كشفت تقارير أمريكية، أن واشنطنوموسكو تعملان سرًا على إعداد خطة سلام جديدة من 28 بندًا، في خطوة قد تعيد رسم موازين القوة في أوروبا وتختبر قدرة كييف على المناورة وسط ضغوط داخلية وخارجية متصاعدة. أشارت المعلومات، التي نشرتها «فورين بوليسي» و«أكسيوس» و«بوليتيكو»، إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف عقد مباحثات غير معلنة مع كيريل دميترييف، ممثل بوتين ورئيس صندوق الثروة السيادية الروسي، خلال اجتماعات مطوّلة في ميامي نهاية أكتوبر الماضي، ما فتح الباب أمام أول إشارات حقيقية على تقدّم في المحادثات منذ القمة الأمريكية – الروسية التي عقدت في ألاسكا في أغسطس الماضي. ورغم التكتم الشديد على بنود الخطة، إلا أن التسريبات تُظهر تركيزها على أربع قضايا مركزية، وهي: مستقبل السلام في أوكرانيا، وترتيبات الضمانات الأمنية، وهندسة الأمن الأوروبي، وشكل العلاقات الأمريكية مع كييف وموسكو، في وقت تُبدي فيه روسيا تصلّبًا حادًا في مواقفها، بينما يواجه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أزمة داخلية بفعل فضيحة فساد وضغوط ميدانية شرسة في دونباس. ليطرح هذا الحراك الدبلوماسي المفاجئ أيضا أسئلة حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية الحالية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسعى إلى تسوية سريعة قبل تدهور الوضع أكثر، وهل ستكون أوكرانيا أو أوروبا مستعدّة لدعم مقترحات قد تمنح موسكو مكاسب سياسية أو أمنية ملموسة. اقرأ أيضًا: خلافات أوروبية أمريكية بعد تسريبات عن صفقة تُمكّن روسيا من السيطرة على أوكرانيا محادثات سرية تعيد إحياء مسار السلام أفادت «فورين بوليسي» بأن عملية السلام بين روسياوأوكرانيا بقيت مجمّدة منذ القمة الرفيعة التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا خلال أغسطس الماضي، لكن المؤشرات بدأت تتغير مؤخرًا مع ظهور تقارير عن تحرّك أمريكي–روسي مشترك لإعداد خطة سلام جديدة. وبحسب «أكسيوس»، تعمل واشنطنوموسكو على ورقة تفاوضية من 28 نقطة، فيما قالت «بوليتيكو» إن إدارة ترامب أصبحت أكثر تفاؤلًا بإمكانية التوصل إلى اتفاق قريب، وربما خلال أيام. ملامح الخطة.. «أربعة مسارات رئيسية» ورغم غياب التفاصيل الدقيقة، تقول التسريبات إن الخطة مستوحاة جزئيًا من مبادرة ترامب ذات ال20 نقطة المتعلقة بغزة، وتشير المصادر إلى أن مسودة الخطة تركز على أربعة ملفات أساسية، وهي: 1- وقف الحرب الروسية الأوكرانية. 2- الضمانات الأمنية المتبادلة. 3- إعادة هندسة الأمن الأوروبي. 4- تنظيم مستقبل العلاقات الأمريكية مع موسكو وكييف. وأكدت «بوليتيكو»، أن التقدم في الخطة ما زال هشًا بسبب غياب الاتفاق الكامل على البنود الجوهرية. المطالب الروسية.. «تنازلات واسعة من كييف والناتو» أوضحت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أن موسكو لا تزال متمسكة بمطالبها السابقة، والتي تتضمن فرض قيود على تحالفات أوكرانيا الأمنية، ومنح روسيا حق الفيتو على حجم الجيش الأوكراني وتسليحه، فضلًا عن التنازل عن أراضٍ في الشرق. كما سعت روسيا إلى فرض قيود على قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" داخل أوروبا الشرقية، بما يشمل انسحابات ضمنية من دول البلطيق، وهي شروط يعتبرها محللون غير قابلة للتغيير بسبب إصرار الكرملين عليها منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في فبراير عام 2022. كيف وُلدت الخطة؟ وفقًا لموقع «أكسيوس»، جاءت صياغة الخطة نتيجة مفاوضات استمرت ثلاثة أيام بين ويتكوف ودميترييف في ميامي أواخر أكتوبر. ونقل الموقع، عن دميترييف قوله إنه متفائل بهذه الجولة لأن "الموقف الروسي مسموع بالفعل"، ما يفتح الباب أمام احتمال أن يركّز جزء من الخطة على إعادة تنشيط التعاون الاقتصادي الأمريكي – الروسي. ويُذكر أن واشنطن كانت قد فرضت عقوبات جديدة على شركتي النفط الروسيتين «روسنفت» و«لوك أويل»، في وقت يتباطأ فيه الاقتصاد الروسي بعد عامين من النمو القائم على الإنفاق العسكري. الكرملين يقلل من أهمية التسريبات ورغم تقديرات دميترييف، أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أنه "لا جديد" بشأن محادثات السلام حول نهاية الحرب الروسية الأوكرانية، مشيرًا إلى أن آخر التفاهمات الرسمية حدثت في محادثات أنكوريج، وأن موسكو لم تتلقّ عروضًا تستدعي التعليق عليها حتى الآن. وحتى الآن، لا يُعرف ما إذا كانت أوكرانيا مستعدة لدعم هذه الخطة. وأشارت «أكسيوس»، إلى أن ويتكوف أطلع مستشار الأمن القومي الأوكراني رستم عمروف على الهيكل العام للمقترح خلال اجتماع في ميامي، لكن كييف لم تقدّم موقفًا واضحًا. بينما جددت أوكرانيا التأكيد على أنها لن تقبل بأي اتفاق سلام لا تكون طرفًا رئيسيًا فيه. أزمة سياسية تضعف موقف زيلينسكي تأتي هذه التحركات بينما يواجه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي فضيحة فساد متصاعدة داخل حكومته، إلى جانب ضغوط ميدانية ناتجة عن التقدم الروسي في منطقة دونباس، وخاصة في مدينة بوكروفسك، وهي ظروف ترى واشنطن أنها قد تدفع كييف إلى مزيد من المرونة في المفاوضات. ويجري زيلينسكي زيارة رسمية إلى أنقرة لمناقشة سبل إحياء عملية السلام ومن المنتظر أن يلتقي أيضًا بوفد يقوده وزير الجيش الأمريكي دان دريسكول في كييف، في أعلى زيارة لمسؤولين من وزارة الدفاع الأمريكية منذ بداية ولاية ترامب الثانية. وتعتبر مصادر أمريكية أن هذه الزيارة قد تكون مؤشرًا على رغبة واشنطن في تسريع تنفيذ الخطة. موقف أوروبا.. «مخاوف من تنازلات خطيرة» ولم يتضح بعد مدى قبول العواصم الأوروبية للخطة الجديدة، إلا أن المواقف السابقة لقادة الاتحاد الأوروبي تظهر معارضة لأي خطة تُمنح فيها روسيا مكاسب ميدانية أو سياسية كبيرة. ويُذكر أن قمة بودابست المقترحة في أكتوبر انهارت بسبب رفض موسكو التخلي عن أهدافها العسكرية الأساسية.