عدم عودة الحرب لا يقل أهمية عن وقف الحرب، الحرب مهما كانت شعاراتها لا يمكن أن تكون وسيلة لبناء الدولة الفلسطينية أو استعادة الحقوق المغتصبة، بل تؤدي إلى تعميق الجراح، وتدمير ما تبقى من مقومات الحياة، وإضعاف المشروع الوطنى الفلسطيني. الطريق نحو قيام الدولة الفلسطينية يبدأ من إعادة بناء السلطة الشرعية الواحدة التي تحوز القبول الشعبي والإجماع الوطني، باعتبارها الركيزة الأساسية لأي كيان سياسي مستقل. وحلّ الدولتين الذى يمثل الإطار المرجعى لا يمكن تحقيقه في ظل وجود سلطتين متنازعتين في غزة والضفة الغربية، وازدواجية القرار السياسي والأمني عطّلت وحدة الصف الفلسطيني وأفقدت القضية الكثير من زخمها الدولي، وتجاوز الانقسام هو شرط أولى لبناء الدولة، لأن الدولة لا تقوم إلا على وحدة الإرادة والسيادة، وليس على تشتت القرار بين فصائل متنافسة ومؤسسات متوازية لا يجمعها مشروع وطنى موحد. ولكى لا تعود الحرب أول خطوة ضرورية هى توحيد الفصائل الفلسطينية، لا سيما فى قطاع غزة الذى يشهد انقسامات حادة وصدامات خطيرة، فالاقتتال الداخلى لا يخدم سوى الاحتلال، ويُضعف الجبهة الداخلية ويمنح إسرائيل الذرائع لمواصلة عدوانها، ويجب على جميع الفصائل إدراك أن السلاح الفلسطينى لا ينبغى أن يُستخدم في الصراعات الداخلية التي تمزق النسيج الوطني. ويجب الحذر من محاولات الوقيعة الإسرائيلية التي نجحت مرارًا فى تأجيج الخلافات الفلسطينية الداخلية، وإسرائيل تدرك أن وحدة الفلسطينيين تشكل خطرًا استراتيجيًا عليها، وتعتمد على سياسة «فرّق تسد» لإضعاف أي مشروع وطني موحد، والوعي السياسى هو السلاح الأهم في مواجهة هذه الاستراتيجية، عبر تعزيز الثقة بين الفصائل، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفصائلية أو الإقليمية الضيقة. أما قضية سلاح حماس فتمثل واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا فى المشهد الفلسطينى، ومعالجتها لا يمكن أن تكون من خلال الصدام، بل عبر حوار وطني شامل يضمن دمج هذا السلاح في إطار السلطة الوطنية، بحيث يصبح أداة دفاع شرعية موحدة تحت مظلة القيادة الفلسطينية، لتفويت الفرصة على إسرائيل، التى تتذرع بوجود السلاح لإفساد المبادرة. الصلح بين فتح وحماس استحقاق وطني لا يمكن تأجيله، وتظل الدولة الفلسطينية حلمًا مؤجلًا وإسرائيل الطرف المستفيد الوحيد من حالة الشقاق، والصلح يجب أن يقوم على شراكة سياسية متكافئة، وبرنامج وطنى جامع يوازن بين المقاومة والدبلوماسية، ويستثمر الدعم الدولى المتزايد للقضية الفلسطينية. منع عودة الحرب لا يعنى التخلي عن المقاومة أو التنازل عن الحقوق، بل يعنى اختيار الطريق الأذكى لتحقيق الأهداف الوطنية، عبر مؤسسات دولة قوية موحدة تستند إلى الشرعية الشعبية والسياسية والوحدة الوطنية، وهى الطريق الوحيد الذى يمكن أن يقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية.