ظلت المرأةُ الأربعينية تصرخ، وتضربُ رأسها بيدها، وتبكى بكاءً مؤثرًا، بلّلَ ملامحها الجميلة بغزيرِ الدموع، وشاركها البكاء طفلٌ صغيرٌ، يمسك بطرف فستانها على أحد أرصفة وسط القاهرة. كان حولها دائرة كثيفة من المارة، وقبل أن أرى المشهد بتفاصيله حجبه عنى عددٌ من سيارات متنوعة، اصطفت واقفة، تنفث الصهد على وجوه العابرين؛ انتظارًا لفتح الإشارة. كان بداخل بعض المركبات المصطفة وجهاء، يعزلون أنفسهم عن وجه الشمس بزجاج فاميه! بينما يقف مطحونون بأتوبيسات نقل عام، امتلأت جوانبها بإعلانات لمساكن فخمة، وسيارات فارهة. فاستغل بائعٌ جائلٌ سيناريو اللحظة، وألقم عددًا من نوافذ السيارات بعلبٍ من المناديل المتنوعة، والتقف قدرًا كبيرًا من المال، نسى معه تجفيف عرقٍ غزيرٍ، رسم خريطة على جلابيته تؤكد مدى سطوة الشمس على أكتاف البسطاء. وبعد ساعتين من المشى عدت فوجدت المرأة الأربعينية الباكية مع طفلها على نفس الحال! ولكن حولها دائرة جديدة من البشر، فسألها أحدُ الوقوف: ماذا بك؟ فتوقفت عن البكاء، وقالت إن رجلًا مهيبًا فاخر الثياب، طلب منها دقيقة مكالمة من هاتفها داخل أحد المحلات، بحجة أن هاتفه فصل شحن، وأعطاها شنطة قماش معبأة بمشتريات تخصه، فأمسكت الحقيبة وشغلت نفسها بقياس حذاء لطفلها، وفى أقل من دقيقة، اختفى الرجل، وأغلق هاتفها! وحين فتشت المرأة شنطة الرجل وجدت فيها زوج أحذية قديم جدًا، وباقى الشنطة من أسفل ورق جرائد! عرض عليها أحد الوقوف المساعدة بهاتفه للتواصل مع زوجها، فزاد بكاؤها، وقالت: لو علم زوجى بالحكاية سيطلقنى! إذ كنت فى زيارة لأولادى من زوجى السابق، ولم أخبره؛ نظرًا لغيرته الشديدة! لحظتها.. انصرفتُ مع أغلب الوقوف بعيدًا، ولم تفلح حلاوة قمع آيس كريم كان بيدى فى هزيمة مرار الحكاية.