يبدو أن بريطانيا بدأت تشعر بالذنب وتريد التكفير عن خطاياها بعد مائة سنة وثمانى سنوات على «وعد بلفور»، وتقف مع فرنسا فى صدارة الدول الغربية المؤيدة لحل الدولتين، ويتم الإعلان عن ذلك اليوم «الإثنين» فى المؤتمر المنعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك. الخناق يضيق حول رقبة إسرائيل ونتنياهو، وتعترف عشر دول غربية رسميا بالدولة الفلسطينية، على رأسها فرنسا وانجلترا، ودول أخرى مثل كندا وبلجيكا وأستراليا، ولم يعد له حليف قوى سوى ترامب وأمريكا، والمتوقع أن يشهد المؤتمر إعلانات رسمية أخرى من عدة دول غربية تعترف بدولة فلسطين، وإعادة بناء توافق دولى حقيقى حول أسس التسوية السياسية. أمريكا لم تشارك فى المؤتمر السابق «حل الدولتين» الذى عقد فى يوليو، وتُعارض أى اعتراف أحادى الجانب بدولة فلسطينية، وتحذر من المشاركة فى مثل هذه المؤتمرات، معتبرة أن أى خطوات مناهضة لإسرائيل تترتب عليها «عواقب دبلوماسية». وإسرائيل ترفض ما تسميه خطوات دولية «أحادية الجانب» تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتعتبر أن الاعتراف يجب أن يأتى فقط من خلال المفاوضات المباشرة، التى تعمل على إفشالها أولا بأول. والواقع الميدانى يبقى مغايرًا للجهود الدبلوماسية وتعترف الأممالمتحدة بتهجير نحو مليون و900 ألف فلسطينى من مناطقهم فى غزة وما صاحبها من أزمات إنسانية خانقة، تطرح تساؤلات حول جدوى المساعى السياسية ما لم يتم وقف التصعيد وضمان حماية المدنيين وتدفق المساعدات الإنسانية. ورغم ذلك : أولًا: اعتراف عشر دول غربية بدولة فلسطين يعكس تحولا فى «المزاج الدولى»، صحيح أن فلسطين نالت اعترافًا من غالبية دول العالم، ولكن دخول دول كبرى مثل بريطانياوكندا وأستراليا على خط الاعتراف يعطى وزنًا سياسيًا ومعنويًا كبيرًا، وأن الوضع القائم لم يعد مقبولًا. ثانيًا: يؤكد المؤتمر دور مصر فى قلب المعادلة، والثمن الباهظ الذى دفعته عبر عقود من الصراع، وأن أمنها القومى يبدأ من استقرار فلسطين، ولن تسمح بتمرير أى حلول تنتقص من الحقوق الفلسطينية أو تمس حدودها مع غزة. ثالثًا: رفض واشنطن منح الرئيس محمود عباس تأشيرة دخول رسالة سلبية للغاية، وكيف يمكن أن تتحدث عن عملية سلام بينما يُمنع الطرف الفلسطينى من مجرد الحضور؟ ويعكس ازدواجية لا تخفى على أحد، وتجعل من الصعب الوثوق بجدية الولاياتالمتحدة كوسيط. ومع ذلك يجب ألا نقع فى فخ التشاؤم، والمؤتمر حتى لو لم يحقق اختراقًا فوريًا، يكفى أنه أعاد فلسطين إلى صدارة الأجندة الدولية، وهذا فى حد ذاته إنجاز بعد سنوات من محاولات التهميش والتصفية. أمريكا فى ذروة الارتباك، وتتردد أنباء عن دعوة مضادة للرئيس ترامب لعقد مؤتمر آخر للسلام فى اليوم التالى «الثلاثاء»، فى محاولة لتخفيف الضغوط على إسرائيل، وتجميل صورة بلاده المتدهورة .