رغم التحذيرات المتكررة من تداول المنتجات منتهية الصلاحية أو غير المطابقة للمواصفات، لا تزال بعض الأسواق الشعبية والأرصفة تشهد عرضاً لبضائع تُباع بأسعار زهيدة من «اللانشون» وال «هامبرجر» وبواقى المصانع من الأغذية المُصنعة ومستحضرات تجميل وأدوات كهربائية مجهولة المصدر. فى هذا التحقيق، نرصد الواقع داخل هذه الأسواق، وننقل شهادات البائعين والمستهلكين، ونستعرض آراء المتخصصين حول خطورة هذه المنتجات على الصحة العامة، وسط غياب الرقابة .. «الأخبار» ترصد ما يحدث على أرض الواقع، وتدق ناقوس الخطر حول هذه الكارثة التى تهدد حياة المواطنين . فى بداية الجولة توجهنا إلى سوق الإمام الشافعى ب السيدة زينب الذى خُصص له يوم الجمعة من كل أسبوع، حيث وجدنا الأطعمة منتشرة به بشكل كبير من «لانشون وهامبرجر» منتهية الصلاحية، تُباع على الأرض فى وسط السوق، والمشترى لا يهتم بتاريخ الإنتاج أو انتهاء صلاحية. أما عن «مستحضرات التجميل»، فحدث ولا حرج، البائع يقوم بإقناع المشترى بأن منتجاته ماركات عالمية ولا خطورة منها. اقرأ أيضًا | حبس مسجل خطر لقيامه بتصنيع الأسلحة البيضاء والاتجار بها بدون ترخيص بالقاهرة روائح عفنة الغريب فى الأمر أن كل ما يوجد فى سوق الإمام الشافعى من بواقى المصانع وكسر الطعام، لا تشعر بأنه منتهى الصلاحية، لكن بمجرد ان تقترب منه تجده عفن الرائحة، كما أن ربات البيوت يتوجهن إليه لمجرد أنه أقل من سعر الأسواق الأخرى، بالإضافة الى وجود الشيبسى الذى يُباع بالشنطة الصغيرة وسعرها 10 جنيهات، أما بواقى الحلويات «الكسر» فكانت لها النصيب الأكبر من بيعها فى السوق، فسعر الطبق يصل الى 70 جنيهاً، يوجد به بعض من «التورتة» و«الجاتوه» .. ويدعى البائع أن الحلويات من كبرى المحلات المتخصصة فى صناعة الحلوى، ولكنها تعرضت للكسر أثناء التصنيع أو التعبئة. خلّى الغلبان ياكل اتجهنا الى الباعة للتأكد من صلاحية المأكولات، ففى ظل الارتفاع المستمر فى الأسعار، أصبحت أسواق «بواقى المصانع» المنتشرة فى الأحياء الشعبية، مثل: سوق الإمام الشافعى بحى السيدة زينب، وسوق صفط اللبن، والجمعة بإمبابة، هى الملاذ الوحيد للأسر محدودة الدخل لتوفير احتياجاتها الأساسية من الطعام ومستحضرات التجميل بأسعار زهيدة. وعن شهادات الباعة والمشترين.. قال على محمد (بائع مستحضرات تجميل): «الناس غلبانة والكل عاوز يوفر فلوسه، أنا شغال فى بيع الميك أب منتهى الصلاحية .. ولكن الماركات العالمية معروف صلاحيتها بتفضل طول العمر، وليا طريقتى اللى أقنع بيها زبايني.» منصور شنودة (بائع هامبرجر ولانشون) قال : «بروح المصانع وبجيب منهم أى كسر من الأكل والعصائر بأسعار مخفضة، وبتكون على قرب الانتهاء والمشترى بيكون على علم.» .. وأشار إلى أن الأسعار أقل بكثير من السوبر ماركت قائلاً: «خلّى الغلبان ياكل»، مضيفًا أن سعر الكيلو 70 جنيهًا، وأن لديه «بواقى الفنادق الكبيرة» من لحوم وفراخ بسعر 60 جنيهًا للطبق. اما ساجدة عبد اللطيف (شابة عشرينية تشترى المكياج) فقالت: «الأسعار رخيصة والمنتج مش بيأثر على بشرتي، ومبحسش بأى اختلاف فى استخدامه». صفط اللبن وفى سوق صفط اللبن، الذى يقام كل ثلاثاء، يتجه الباعة لبيع كسر الشيبسى والشيكولاتة بأسعار رمزية، مثل كيلو الشيبسى ب 25 جنيهًا، مؤكدين أنه لا يختلف عن الموجود فى السوبر ماركت، وأنهم يشعرون بمعاناة الفقراء. قالت أحلام (ربة منزل): بشترى كمية من الطعام لإدخال الفرحة على أطفالي، فالأسعار وصلت فى المحلات الكبرى الى ما لا يستطيع أحد تحمله. كسر الطعام أو البواقى لا يوجد به ضرر او حتى اختلاف كبير، كما يعتقد البعض، فأنا بشترى الجبنة من داخل السوق بفرق سعر 3 جنيهات عن السوبر ماركت، ولكن الفرق هو قرب انتهاء تاريخ الصلاحية. سوق الجمعة لا يختلف الوضع كثيرًا فى سوق الجمعة بإمبابة، حيث تتواجد كل بواقى المصانع من التونة، والهامبرجر، والحلويات، وجميع المأكولات، بالإضافة إلى الشيبسى والمكياج الذى يُباع بالكيلو. محمود فرغلى (بائع) يقول : «استغلال التجار وارتفاع الأسعار جعلت المواطن يبحث عن بديل يتناسب مع دخله، مما جعل ربة المنزل تتجه إلى وسائل أخرى لكى تتلاءم مع الظروف المعيشية». سيد ياسين (بائع مخلفات مصنع حلويات) يقول : «إنه يبيع كيلو من الحلوى المفرومة (عجينة من الكيك والشيكولاتة والكريمة) بسعر يقل عن ثمن 3 قطع من المحلات. ويؤكد على الإقبال الكبير من الفقراء عليها لأن الأطفال يفضلونها، رغم صعوبة تمييز شكلها الأصلي. مفيش فرق أم على (ربة منزل): «ببحث عن بواقى أطعمة المصانع لأن «مفيش فرق فى الطعم» على حد قولها» . وتشترى الهامبرجر الذى قد يكون مُقطعًا أو قريبًا من انتهاء الصلاحية لبيعه بسعر أقل. وتشرح معاناتها مع دخل زوجها المحدود (3000 جنيه) وكثرة الأبناء، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الإيجار والمواصلات والفواتير، مما دفعها للاتفاق مع أبنائها على عدم تناول الطعام خارج المنزل لتوفير النفقات. فاطمة محمود (ربة منزل) تقول : «أنتظر السوق كل أسبوع لشراء بواقى المصانع، لأنها أقل سعر وتوفر فى المصاريف.» وتؤكد أنها تشترى الهامبرجر من السوق، لأنه أرخص من السوبر ماركت بكثير، وتشترى أسبوعيًا «كسر» محلات الحلويات الكبيرة». أما شيماء أحمد فقد اعتادت على شراء المكياج من سوق الإمام الشافعى لرخص أسعاره، قائلة : «أنا لو مشترتش من هنا مش هحط مكياج، وأنا مش متعودة على كدا، والأسعار هنا رخيصة ومفيش أى ضرر منها». نصف الثمن سعاد حسن (ربة منزل من إمبابة) : تحرص على زيارة السوق كل أسبوع لشراء بواقى المصانع من الأغذية، حيث تكون الأسعار أقل من نصف سعرها فى المحلات. تشترى الجبنة، واللانشون، والهامبرجر، والبسطرمة، وكلها بحالة جيدة وبأسعار مناسبة. وأوضحت أن هذه الأسواق تساعد الأسر البسيطة على توفير جزء كبير من مصاريف الطعام، خاصة مع ارتفاع الأسعار فى الأسواق التقليدية، مؤكدة أن الكثير من السيدات فى منطقتها يفضلن السوق الشعبى بسبب تنوع المعروضات ورخص السعر، حتى وإن كانت بعض المنتجات قريبة من تاريخ انتهاء الصلاحية أو عبوات تالفة الشكل. واختتمت بقولها: «إحنا بندور على الحاجة اللى تشبع العيال وتكون رخيصة، والسوق ده هو الحل الوحيد حاليًا». حماية المستهلك! يقول أمير الكومي، مستشار ورئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك: إن «المنتجات التى تُباع على الأرصفة فى الأسواق، سواء كانت أغذية أو أدوات تجميل، تشكل خطورة بالغة على صحة المواطنين، خاصة مع غياب بيانات الصلاحية أو المصدر». وأشار الكومي، إلى أن الأمر لا يقتصر على الأطعمة ومستحضرات التجميل، بل يشمل أيضًا منتجاتٍ كهربائية مجهولة المصدر تُباع بأسعار زهيدة، لكنها قد تكون السبب الرئيسى فى حوادث الحرائق التى نشهدها من حين لآخر. دور الإعلام وأكد الكومى، أن الدور الأول فى حماية المواطن يجب أن يبدأ بالإعلام من خلال نشر التوعية بمخاطر هذه المنتجات، محذرًا من الاستهانة بتأثيراتها الصحية والاقتصادية، وداعيًا إلى تشديد الرقابة على تلك الأسواق ومنع بيع المنتجات التى لا تحمل بياناتٍ واضحة أو تخالف المواصفات القياسية. وأكد الكومى أنه يتم استخدام مادة لحفظ الموتى فى تغليف بواقى الأطعمة وأن هذه المادة سامة للغاية، وتسبب أضرارًا مباشرة للكبد والكلى والجهاز العصبي، وقد تؤدى إلى أمراض مزمنة وتسمم غذائى حاد، موضحًا أن بعض معدومى الضمير يقومون كذلك بإضافة تلك المادة للحوم المُصنعة أو الأسماك المُجمدة للحفاظ على لونها ورائحتها لأطول فترة ممكنة. وأشار فى سياق حديثه إلى أن الجهود المشتركة بين الجهات الرقابية ووسائل الإعلام وأفراد المجتمع هى السبيل الأمثل لدرء المخاطر، من خلال توفير المعلومات وتوعية المجتمع بأسلوب مبسط وعملي، وسحب المنتجات التى لا تحمل مواصفات السلامة المُعتمدة، سيساهم فى الحد من الإصابات والحوادث التى باتت تودى بحياة بعض المواطنين وتلحق أضراراً جسيمة بأملاكهم. خطر داهم ويقول د. محمد على عز العرب، مؤسس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد، وأمين صندوق «جمعية سرطان الكبد المصرية»: «إن المنتجات الغذائية مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية التى تُباع فى الأسواق العشوائية تمثل خطرًا داهمًا على صحة المواطنين، خاصة مع غياب الرقابة والتفتيش الفعّال على هذه الأسواق». وأكد عز العرب أن بعض هذه المنتجات قد تحتوى على إضافات كيميائية ضارة، أو مركبات فاسدة نتيجة سوء التخزين أو انتهاء صلاحيتها، مما يؤدى إلى إجهاد الكبد وتراكم السموم فى الجسم، وهو ما يزيد احتمالات الإصابة بأمراض الكبد المزمنة، والتليف، بل وسرطان الكبد على المدى الطويل. وأضاف قائلاً: «عندما يستهلك الإنسان منتجاتٍ غير صالحة أو مغشوشة بمواد حافظة غير آمنة، فإن الكبد، وهو العضو المسئول عن تنقية الجسم، يتحمل العبء الأكبر. ومع التكرار، قد يفشل الكبد فى أداء وظيفته مما يفتح الباب لأمراض خطيرة». وأشار د.عز العرب إلى أن فئاتٍ كثيرة من المواطنين، خصوصًا أصحاب الدخل المحدود، يلجأون لهذه المنتجات بسبب انخفاض أسعارها، دون إدراك لحجم الضرر الصحى الذى قد يلحق بهم وبأسرهم. وأضاف: أن هناك علاماتٍ قد تنذر بأن المنتج غير صالح للاستهلاك، مثل: تغير اللون، أو الرائحة، أو القوام، وخاصة فى اللحوم الباردة أو منتجات الألبان. كذلك، الانتفاخ غير الطبيعى فى العبوات المُغلقة يدل على وجود تفاعلات بكتيرية، وهو مؤشر قوى على الفساد الغذائي. أما فى المنتجات الجافة، فقد تظهر عليها عفونة أو بقع داكنة أو حشرات دقيقة. وأوضح د.عز العرب: أن الفئات الأكثر عرضة للخطر هم: الأطفال بسبب ضعف جهازهم المناعى وعدم اكتمال نمو أعضائهم، وكبار السن بسبب تراجع الكفاءة الوظيفية للكبد والكلى. الأعراض عندهم قد تكون سريعة، ومضاعفاتها خطيرة، خصوصًا إذا لم يتم التدخل الطبى فى الوقت المناسب ، فالمرأة الحامل مسئولة عن تغذية جنينها أيضًا. تناول أطعمة فاسدة قد يسبب تسممًا لها وللجنين، وقد يؤدى للإجهاض أو تشوهاتٍ خلقية إذا احتوت هذه الأطعمة على بكتيريا خطيرة مثل: الليستيريا. لذلك نُوصى الحوامل بالابتعاد تمامًا عن أى منتج غير موثوق أو مجهول المصدر. وشدد على أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تكاملًا بين دور الدولة الرقابى والإعلام التوعوي، إضافة إلى رفع وعى المواطن بعدم المجازفة بصحته فى مقابل سعر أقل. كابوس صحى! وأطلق د. عزمى عبد اللطيف، استشارى الأمراض الجلدية، تحذيرًا شديد اللهجة بشأن مخاطر استخدام مستحضرات التجميل منتهية الصلاحية أو مجهولة المصدر، مؤكدًا أن هذه المنتجات قد تحول حلم الجمال إلى كابوس صحي. وأضاف: «للأسف، تنجذب الكثير من السيدات للأسعار الرخيصة، دون النظر للمخاطر الصحية الجسيمة. فاستخدام مستحضرات التجميل منتهية الصلاحية أو تلك التى تُباع فى الأسواق الشعبية أو لدى الباعة الجائلين، يمثل خطرًا كبيرًا على البشرة». وأشار استشارى الأمراض الجلدية إلى أن هذه المنتجات غالبًا ما تحتوى على مواد كيميائية ضارة أو تكون مُلوثة بالبكتيريا والفطريات، نتيجة لسوء التخزين أو انتهاء فعاليتها. وأضاف قائلاً : «هذه المنتجات تؤدى إلى مضاعفات جلدية متعددة قد تكون خطيرة ويصعب علاجها مع الوقت». وشدد د. عزمى على قائمة من المضاعفات التى قد تواجهها البشرة منها : التهاب الجلد التماسى الذى يظهر فى صورة إحمرار، حكة، وتورم، ثانياً: حساسية مزمنة: قد تتطور وتصبح صعبة العلاج، ثالثا: ظهور حب الشباب والبثور المؤلمة، رابعا: تصبغات وبقع داكنة التى يصعب إزالتها بسهولة، وهناك حالات نادرة قد تصل المضاعفات فيها إلى التقرحات الجلدية أو العدوى البكتيرية العميقة. ولم تكن تلك التحذيرات مجرد نظرياتٍ، بل استندت إلى واقع ملموس فى عيادته الخاصة، حيث يقول د. عبد اللطيف: «أنا شخصيًا استقبلت فى العيادة عدة حالات لفتيات أصبن بحروق أو طفح جلدى حاد بعد استخدام مكياج من الأسواق الشعبية، خصوصًا أقلام الكحل وأحمر الشفاه والكريمات المجهولة. موضحاً أن بعض المستحضرات المغشوشة يتم تصنيعها فى ورش غير مُرخصة، وتُستخدم فيها أصباغ صناعية ومواد حافظة فاسدة، مما يجعل تأثيرها التراكمى كارثيًا على صحة الجلد». وفى ختام حديثه، وجه د. عزمى نصيحة للسيدات قائلاً: «شراء مستحضرات التجميل يجب أن يكون من أماكن موثوقة فقط. يجب دائمًا قراءة تاريخ الإنتاج والانتهاء، وعدم استخدام أى منتج تغير لونه أو رائحته أو قوامه، لأن الحفاظ على البشرة يبدأ من المُنتج النظيف والسليم». داعيًا إلى تشديد الرقابة على الأسواق وتكثيف حملات التوعية، خصوصًا فى المناطق الشعبية، لحماية صحة المواطنين.