■ كتبت: سمر صلاح الدين في زمن يُعاد فيه تشكيل خرائط المنطقة لا بالجغرافيا بل بالهوية، يصبح استدعاء كل الأصوات التي لا تزال وفية للنبض الفلسطيني الأصيل ضرورة أخلاقية واستراتيجية. بين دفاتر السياسة وساحات الدبلوماسية تقف شخصيات مثل مروان إميل طوباس على تخوم المعركة الوجودية الفلسطينية، لا باعتبارها نزاعًا حدوديًا، بل صراعًا على المعنى والانتماء والذاكرة. مسيحي فلسطيني من القدس، ابن الكنيسة والهوية، جندي قديم فى معركة فلسطين، شغل مناصب حساسة منها وكيل وزارة السياحة والآثار، محافظ طوباس، وسفيرًا لفلسطين لدى اليونان، حمل رؤية حضارية فى الدفاع عن الوجود الفلسطيني المسيحي كجزء لا يتجزأ من القضية، يرى في «الحجارة الحية» ليس مجازًا إنجيليًا فقط، بل معادلاً وجوديًا للثبات الفلسطيني في مواجهة «مزامير القوة» الصهيونية والغربية على حد سواء. ◄ بداية.. كيف تقرأ البنية السياسية والأمنية الكامنة خلف مشروع «قوة الاستقرار الدولية» المطروح في مجلس الأمن؟ هذا المشروع يُنظر إليه من قبل القوى الدولية كأداة لضمان الاستقرار الإقليمي، لكنه في الواقع يقلل من دور الفلسطينيين في اتخاذ القرار، كونه يعتمد على وجود قوات دولية كقوة إنفاذ وليس قوة حفظ سلام وآليات رقابة، ويهدف للحفاظ على الأرض والمناطق الحيوية دون مواجهة مباشرة مع المقاومة. باختصار هو إعادة إنتاج نموذج وصاية دولية، وليس انتدابًا بقرار أممى حتى اللحظة. ◄ إلى أى مدى يمثل هذا المشروع قطيعة مع حلم الدولة الفلسطينية؟ تركيز المشروع على «الاستقرار» بدلًا من السيادة الوطنية يعنى عمليًا تراجع حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، خاصة بعد توسع المشاريع الاستيطانية الاستعمارية بالضفة الغربية بما فيها القدس، والضم الحاصل بحكم الأمر الواقع بوجود حوالى 800 ألف مستوطن يهودي. فهو يضع الفلسطينيين فى موقع تابع، حيث تُدار قضيتنا من الخارج، ويصبح القرار الوطنى مرتبطًا بالمصالح الدولية والإقليمية، وليس بإرادة الشعب الفلسطينى نفسه، بعيدًا عن مبدأ حق تقرير المصير. ◄ اقرأ أيضًا | محافظة القدس:سلطات الاحتلال أصدرت أمرا عسكريا بالاستيلاء على أراضي من بلدة ◄ هل تخشى تغيرًا في الأولويات من دعم القضية إلى دعم الاستقرار الإقليمي على حساب الحقوق الفلسطينية؟ حقيقةً، التحول من دعم الحقوق الوطنية إلى دعم الاستقرار الإقليمي يضعف سقف المطالب الفلسطينية، ويبقى الدولة الفلسطينية هدفًا بعيدًا. هذا التوجه قد يجعل أى خطة سلام أو ترتيبات دولية فى المستقبل خدمة لتوازنات القوى الإقليمية أكثر من خدمة المصالح الوطنية التحررية للشعب الفلسطيني. ◄ هل خرج القرار الفلسطينى عن الإرادة الفلسطينية لصالح وصاية إقليمية ودولية؟ الضغوط الإقليمية والدولية كانت واضحة، وبعضها للأسف عربية، وبعض القرارات الأخيرة تُظهر أن الإرادة الفلسطينية واجهت تدخلًا وضغوطًا خارجية. لذلك أصبح من الضرورى إعادة ترتيب الأولويات الفلسطينية لضمان بقاء القرار الوطنى الفلسطينى تحت الرقابة الشعبية ومستقلًا، وذلك من خلال تشكيل حكومة وفاق وطنى بمرجعية منظمة التحرير التى تمتلك الوصاية على الأراضى الفلسطينية وفق القرارات الأممية، لحين إجراء انتخابات عامة. ◄ لماذا فشلت كل محاولات المصالحة بين الفصائل؟ وهل الخلاف أيديولوجي حقيقي أم مجرد صراع على أدوات النفوذ؟ الفشل ليس فقط نتيجة خلاف أيديولوجي، بل بالفعل بسبب صراع على أدوات النفوذ والسيطرة على المؤسسات، المصالح الحزبية والشخصية طغت على المصلحة الوطنية، ما أدى لتكرار الانقسامات وترسيخها منذ بدء الانقلاب عام 2007، الذى خدم مصالح قوى خارجية، وفى مقدمتها أمريكا طبعًا. الإصلاح يحتاج إلى إرادة وطنية حقيقية، ورؤية واضحة، وعمل منسق بين القوى الفلسطينية لتجاوز الحسابات الجزئية، وعلى رأس ذلك صندوق الانتخابات ومحاربة كافة أشكال الفساد التى شجعت استمرار الانقسام وأحدثت الضرر بصورة كفاح شعبنا أيضًا، الذى بدأ يرافقه شعور بعدم الثقة ببعض القيادات المتنفذة. ◄ ما المطلوب لفك الاشتباك بين من يملك «الشرعية الدولية» ومن يملك «شرعية الميدان»؟ الحل يكمن فى دمج الشرعيتين ضمن مشروع وطنى جامع تشكل الشرعية الدولية أساسه، بحيث تكون الشرعية الدولية مستندًا للاتفاقيات والمنظمات، بينما تكفل شرعية الميدان قدرة الشعب على المشاركة والتأثير المباشر من خلال المقاومة العقلانية الشعبية الميدانية. هذا الدمج يضمن قوة القرار الفلسطينى المستقل ومصداقيته على الأرض وفى المحافل الدولية. ◄ ما رؤيتك لبنية إصلاح السلطة؟ وهل تفكيك العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة هو مدخل لإعادة بناء مشروع وطني؟ فى رأيي، إعادة الهيكلة تشمل ربط السلطة بمنظمة التحرير كمرجعية لها، وتعزيز المؤسسات الوطنية لتصبح منصات جامعة للقرار الوطنى المستقل. يجب أن تُدار السلطة بشفافية ومساءلة، مع إشراك المجتمع المدنى والشباب فى صنع القرار السياسى لضمان تمثيل حقيقي، وهذا يأتى من خلال آليات إصلاح منظمة التحرير كجبهة وطنية عريضة وممثل شرعى وحيد، صاحبة الولاية السياسية والجغرافية على كل أراضى دولة فلسطينالمحتلة بما فى ذلك غزةوالقدسالمحتلة. ◄ ما الثمن الذي يجب أن يُدفع لإعادة إنتاج قيادة تمثيلية حقيقية؟ الثمن المطلوب يتطلب التضحية بالمصالح الفردية والحزبية، واستعادة ثقة الشعب بقيادته، واعتماد المشاركة الشعبية كأساس للعمل السياسى بعيدًا عن أفق الفصائلية الضيقة. القيادة الحقيقية تحتاج إلى رؤية طويلة المدى لإدارة الأزمات وبناء مشروع وطنى تحررى مستدام. ◄ ما حقيقة الضغوط الأمريكية للإفراج عن مروان البرغوثي؟ وهل تراه مازال قادرًا على توحيد الحالة الفلسطينية إن أفرج عنه؟ الإفراج عن الصديق القائد مروان البرغوثى قد يكون فرصة لتوحيد الحالة الفلسطينية إذا تم دمجه ضمن مشروع سياسى متكامل، وليس مجرد خطوة رمزية تنتهى بالإفراج عنه. الأهم أن يتم توظيفه كرافعة لإعادة بناء المشروع الوطنى التحرري، وجمع الأطراف الفلسطينية تحت رؤية واحدة واضحة، بما يتمتع به الأخ مروان من مصداقية بين القوى السياسية وفى أوساط شعبنا الفلسطيني. ◄ كيف ترى عودة ناصر القدوة؟ وهل تمثل محاولة جديدة لتكوين تيار إصلاحي أم مجرد مناورة جديدة؟ عودة ناصر القدوة لا تمثل محاولة لتشكيل تيار إصلاحى بالمعنى اللفظي، فالأخ ناصر كان عضوًا سابقًا باللجنة المركزية لحركة فتح قبل أن يُفصل منها ويعود لها من نفس المرجعية، أى اللجنة المركزية لفتح، وفق المقولة الشعبية «عاش الملك، مات الملك»، دون أن يسأل أحد من الأعضاء إن كانت هذه الإجراءات تتفق مع النظام الداخلى لحركة فتح. لكن عودته تحتاج إلى رؤية واضحة وإرادة سياسية حقيقية لتتجاوز المناورات الشكلية مع أعضاء اللجنة المركزية، من خلال الإسراع بعقد مؤتمر فتح الثامن. في رأيي، نجاح هذه العودة يعتمد على امتلاك رؤية سياسية وتنظيمية واضحة تعتمد على الأفق السياسى وعلى دمج الشباب والقوى السياسية والمجتمع المدنى فى مشروعنا الوطني، الذى يتطلب المراجعة والوضوح والتجديد بحكم المتغيرات المتسارعة الدولية والإقليمية والمحلية، وهو ما يجب إقراره فى أول جلسة للمجلس الوطنى الفلسطيني، وقبل ذلك فى المؤتمر العام الثامن لحركة فتح الذى تأخرت الدعوة له. ◄ ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الكنيسة الوطنية الفلسطينية في حماية الهوية والموقف؟ الكنيسة تقوم بذلك الدور فعلاً من خلال النشاط الداخلى بين مكونات شعبنا والنشاط الدبلوماسي، وتعزيز التلاحم الوطنى بين المسلمين والمسيحيين، ورفع الصوت ضد أى ممارسات تهدد الحقوق الفلسطينية التاريخية، وقد دفعت الكنيسة ثمنًا كبيرًا مقابل هذا الدور عبر استهدافها اليومى من جانب الاحتلال. ◄ كيف ترى تصاعد الخطاب اليميني الغربي الذي يرى في نفسه حاملًا لرسالة مسيحية حضارية؟ تصاعد الخطاب اليمينى الغربى المسيحى يمثل محاولة لتوظيف الدين لتبرير الاستيطان عبر عقيدة «المسيحيين الصهاينة» فى أمريكا، وما بين ما يسمى بالمسيحية الغربية فى أوروبا. هذا فكر عنصرى أبيض معادٍ لتعاليم الدين والإنسانية بشكل عام، ويجب تفكيكه عبر خطاب علمى ومجتمعى يوضح أن القضية فلسطينية وطنية إنسانية فى بعدها، تعتمد على الرواية التاريخية لا الأساطير التوراتية المزورة، وأن الرسالة الحضارية أو الدينية لا تعنى التنازل عن الحقوق الوطنية. ◄ ما السيناريو الأخطر الذي تخشاه على فلسطين؟ السيناريو الأخطر هو فقدان الأمل الوطني، واستمرار الاستيطان، وتراجع الفلسطينيين إلى هامش القرار، ما يهدد المشروع الوطنى بأكمله ويترك الساحة الإقليمية والدولية تتحكم بمصير الفلسطينيين. إذا لم تكن هناك رؤية عربية استراتيجية واضحة تواجه سياسات الولاياتالمتحدة فى المنطقة وتستخدم مقدرات الشعوب العربية لمواجهة ذلك، كما الاستفادة من المتغيرات الدولية، خاصة مع تصاعد انتفاضة الشعوب فى كل مكان، وحتى فى الولاياتالمتحدة وفى أوساط الجاليات اليهودية المعادية للصهيونية بعد انكشاف حقيقة الفكر الصهيونى ودور دولة الاستعمار الإحلالى الإسرائيلي. ◄ في ظل التفكك الحالي، من يمتلك القدرة الحقيقية على إنتاج أمل سياسي جديد؟ الأمل السياسى الجديد لا يمكن إنتاجه إلا بقيادة تمثيلية حقيقية منتخبة فى إطار منظمة التحرير تكتسب ثقة جماهير شعبنا والأصدقاء حول العالم بكل مصداقية وشفافية، واعتماد مشروع وطنى تحررى موحد بعد مرحلة من المراجعة العامة للاستفادة من دروس الماضى والتاريخ. استراتيجية تجمع بين المقاومة الداخلية الشعبية العقلانية وفق الشرعية الأممية والدبلوماسية المقاومة والتحالفات الدولية مع القوى الصاعدة من دول البريكس والجنوب العالمي.