فى مشهد رمزى إلى حد كبير، انسحب نتنياهو ومعه كل نواب الائتلاف الحاكم من جلسة البرلمان الإسرائيلى «الكنيست» الأربعاء الماضى والتى كانت تقوم بالتصويت على اقتراح بتأييد خطة ترامب بشأن إنهاء الحرب فى غزة. الاقتراح كان مقدما من زعيم المعارضة «ليبيد» والتصويت تم بعد الانسحاب بإجماع النواب الحاضرين «39 صوتا» دون معارضة. فى تفسير ما جرى أن نتنياهو خشى أن يكشف التصويت عن معارضة قوية لخطة ترامب من جانب نواب الائتلاف الحاكم بل ونواب حزبه «الليكود»، وأن يضطر هو شخصيا لتأكيد موقفه المعارض لما جاء فى خطة ترامب بشأن الدولة الفلسطينية وبشأن استحقاقات المرحلة الثانية وفى مقدمتها استكمال الانسحاب والالتزام بتجنب أى مخططات لتهجير الفلسطينيين من غزة. فى نفس الوقت كان نتنياهو يقدم المزيد من الأدلة على أنه لن يتوقف عن وضع العراقيل أمام الانتقال للمرحلة الثانية والأهم من الاتفاق، ولا عن سياسته الثابتة فى قطع الطريق نحو أى سلام حقيقى يتوافق العالم كله على أن أساسه هو قيام الدولة الفلسطينية وتفعيل حل الدولتين. من ناحيته يواصل نتنياهو التصعيد العسكرى والخرق الدائم لوقف إطلاق النار الذى أسقط حتى الآن 360 شهيدا منذ بدء تطبيق الاتفاق. ومن ناحية ثانية يحاول تفجير الموقف حول معبر رفح بالإعلان عن قرب افتتاحه من الجانب الذى تسيطر عليه قوات الاحتلال من جانب واحد.. أى السماح بخروج سكان غزة إلى الجانب المصرى بشروط إسرائيل مع رفض عودتهم وإبقاء المعبر مغلقا فى وجه كل سكان القطاع الذين يريدون العودة لوطنهم. مصر أكدت على الفور رفضها القاطع لهذا التآمر الذى لا يعنى إلا أن التهجير القسرى للفلسطينيين مازال يحكم سياسة إسرائيل ومخططات نتنياهو. ونفت نفيا قاطعا مزاعم إسرائيل عن أى تنسيق مع مصر بهذا الشأن، كما أكدت أن إسرائيل تخالف ما التزمت به فى خطة ترامب من فتح المعبر من الاتجاهين وتحاول تفجير الموقف لتهرب من استحقاقات إنهاء الحرب، ولتعرقل الانتقال إلى مراحله الحاسمة.. ولا شك أن نتنياهو يدرك تماما أن موقف مصر الذى يعتبر تهجير الفلسطينيين خطا أحمر هو موقف غير قابل لأن يتغير أو يتبدل تحت أى ظرف لكنه يقاتل من أجل تفجير الموقف ويحاول بكل الطرق أن يبقى حالة الحرب وأن يغلق أى باب للسلام الذى لا يراه إلا بابا لسقوطه النهائى ولنهاية حكم فاشى قاد إسرائيل لأن تكون الدولة المارقة المعزولة عن العالم والمدانة من العدالة الدولية بأبشع الجرائم ضد فلسطين وضد الإنسانية. مصر لن تنجر لمعارك فرعية لكن خطوطها الحمراء ثابتة، وجهدها لإنهاء الحرب مستمر، ودعمها لصمود شعب فلسطين على أرضه لا يتوقف، وتركيزها على ضرورة البدء فى إعمار غزة بمشاركة أهلها وفى وجودهم يتصادم مع مخططات إسرائيل الإجرامية لتهجير الفلسطينيين لكنه يلقى تأييد دول العالم التى أصبحت تدرك أنه لا أمن ولا استقرار فى المنطقة إلا بردع إسرائيل والانتصار للسلام العادل الذى يلتزم بالشرعية الدولية ويعيد لشعب فلسطين حقوقه المشروعة. يبقى الموقف الأمريكى الذى لابد أنه يدرك جيدا حجم المخاطر من استمرار إسرائيل فى خرق وقف إطلاق النار، وتعطيل الانتقال إلى المراحل الحاسمة فى اتفاق غزة وفى المحاولات اليائسة لإحياء مخططات التهجير القسرى. استمرار الصمت الأمريكى على جرائم إسرائيل وانتهاكاتها لاتفاق غزة لم يعد ممكنا. استدعاء نتنياهو للبيت الأبيض وتصريح ترامب بأن المرحلة الثانية من الاتفاق ستبدأ قريبا مؤشران مهمان إلى أن رهان نتنياهو على أن واشنطن ستفقد اهتمامها بالمنطقة وبالاتفاقات التى تمت بمشاركتها الأساسية لم يكن رهانا صحيحا.. ومع ذلك يبقى الانتقال الآمن للمرحلة الثانية من اتفاق غزة مرهونا بإدانة واضحة للانتهاكات الإسرائيلية للاتفاق، وبالوقوف بحسم ضد محاولات نتنياهو تفجير الموقف وإعادة الحياة لمخططات التهجير القسرى التى ستظل خطا أحمر بالنسبة لمصر ولشعب فلسطين الصامد على أرضه رغم كل التحديات.