كأنه يوم الحشر ... خلف بركة " أبو الجود " الكبيرة... وقف الصبية الذين اندسوا في طيات ملابس أمهاتهم يرتعدون وظهرت علي رأس كل واحد منهم هزه لليمين وأخري لليسار ، تباينت درجة الهزة من واحد لآخر ، فمنهم من تهتز رأسه مرة واحده ، ومنهم من تهتز كثيرا ويصاحبها إغماض عينيه ، ومنهم من تلقي به تحت الأقدام متلويا من شدة الألم ، أما أمهاتهم المصاحبات لهم يتشبثن بأطراف جلاليبهم حتي لا تصل النوبة بأحدهم إلي الركض نحو البركة وإلقاء جسده حتي ينطفئ اللهيب المشتعل بأذنيه .لكن النوبات التي تتملكهم الآن فوق كل احتمال ، مما جعل أمهاتهم يسترجعن قواهن الخائرة ، وتستخرج كل واحدة منهن ابنها من بين طيات ملابسها وتدفع به للأمام ..ظهر الالتواء علي كل الصبية ، بل أن أحدهم راح يميل برأسه حتي اقترب من ركبتيه ، كلما سمعوا صرخة صبي في الداخل أمعنوا في الاندساس ، ودفعت كل واحدة منهن ابنها دفعا ، لكن المتقهقرين منهم لاقوا صراعا عنيفا لتثبيتهم . دخلت ثريا لسيدة الدود في بيتها القديم والذي تقتحمه الشمس من خلال جداره المنهار، وابنها يتمايل منها ويكاد أن يتحد مع وركيها، أخذت تضبط وقوفه أمامها ، فهبط منها متثاقلا وباكيا فرفعته وجرته خلفها . عندما أجلسته أمه ووضعته أمام سيدة الدود الطاعنة في السن ، سكت وظلت شهقاته معلقة بحنجرته ،و تحاشي النظر إلي عينيها الفائرتين . وضعت يدها علي أذنه اليمني وراحت تقرأ قراءة الخروج الغامضة فتلوي الولد ، وتشبثت به أمه ، فصرخ من الألم ، مما جعل سيدة الدود ترفع صوتها وتقبض علي كتفيه فعصرتهما .
الصراع بينها وبين الولد احتد فخرت أول دوده من أذنه فمال لليسار وخفتت صرخاته ، وتلقتها سيدة الدود في راحتها ، وعيناها تنتقل من الولد إلي أمه إلي المراقبين الذي جلسوا مندهشين . نظر الولد إلي سيدة الدود نظرة انتقامية لم تستمر طويلا أمام نظراتها القاهرة لآلامه والتوائاته . القراءة الغامضة التي تلتها علي أذن الولد استمرت حتي خرجت أسراب من الدود الأحمر واشتد كفاحه ضد الألم ، وارتشح العرق فبلل جلابيته وتقاطر من فروة رأسه فامتزج مع مخاطه الذي اتحد مع خيوط اللعاب المنساب من فمه ، وعندما كشطت أمه تلك الخيوط بكمها عادت للتكوين مرة أخري .. أما سيدة الدود فبدا عليها الإجهاد واجتهدت لإخراج الدود المتكاثف في أذني الولد وانتقلت بيدها إلي أذنه اليسري واستدعت الكثير من الدود المندس بها والذي خرج نافرا . عندما فرغت من قراءتها كانت آخر دودة تخرج من بين ثنايا أذنه ببطء ، وكأنها تخرج مرغمة ، مُساقة من التجاويف الغائرة ، ذلك البطء في الخروج تزامن مع لهاث سيدة الدود فعلت أنفاسها فوقعت علي ظهرها وكاد أن يغشي عليها . أغمض الصبي عينيه وراح في سبات أثاء خروج الدودة الأخيرة التي وقفت في طريق الخروج ولم تتقدم لتوقف قراءة الخروج فالتفت حول نفسها متكورة ، وهمت ثريا كي تلتقطها لكن الدودة كانت أسرع في العودة لأذن الصبي الفارغة ففتح عينيه وعاد يتلوي و يصارع الألم مرة أخري .