بدأت معالم الموقف الأوكراني تجاه خطة السلام الأمريكية تتضح تدريجيًا، في محاولة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية التي تجاوزت ثلاث سنوات ونصف، وسط سباق سياسي ودبلوماسي مكثف وضغوط دولية متزايدة لإنهاء النزاع الدائر. ومع تتابع التصريحات الصادرة من كييف وواشنطن، تتكشف صورة تشير إلى أن التقدم المحرز في المفاوضات ما يزال محدودًا ومحاطًا بتحفظات صارمة من الطرفين؛ فبينما يسعى الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لإظهار نفسه كمن يسابق الزمن للقبول بالمسودة المعدلة، تعتمد الإدارة الأمريكية خطابًا أكثر حذرًا، في حين تراقب موسكو المشهد بصمت محسوب يوضح فتورًا واضحًا تجاه الخطة المصممة لإعادة فتح الطريق نحو تسوية سياسية شاملة. وفي الوقت الذي تكشف فيه واشنطن عن "تفاهمات" قيد الصياغة، وتظهر تقارير عن اجتماعات سرية بين ممثلين أمريكيين وأوكرانيين وربما روس، أصبح السؤال عن ما الذي لن تقبل به أوكرانيا مهما كان الثمن؟ ولماذا تُسابق القيادة الأوكرانية الزمن لإظهار مرونة أكبر أمام إدارة ترامب رغم توقعات قوية برفض موسكو للصيغة المطروحة؟ إعلان أوكراني مفاجئ أفاد مستشار الأمن القومي الأوكراني، رستم عمروف في تغريدة نُشرت عند منتصف الليل بتوقيت واشنطن بأن الولاياتالمتحدةوأوكرانيا توصّلتا إلى "تفاهم مشترك حول الشروط الأساسية للاتفاق الذي جرت مناقشته في جنيف". وأشار إلى أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي سيزور الولاياتالمتحدة "في أقرب موعد مناسب خلال نوفمبر" بهدف استكمال الخطوات النهائية وإبرام اتفاق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وتُعد هذه التصريحات أول اعتراف رسمي من كييف بأن خطة ترامب، رغم حساسيتها واعتراضات أوكرانية سابقة عليها، أصبحت الآن على مسار تفاوضي مباشر. البيت الأبيض: تقدم محدود وتفاصيل حساسة قيد التفاوض مع بزوغ شمس واشنطن، بدأت التسريبات الأمريكية تؤكد نفس الاتجاه ولكن بحذر أشد، حيث قال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين لوسائل الإعلام إن أوكرانيا "وافقت" على الاقتراح الأمريكي للسلام مع بقاء بعض التفاصيل البسيطة التي تحتاج عملاً إضافيًا. ووصف مصدر أمريكي آخر الاتفاق بأنه "حساس للغاية"، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية تتعامل معه بصمت لتجنب تعطيل المحادثات. وتوضح هذه التصريحات، أن واشنطن ترغب في تقديم "تقدم ملموس" قبل الموعد النهائي الذي حدده ترامب، بينما تحاول كييف أن تظهر متجاوبة دون تقديم تنازلات استراتيجية كبيرة. كواليس الاجتماعات السرية بالتوازي مع الحديث عن تفاهمات أمريكية أوكرانية، ظهرت تقارير تشير إلى محادثات تُجرى بمشاركة أمريكيين وأوكرانيين، وربما مسؤولين روس رغم عدم تأكيد موسكو. وسُئل دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، عن هذه الاجتماعات، فقال: "ليس لدي ما أقوله، نحن نتابع التقارير الإعلامية فقط". وبحسب مراقبين، الصمت الروسي يوحي بأن موسكو لا تزال خارج المسار التفاوضي الأمريكي، أو أنها تنتظر معرفة الصيغة النهائية قبل إعلان موقفها الذي يُتوقع أن يكون متشددًا، خصوصًا بعد تعديل الخطة الأمريكية الأصلية. سباق مع الزمن.. لماذا يتعجل زيلينسكي؟ وفقًا لموقع «سكاي نيوز»، كان من المقرر أن يسافر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الليلة إلى منتجعه "مار إيه لاجو" في فلوريدا، حيث سيقيم حتى يوم الأحد، وقد حدّد غدا الخميس — عيد الشكر — كمهلة نهائية للتوصل إلى اتفاق مبدئي حول خطته للسلام. ويرجّح محللون، أن زيلينسكي يحاول الوصول إلى "مار إيه لاجو" قبل هذا الموعد، رغم أن الأمر سيكون صعبًا من الناحية اللوجستية، إلا أن ظهوره في موقع القرار قبل الموعد الأمريكي يُعد خطوة رمزية مهمة لإظهار التزامه بالمسار الأمريكي. ويُفهم من سلوك كييف أنّ زيلينسكي يسعى لأن يُظهر أنه مرن ومستعد لعقد صفقة — بما يرضي ترامب — دون التنازل عن "الخطوط الحمراء" الأوكرانية المتعلقة بالسيادة، والحدود، والانضمام المستقبلي لحلف شمال الأطلسي "الناتو". المرحلة التالية.. ماذا عن الموقف الروسي؟ بعد أي اتفاق أمريكي أوكراني مبدئي، سيكون على موسكو أن تُعلن موقفها من الوثيقة المعدلة. وبحسب «سكاي نيوز»، تشير كل المعلومات إلى أن روسيا ستتجه نحو الرفض، إما لأنها ترى الخطة الأمريكية منحازة لأوكرانيا، أو لأنها لا ترغب في إظهار تجاوب سياسي مع خطة صاغتها إدارة ترامب دون إشراكها فعليًا. لكن بعض المراقبين لا يستبعدون أن تُثمر المحادثات — إن صحّت — عن مساحة تفاهم صغيرة قد تؤدي إلى تبريد المواجهة ولو مؤقتًا. وبحسب «سكاي نيوز»، رغم كل الضغوط الزمنية والسياسية، تبقى أوكرانيا متمسكة بثلاثة مبادئ لا يبدو أنها مستعدة للتفريط بها: 1- عدم الاعتراف بأي ضم روسي للأراضي الأوكرانية. 2- الحصول على ضمانات أمنية واضحة لتسوية النزاع. 3- عدم وقف النار بطريقة تُجمّد الصراع وتمنح موسكو أفضلية ميدانية. ومع اقتراب ساعة الحسم التي حدّدها ترامب، تدخل الأزمة مرحلة جديدة من الغموض، حيث تتجه الأنظار إلى واشنطن ومار إيه لاجو لمعرفة الخطوة التالية، وما إذا كانت خطة السلام الأمريكية ستجد طريقها إلى التنفيذ أم إلى مزيد من التعقيد.