خلقت خطة السلام الأمريكية الروسية المسربة حالة من الفوضى في واشنطن وكييف والعواصم الأوروبية، مما منح موسكو بيئة تفاوضية مواتية دون بذل جهود دبلوماسية كبيرة. الخطة المسربة وردود الفعل المتباينة تتكون الخطة من 28 بنداً، صاغها بشكل رئيسي رجل الأعمال الأمريكي ستيف ويتكوف وكيريل ديمترييف رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي في فلوريدا. وأشارت بعض التقارير الأجنبية إلى أن تسريب هذه الخطة الأسبوع الماضي أدى إلى انقسامات حادة داخل الإدارة الأمريكية نفسها، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن بلاده هي من "ألفت" الخطة، رداً على تصريحات سيناتور جمهوري وصفها بأنها مبادرة روسية. منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، عمل كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على إقناع الإدارة الأمريكية بأنهما ليسا الطرف المعرقل للسلام. وبحسب وسائل الاعلام الأجنبية فقد تأرجح ترامب بشكل كبير بين الجانبين، ففي البداية بدا أنه يميل نحو كييف بعد قمة ألاسكا مع بوتين، لكنه عاد الأسبوع الماضي ليصور أوكرانيا كعقبة أمام إنهاء الحرب، كاتباً على منصة "تروث سوشال" أن قيادة كييف "لم تعبر عن أي امتنان لجهودنا". الصمت الاستراتيجي والمطالب المستقبلية اتبع الكرملين استراتيجية الصمت في الأيام الأولى من التسريب، حيث تظاهرت وزارة الخارجية الروسية بعدم معرفتها بأي مبادرة سلام. ولم يعلق بوتين إلا في وقت متأخر من يوم الجمعة، قائلاً إن المقترحات "يمكن أن تشكل أساساً لتسوية سلام نهائية"، لكنه لم يؤكد استعداده لتوقيع الاتفاق. ووفقاً للمحللين الذين نقلت عنهم صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، فإن موسكو تتوقع تقديم مطالب إضافية حتى لو وافقت كييف على الخطة، إذ أوضح أنطون باربشين، الباحث الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن "الخطة قد تكون مقبولة بنسبة 70%، لكن الباقي شيء لن يوافق عليه بوتين"، مضيفاً أن الرئيس الروسي سيقول على الأرجح: "نعم، دعونا نعمل على هذا - وهذه تعديلاتي". من جانبها، قالت تاتيانا ستانوفايا الباحثة البارزة في مركز كارنيجي لأوراسيا روسيا، إن المقترح الحالي "مصاغ بشكل غير محكم" ويترك مجالاً كبيراً للتفسير، مما يجعله من النوع الذي لن يوقعه بوتين أبداً. وأضافت أن الصياغة الغامضة حول حياد أوكرانيا ومستقبل توسع الناتو تتطلب "وثائق وجداول زمنية والتزامات - لا شيء من هذا يظهر في المسودة". آلية التفاوض والمأزق الأوكراني تعمل هيكلية عملية التفاوض الأمريكية لصالح موسكو، إذ تريد واشنطن من كييف الموافقة على الخطة قبل سفر وفد أمريكي إلى موسكو لوضع اللمسات النهائية على الشروط. وبحسب "ذا جارديان"، يعتقد الكرملين أن أي خطوة من زيلينسكي لقبول شيء قريب من مسودة النقاط ال28 ستثير اضطرابات سياسية داخل أوكرانيا. في الوقت نفسه، لا تستطيع أوكرانيا التخلي ببساطة عن المحادثات، إذ تظل تعتمد على الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية الأمريكية، وقد تواجه شتاءً كارثياً إذا ابتعد حليفها المركزي. وفي محاولة لإعادة التوازن، أنتجت الولاياتالمتحدةوأوكرانيا يوم الاثنين خطة سلام مكونة من 19 بنداً أكثر ملاءمة لكييف، لكنها أرجأت المسائل الأكثر حساسية سياسياً لوقت لاحق. إلا أن موسكو على وشك رفض المقترح المضاد بالتأكيد، مما يعيد العملية إلى نقطة البداية. التوقعات المستقبلية والضغط العسكري تشير ستانوفايا إلى أن بوتين من غير المرجح أن يتراجع عن هدفه الرئيسي، وسيسعى بدلاً من ذلك لنسخة منقحة من الخطة الحالية تعكس مصالح روسيا بشكل أكمل. وإذا توقفت الدبلوماسية، فلن يرى بوتين "مشكلة في مواصلة الحرب" لأن الكرملين يعتقد أن موقف أوكرانيا سيتدهور مع مرور الوقت، خاصة إذا نفذ ترامب تهديداته بوقف المساعدات العسكرية الأمريكية. وأوضح فيودور لوكيانوف، محلل السياسة الخارجية المقرب من الكرملين، أن روسيا ستحافظ على الضغط العسكري "عند مستواه الحالي" حتى تقبل أوكرانيا خطة النقاط ال28 الأصلية، وبعدها ستكون موسكو مستعدة للانتقال إلى مناقشات تفصيلية، قائلاً: "الكرة في الملعب الآخر".