حين تدق الأجراس وتُفتح المدارس أبوابها من جديد، لا يبدأ عام دراسى فقط، بل يبدأ عام من العمل والنشاط والالتزام. يعود صوت المنبّه ليوقظ الكبار والصغار معًا، وتزدحم الشوارع بالخطى المتسارعة والوجوه المليئة بالدهشة والخوف والحماس، كأن المدينة بأكملها تستيقظ من سباتها. لا يعود الأطفال وحدهم إلى مدارسهم وفصولهم، بل يعود المجتمع كله إلى إيقاع مختلف. فالإجازة الصيفية، بكل ما حملته من حرية وراحة وصباحات هادئة، كانت مساحة ضرورية لتجديد الطاقة واستعادة التوازن. ففيها يبتعد الإنسان قليلًا عن ضغط العمل وروتين الحياة، ليعود بعدها أكثر استعدادًا للمسئولية. ومع دقات جرس المدرسة، والعودة للعمل، تستعيد الحياة مسارها الطبيعى. الأطفال يدخلون فصولهم بعيون حالمة وأسئلة عن المستقبل، والكبار يستعدون لملفات جديدة وخطط تنتظر التنفيذ. إنها رحلة من الاسترخاء إلى الالتزام والعودة للمسئولية فى المدارس يبدأ فصل جديد من التعليم وتشكيل الوعى، وفى أماكن العمل يبدأ فصل لا يقل أهمية: مواجهة الالتزامات، تجاوز الضغوط، وبناء خطوات عملية نحو المستقبل. وبين الاثنين خيط رفيع يربط التجربة الإنسانية: فكل بداية هى امتحان جديد، سواء فى الدرس أو فى العمل. ومع هذه العودة، تستعيد المدن نبضها: المحلات تنشط من جديد، المؤسسات والشركات تستعيد نشاطها، وسائل النقل تمتلئ بالوجوه. وكأن المجتمع كيان حى يستيقظ بعد استراحة قصيرة. ومعه الزحام الخانق الذى يحوّل صباح العودة إلى معركة يومية. السيارات تتكدس فى الطرق، الحافلات تتأخر، والمشوار البسيط يتحول إلى رحلة طويلة مرهقة. كأننا نتفاجئ كل عام ببداية الدراسة. ومع ذلك، يظل الأمل. فكما نتعلم من الكتب والدروس، يمكننا أن نتعلم من أخطائنا اليومية. التنظيم ممكن، والتخطيط لحركة المرور خاصة أمام المدارس ليس حلمًا بعيدًا. وإذا كانت العودة إلى المدارس والعمل تذكيرًا بالمسئولية، فإن مسئوليتنا الأكبر أن نُهيئ أساليب حياة تخفف من عناء الناس، وتترك لهم مساحة ليحتفظوا ببهجة العودة للدراسة. ورغم الزحام، يبقى فى العودة للمدارس أنها تعيد إلينا شعورًا بالحياة وهى تتحرك من جديد. فالضوضاء فى الشوارع، رغم ثقلها، دليل على أن الناس عادت إلى أماكنها، وأن المدينة استعادت صوتها. ربما نتمنى أن تكون العودة أكثر تنظيمًا وأقل ازدحامًا، لكن يكفينا أننا جميعًا سواء أطفالًا يحملون دفاترهم، أو كبارًا يحملون مسئولياتهم، نكتب معًا فصلًا جديدًا من العمل والمسئولية وبناء الوطن.