيد من بين رجال مبارك الذى لم يحصل على شيء.. لم يعين رئيسا لبنك.. ولم يتم تكريمه بأى شكل من الأشكال.. يريد أن يؤكد أنه كان خصما لمبارك.. لكن دون أن يدرى يضع أيدينا على ما يريده الآن، فالرجل له حقوق لم يحصل عليها بعد.. ويريدها.. ممن؟.. أليس هذا بالأمر المهم..؟ لكن لابد أن يحصل عليها والسلام.

2- التضحية برئيس مدنى كان يتم تصنيعه فى ورشة العسكري

بعد شهور من نشر هذا التقرير، عدت إلى قصة الجنزورى والمجلس العسكرى مرة أخرى، فبعد سلسلة الفشل المتكررة التى اقترفها عصام شرف، كان أن اقترح بعض أعضاء المجلس العسكرى أن يتولى الجنزورى المسئولية.

استند طرح اسم الجنزورى على أن له أرضية شعبية واسعة، كما أن الناس لا يحسبونه بشكل كامل على نظام مبارك.. لأنه خرج من الوزارة مغضوبا عليه، وهو ما يضيف إليه باعتباره ممن وقفوا أمام فساد النظام السابق.. ثم وهذا هو الأهم أن الرجل قدم للمجلس خدمات جليلة بالفعل خلال الفترة التى حكموا فيها البلاد.

لكن يبدو أن هناك من رأى أن الجنزورى يمكن الاستفادة به فى موضع آخر.. فمنصب رئيس الوزراء فى النهاية أقل من إمكانياته وقدراته التى لم يتوقف عن استعراضها بالطبع خلال تقاريره السرية التى كان يرسل بها إلى أفراد بأعينهم فى المجلس، ولذلك فضلوا أن يكون هو الرئيس المدنى الذى يمكن أن يجهزه الجيش ويقف وراءه، وفى الوقت المناسب يدفع به إلى حلبة الصراع الكبير التى بدأت مبكرا على عرش مصر.

خطة العسكرى لم يعلن عنها.. كما كان هناك من نصح الجنزورى بأن يبتعد عن الأضواء - لم يظهر إلا فى مناسبات قليلة- كان من أهمها حضوره اجتماع تدشين وثيقة الأزهر، لأن دخوله مع عدد من المرشحين للرئاسة فى صراع مبكر، يمكن أن يساهم فى حرقه سياسيا، من خلال دخوله فى معارك جانبية لن يربحها بسهولة، خاصة أن على رأسه بطحة كبيرة وواضحة جدا وهى انتماؤه لنظام مبارك بصرف النظر عن الطريقة التى خرج بها من هذا النظام.

كانت لدى المجلس العسكرى رغبة فى أن يحافظ على الجنزورى بعيدا عن صخب المنافسات السياسية، وعن غبار الجولات التى يتعرض فيها المرشحون المحتملون للرئاسة لمواقف محرجة، كما أراد أن يحميه أيضا من الدخول فى مواجهات فكرية مع تيارات سياسية ودينية عاملة ومسيطرة على الشارع المصرى بعد الثورة، يمكن أن تزايد عليه، وهو ما يمكن أن يسحب من رصيده فى الشارع المصرى، فيصبح بالنسبة لهم مرشحا محروقا ومحترقا.

كنت أرى حتى أسبوعين فقط ما نصه: «تصنيع الجنزورى كرئيس مدنى من خلفه المجلس العسكرى ليضمن من خلاله كل ما يريده وتمرير كل ما يشاءه من قوانين وقرارات تصب فى مصلحة المجلس، سيناريو لا يزال قائما حتى الآن، وهو ما يؤكد أن المجلس الذى يجتهد فى نفى حرصه على البقاء فى السلطة قد يكون صادقا من زاوية ما فيما يدعيه، لكن ليس صادقا كل الصدق.. لأنه يريد أن يرحل لكن بعد أن يترك أصابعه كاملة على كرسى الرئاسة».

تغير ما جرى فى استراتيجية المجلس العسكرى، فقد جرى ما أجبره على أن يضحى بعصام شرف، الرجل الذى كان مطيعا وخادما أمينا فى بلاط المجلس، لكن وبعد أن احترق واقتربت منه اتهامات بأنه كان متورطا فى قتل الثوار فى أحداث التحرير الأخيرة على الأقل بالصمت، كان لابد من التضحية به.

كان الدكتور الجنزورى هو البديل الجاهز والقريب من المجلس العسكرى، فلم يكن منتظرا أو متوقعا أن يستعين المجلس العسكرى بأحد يكون مدعوما بقوة ميدان التحرير وثوريته، وهو ما يتوفر فيمن طرحهم الميدان أمثال البرادعى وعبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي.

عرف المجلس أن الجنزورى طامع فى السلطة وراغب فيها ومتطلع إليها.. وهو ما سيجعله حريصا على أن ينجح، وفى الوقت نفسه لن تكون لديه أجندة من التحرير، بل سيلتزم تماما بأجندة المجلس العسكرى، وهى الأجندة التى نشعر بآثارها دون أن نعرف عنها شيئا محددا.

من وجهة نظر الدكتور محمد الجوادى، الذى تنبه ومبكرا جدا للدور الذى يقوم به الجنزورى بعد الثورة، أن الجنزورى من الناحية النظرية يمكن أن يفشل تماما فى أن يشكل حكومة جديدة، فهناك أسماء كثيرة تتخوف من حالة الحرق السياسى المستمرة منذ الثورة وحتى الآن، لكن فى الغالب فإن المجلس العسكرى سيتدخل بكل ثقة، من أجل تشكيل الحكومة، ولن يتركوا الرجل وحده، بل سيمارسون كل ما لديهم من ثقل واتصالات وربما ترهيب وترغيب من أجل أن ينجح الجنزوري.

حرص المجلس العسكرى على الجنزورى بهذه الطريقة يأتى لأنهم يعتبرونه رجلهم ليس مفروضا عليهم من ميدان التحرير، وأن التجربة تجربتهم وليست تجربة الثوار الذين يريدون أن يديروا البلد كما يشاءون، وليس متوقعا أن يترك الجنرالات أنفسهم فى مهب ريح تجربة فاشلة.. بعد أن تحمسوا لها وأعلنوا عن حماسهم هذا بشكل علني.

3- بطل من ورق يحتمى فى جنرالات لا يسمعون إلا أنفسهم

فى إطلالته الأولى علينا بعد ثورة يناير حاول الجنزورى أن يتطهر.. رغم أنه ومن واقع الملفات ليس إلا واحدا من رجال مبارك، الذين أسهموا فى الفساد الكبير الذى عانت منه مصر - الأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ويمكن أن تعثر عليها بين صفحاتنا - كان يجب أن يحاكم الجنزورى على كثير فعله، لكن شفع له فقط أنه كان خصما لمبارك.

لكن السؤال:وهل كان الجنزورى خصما لمبارك بالفعل؟.. لم يخرج الجنزورى من منصبه لأنه قال لمبارك لا، لم يعترض على أى سياسة من سياساته، كان الخلاف بينهما لأن الجنزورى يعتز بنفسه أكثر مما ينبغى، حاول أن يوسع لنفسه فى السلطة التى كان مبارك يعطيها للعاملين معه ومن حوله بشروط ومقادير يحددها هو.

لقد حاول الجنزورى أن يدخل مساحة محظورة فى نظام مبارك، ومن خلال رجله طلعت حماد مثلا، مد النائب رجب هلال حميدة بمستندات عن ميزانية وزارة الإعلام.. عن الديون والنفقات والمصاريف السرية، وطلبوا منه أن يتقدم باستجواب ضد صفوت الشريف، وفعلها رجب بالفعل، لكنه وجد أن الأمر لم يكن خالصا لوجه الوطن، بقدر ما كان خالصا لوجه المصالح والصراع على السلطة والنفوذ، ولما عرف مبارك من خلال صفوت أن الجنزورى يقف وراء الاستجواب تدخل لوأده على الفور. لم يزاحم الجنزورى صفوت الشريف فقط، لكنه فعل ذلك أيضا مع زكريا عزمى رئيس الديوان السابق، ومع كمال الشاذلى الرجل القوى فى الحزب الوطنى وقتها، ولذلك تحالف عليه الثلاثة الكبار وحطموا كبرياءه، عندما وقفوا وراء إخراجه من منصبه بهذه الطريقة المهينة، ثم فى حرمانه من أى مكافأة، أو حتى العيش بطريقة طبيعية فى بيته وبين أصدقائه.

إن البطولة التى يدعيها كمال الجنزورى لا تليق به الآن.. لقد ظل فى بيته أكثر من ثلاثة عشر عاما ملتزما الصمت المريب، لم يفعل مثل آخرين خدموا إلى جوار مبارك، وعندما خرجوا وأصبحوا أحرارا تكلموا فى كل مكان.. كشفوا ما رأوا أنه فساد.. لم يلتزموا الصمت العاجز.

لقد قال الجنزورى إنه تم التضييق عليه، وأن هناك من منعه من الكلام أو الحركة، كان من يتصل به يتعرض لتوبيخ، ويمكن أن أتعاطف مع الرجل وأصدقه.. لكن خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك لم يكن أحد ممنوعا من الكلام، كان الكل يتحدث.. ويظهر.. لكن الجنزورى كان له فى صمته مآرب أخري. كان رئيس الوزراء المطلوب وحتى اللحظة الأخيرة فى عمر نظام الرئيس مبارك ينتظر أن يمدوا له حبل الود مرة أخرى، فيحصل على ما يعتقد أنه من حقه، لم يغضب أحدا منه، بل التزم بكل ما طلب منه، أو حتى لم يطلب منه. تطوع أكثر من مرة وأرسل لمبارك رسائل وتقارير عما يراه من مشكلات، لكن مبارك لم يلتفت له.. وفى السنوات الأخيرة من حكمه أحس مبارك أنه ظلم الرجل كثيرا.. فأراد أن يقربه منه مرة أخرى، ورغم إحساس الجنزورى الطاغى بالظلم، إلا أنه لم يتمنع، بل ذهب إلى مبارك على الفور.

كانت المناسبة الأولى التى ظهر فيها الجنزورى هى عقد قران جمال مبارك على خديجة الجمال.. يومها دعا مبارك الجنزورى واستقبله استقبالا حسنا أذاب كثيرا من الجليد الذى ظل يرتفع بينهما لسنوات طويلة، ومن بعدها أصبح الجنزورى مدعوا فى كل المناسبات التى ينظمها النظام والحزب الوطني.

بل لن يكون سرا إذا قلنا إن الجنزورى هذا كان أحد المدعوين فى الاحتفال بعيد الشرطة الذى أقامته وزارة الداخلية هذا العام فى 23 يناير، بدلا من 25 يناير، لأنهم كانوا يعرفون أن مظاهرات حاشدة ستخرج فى عيد الشرطة الرسمي.

لم يختلف كمال الجنزورى فى أى شيء عن رجال مبارك إذن.. فقد ذهبوا إلى الاحتفال بعيد الشرطة وهم يعلمون أن هناك مواجهات قادمة وقاتلة ستحدث بين أبناء الشعب ورجال الشرطة، أبناء الشعب الذين يتمسح فيهم الجنزورى الآن ويريد أن يوهمنا أنه قابلهم قبل الثورة وشاركهم غضبهم، بل إنه زار التحرير بعد الثورة ليشهد على زوال دولة الظلم دون أن يستحي. قد ينجح الدكتور كمال الجنزورى فى منصبه وهو ما نتمناه بالطبع، لكن ما يدهشنى حقا هو قدرة المجلس العسكرى على أن يحيى العظام وهى رميم.. وهى قدرة كنت أعتقد أنها لله وحده، فإذا بها تتحقق على يد المجلس.. ويا دكتور الجنزورى سبحان المحيى المميت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.