اجتمع على حبه الجميع، بسطاء ومسئولون. كبار وصغار فكانت جنازته واحدة من التى يقولون عنها من أحبه الله جعل جنازته شاهدا على سيرته. رحل الدكتور على المصيلحي، رحمه الله، وبقيت صورته بابتسامته فى ذاكرة مَن عرفوه، كدليل على أن الإنسانية الحقيقية لا تصنعها المناصب. يستقبلك بابتسامة وكلمة طيبة، سواء كنت مسئولًا أو مواطنًا بسيطًا جاء ليطرح سؤالًا. فى حضوره، كنت تشعر بالاحترام قبل أن تسمع أى كلمة، وتشعر بأن مَن أمامك يستمع إليك بحق، وليس لمجرد الواجب. حين رحل، تحوّل يوم جنازته إلى لوحة إنسانية مهيبة؛ شوارع الشيخ زايد ضاقت بالجموع، وامتدت الصفوف فى صلاة الجنازة على غير العادة. وقف رئيس الوزراء وكبار رجال الدولة بجوار أهالى القرى، الذين حضروا من الوجهين البحرى والصعيد، ورجال الأعمال بجوار العمال، جميعهم يجمعهم الحزن. وكأن الله شاء أن يجعل هذا اليوم شاهدًا على محبة الناس له، وأن يكتب له شهادة وداع تليق بسيرته. عرفته عن قرب فى لقاءات كثيرة، ورأيته فى المؤتمرات والاجتماعات والمناسبات العامة، ودائمًا كان: بشوشًا، متواضعًا، مرحبًا بكل مَن يلتقيه، لم يغيّره المنصب ولم تُغيّره الأضواء. كان عالمًا فى مجاله، وجعل علمه لخدمة الناس. كان يدرك انه وزير فى وزاره تهم كل الناس وتخدم الجميع وأن القرارات ليست أوراقًا وأرقامًا، بل هى وجوه وحكايات وأحوال تنتظر الفرج. حتى فى أيامه الأخيرة، ورغم معاناته مع المرض، ظل على تواصل مع الملفات التى بدأها، حريصًا على أن يطمئن أن الأمانة التى حملها ستظل محفوظة. وحين كرمه رئيس الوزراء قبل أسابيع من رحيله، كان ذلك اعترافًا رسميًا من الدولة بما قدّمه، لكنه كان بالنسبة له مجرد محطة فى رحلة بدأها منذ سنوات لخدمة الناس. ورحل الجسد، لكن بقيت الروح فى قلوب مَن أحبوه، وبقيت سيرته تذكّرنا أن المحبة الصادقة لا تُفرض، بل تُزرع فى القلوب وتظهر فى لحظة الوداع. رحم الله د. على المصيلحى وجعل محبة الناس فى ميزان حسناته.