هذا الاعتراف يجب أن نكرره ونعيده لأنه إقرار صارخ بدور مصر والرئيس السيسى فى إفساد مؤامرة التهجير، ويجيء على لسان «يوسى كوهين» المدير السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، بأن الرئيس السيسى أفسد خطة تهجير مليون ونصف مليون فلسطينى من غزة. اعترافه شهادة فى زمن تتشابك فيه الأكاذيب، وفى كتابه «بالأحابيل تصنع لك حربًا» يقول إن الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى هو من أفشل خطة الموساد لتهجير ما يقرب من مليون ونصف فلسطينى من قطاع غزة إلى سيناء، وهذا الكلام لم يكن جديدًا علينا، لكنه جاء هذه المرة من قلب الموساد التى خططت للمؤامرة، ليكون وثيقة تُسجَّل أمام الله والتاريخ بأن مصر لم تفرّط يومًا فى حقٍّ فلسطينى ولا فى أمنها القومي. يقول كوهين إنه تنقّل بين العواصم العربية لترويج فكرة «تهجير مؤقت» للسكان، وإنه حمل معه وعودًا بضمانات دولية من الولاياتالمتحدة وبريطانيا واليابان والصين والهند، لكنه وجد أمامه جدارًا مصريًا صلدًا قطع الطريق على الخطة من جذورها. ما لم يعترف به «كوهين» أن مصر منذ بداية الأزمة كانت تدرك حجم المؤامرة، اتخذت موقفا صلبا، وأجهضت خطة نتنياهو بمراحلها الثلاث: المرحلة الأولى بالتدمير الكامل لشمال غزة، حتى يصبح البقاء فيه ضربًا من الانتحار.. والمرحلة الثانية باستهداف الجنوب، لإجبار الفلسطينيين على التكدس أمام معبر رفح، فى عملية هندسة للأزمة تخلق ضغطًا لا يطاق على السكان. أما المرحلة الثالثة فكانت الرهان الأخطر بالتهديد بقصف متعمد للحدود مع مصر لإحداث خروقات يمكن أن تتسبب فى اندفاع جماهيرى، وظن نتنياهو أن مصر ستقع فى أحد الفخّين: إما صدام مع الفلسطينيين يخدم الدعاية الإسرائيلية، أو فتح الحدود بما يحقق التهجير القسرى. وتراجع نتنياهو عن التفكير فى الاقتراب من الحدود المصرية، لإدراكه أن مصر لا يمكن اللعب معها، وأن الجيش المصرى لديه القدرة التامة على ردع من تسول له نفسه المساس بحدودها، ولها رؤية استراتيجية واضحة تستند إلى صلابة موقعها، وكان الرد المصرى حاسمًا: سيناء ليست أرضًا بديلة، والفلسطينيون لن يخرجوا من بلادهم، ومصر لن تكون طرفًا فى تصفية قضيتهم. هذا الموقف لم يقلب الطاولة فقط، بل أجبر الدول الكبرى على إعادة النظر فى خطابها، وكانت الوفود الغربية تأتى للقاهرة محملة بعروض مالية وسياسية تحت عناوين إنسانية جذابة، لكن فشل مسعاها، ومع الوقت تغيّر خطاب هذه الدول ليصبح رافضًا للتهجير بعد أن كان متعاطفًا معه، إدراكًا منهم أن مصر ليست مستعدة للمساومة. سقط مخطط التهجير لا لأنه غير أخلاقى فحسب، بل لأنه اصطدم بثلاثة جدران صلبة: موقف مصرى ثابت، وشعب فلسطينى متمسك بأرضه، وإرادة دولية بدأت تعيد النظر وأن ما يحدث اقتلاع شعب كامل من جذوره .